الاثنين، 28 مايو 2012

فتنة الدعاية السوداء……….. فهمي هويدي


 أخشى أن يلتبس الأمر على بعضنا، فيخطئون فى توصيف ما جرى فى مصر، الأمر الذى يوقعنا فى محظور انتكاسة الثورة والتمهيد لإجهاضها. ذلك أننى لم أفهم أن يقول قائل بأن خيارنا القادم هو بين الفاشية والديكتاتورية، أو أن الصراع يدور بين الدولة المدنية والخلافة العثمانية.

كأنه لا فرق يذكر بين المتنافسين أو أن الفريق شفيق يمثل الدولة المدنية! والدكتور مرسى يمثل الدولة العثمانية. لا أعرف إلى أى مدى يمكن أن يؤخذ هذا الكلام على محمل الجد، لكنه حين يصبح متداولا فى بعض وسائل الإعلام فإنه يتعذر تجاهله. بصرف النظر عما فيه من تدليس أو خفة.

منذ اللحظات الأولى قلت إننا بصدد الاختيار بين أستمرار الثورة أو الانحياز للثورة المضادة. وحذرت من تغليب المرارات وتراكم الأحقاد التاريخية على المصلحة الوطنية، الأمر الذى يصرف الانتباه عن التناقض الرئيس بين أنصار الثورة وخصومها، وينشغل بالتناقضات الفرعية أو التنافس المرحلى بين قوى الثورة، الأمر الذى يقدم هدية مجانية ثمينة إلى خصومها.

هذه الصورة بدت واضحة لدى بعض العناصر الوطنية التى عبرت عن رؤيتها بأكثر من صيغة. فمنهم من قال إن الخلاف مع الدكتور محمد مرسى سياسى بالدرجة الأولى، أما الخلاف مع الفريق أحمد شفيق فهو جنائى أولا وأخيرا وقال آخر إننا بصدد تمثل سياسى لموقعة «الجمل» التى حاول فيها بعض أنصار مبارك الانقضاض على الحشود المجتمعة فى ميدان التحرير. وأحد المرشحين يمثل طابور الغزاة فى حين يعد المرشح آخر جموع ميدان التحرير. وسمعت أستاذة فى علم النفس اعتبرت يد الأول ملوثة بدم الشهداء، أما يد الثانى فهى غير مطمئن إليها. والأول يستحيل مصافحته لأن ما بيننا وبينه ما لا يمكن عبوره أو نسيانه. أما الثانى فإننا نستطيع أن «نلاعبه» وأن نفرض عليه ما نريد، والأخير بحاجة إلينا لكى يتغلب على خصمه، بقدر ما أننا بحاجة إليه لأن منافسه خصم لنا أيضا.

فى مقابل ذلك فهناك آخرون لا يزالون أسرى المرارات والمواقف المتطرفة الحدِّية، التى تقر على إقصاء الآخر وترفض الاعتراف بفكرة الموازنة بين المصالح والمفاسد. كما ترفض الاعتراف بمقتضيات الضرورات التى تبيح المحظورات. وقد قلت لبعضهم إن نتائج فرز الأصوات وضعتنا بين طرفين أحدهما قد يقودنا إلى مستقبل غامض. وآخر يستدعى ماضيا بائسا. والأول ينبغى أن تفكر قبل أن ترفضه فى حين أن الثانى ترفضه دون أن تفكر. وإذا كان الأول لا يمثل أفضل ما تمنيناه إلا أن الثانى يجسد أسوأ ما توقعناه. وفى نفس الوقت فإن الأول منسوب إلى النظام الجديد الذى نتطلع إلى بنائه أما الثانى فهو مجرد استنساخ للنظام القديم، الأمر الذى يضع الأول على هامش الحلم الذى يراودنا أما الثانى فيستدعى الكابوس الذى دفعنا ثمنا باهظا للتخلص منه، وبالدم كتبنا شهادة التخارج من قبضته.

الميزة الوحيدة للتحدى الذى نواجهه فى انتخابات الإعادة أن التناقض بين المرشحين واضح فيه بما لا يسمح بأى شك أو التباس. وأقول «ميزة» لأن الإعادة لو تغيرت فيها الشخوص لأصبح الالتباس واردا. إلا أن ذلك الوضوح لم يكن كافيا من وجهة البعض لمراجعة المواقف وإعادة النظر فى خريطة الاصطفاف السياسى. وهو أمر لابد أن يثير الدهشة والاستغراب الشديدين، لأن التحدى المطروح على الجميع بات يخير كل صاحب صوت بين أن ينحاز إلى الثورة أو إلى الثورة المضادة.



أدرى أننا إزاء شريحة استثنائية فى محيط الصف الوطنى، تضم أولئك الذين هم على استعداد للاصطفاف إلى جانب الثورة المضادة، لمجرد رفضهم لمرشح الإخوان أو انتقادهم لمواقف الجماعة. إلا أننى أخشى من خطابهم فى أمرين. الأول ما يبثونه من دعاية سوداء تتبنى عناوين ومفردات «الفزاعة» التى استخدمها النظام السابق. وهى التى تصب فى وعاء تخويف المسلمين وترويع الأقباط. وقد قرأت شيئا من ذلك القبيل أخيرا يتحدث عن «الإخوان الفاشيين» الذين ينسب إليهم ما يلى: تسريح فنانين وغلق بلاتوهات السينما وتشميع دار الأوبرا ــ فرض الحجاب حتما ــ تعليق الخطاب للخصوم وعدم التسامح حتى مع تعاطف بعضهم ــ تصفية الصحفيين والمثقفين والمفكرين بالحبس والتشويه والتكفير ــ مطاردة المخالفين لما يدعون أنه شرع الله فى الشوارع والمقاهى.. إلخ.



 هذه الدعاية السوداء التى ترددها منابر إعلامية أخرى بصياغات مغايرة تسمم الأجواء لا ريب. وتستصحب معها حملة من الشائعات التى لا تشيع الخوف فقط، ولكنها تدفع إلى الإحباط أيضا. وهذا الإحباط من شأنه أن يحدث تأثيرا سلبيا على الإقبال على التصويت فى انتخابات الإعادة. وهذا هو المحظور الثانى الذى أحذر من وقوعه. إذ الملاحظ أنه بمضى الوقت يهدأ الحماس وتتراجع نسبة المصوتين فى الانتخابات (كانت النسبة فى انتخابات مجلس الشعب 54٪ وهى فى الانتخابات الراهنة لم تتجاوز 50٪). وأخشى إذا استمر الترويج للإحباط أن تقل أيضا نسبة المشاركين فى الإعادة، فى حين أن المطلوب هو استثارة الهمة واستنفار المجتمع للدفاع عن استمرار الثورة. لأنه إذا حدث العكس ففرصة فوز مرشح الثورة المضادة تصبح واردة.. لا قدر الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق