الأربعاء، 2 مايو 2012

لا نهضة للشرق فى غياب الاسلام…… عبدالمنعم ابوالفتوح


 يرتبط النهوض والاصلاح والاستقرار فى الشرق ارتباطا قويا بالفكرة الدينية .وهذه حقيقة من حقائق الحياة يؤكدها التاريخ وتؤكدها كل الدلائل الموضوعية سواء ما يتعلق بالشرق (البشر والحجر ) او ما يتعلق بالدين ( العقيدة و التعاليم) و من كمال التشريع الإسلامي وتمامه أنه لم يشرع نموذجا محددا تحديدا تفصيليا لصورة الحكم وشكل الدولة في المجتمع المسلم.. وعلى الرغم من أننا نجد مثلا نصوصا تفصيلية محددة بمنتهى الدقة في بعض المسائل المالية والشخصية (الديون والطلاق والزواج والميراث). 
فإن هذا التفصيل المحدد لم يشمل قضية السلطة داخل المجتمع.. والعليم الخبير سبحانه وتعالى أعلم بمن خلق، فهو سبحانه يعلم أن قضايا السلطة والحكم متغيرة في كل عصر، فوضع لها إطارا عاما وترك ملأه بالتفاصيل المتجددة دوما للمسلمين في كل عصر. 
لكنه سبحانه أمر بتحديد مجموعة من المعايير الأخلاقية العامة تتوافق مع القانون الإنساني العام في كل العصور، مثل العدل والمساواة والقبول والرضا من الناس, وجاء الإسلام بمجموعة من التشريعات تضبط حركة المجتمع وعلاقات أفراده ببعضهم وبغيرهم.. وهذا الأمر يتفق عليه كبار رجال الفكر الأصولي الإسلامي كالجويني وابن تيمية وابن القيم والعز بن عبد السلام، ناهيك عن أئمة المذاهب الكبرى. كلهم تقريبا رأوا أنه يكفي عدم مخالفة الشريعة في شيء حتى يكون كل شيء شرعيا.. فلم يشترطوا وجود نص شرعي باعتبار أن الأصل في كل شيء الإباحة والسماح إلا ما تناولته الشريعة بتحديد معين. 
  • فيرى ابن القيم أن السياسة الشرعية هي عدم مخالفة الشريعة الإسلامية..
  • ويرى ابن خلدون أن الحكم الإسلامي هو إقامة مصالح العباد في الدنيا والآخرة..
  • ويرى العز بن عبد السلام أن مدار الشريعة دفع المفاسد وأسبابها وجلب المصالح وأسبابها،
  • وحتى في عصرنا هذا يرى الشهيد عبد القادر عودة مثل هذا الرأي، وقد حاول في كتابه (التشريع الجنائي) تطبيق هذه الرؤية للتقريب بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية.
وكلمة (المصالح) من الكلمات الأثيرة لدى فقهائنا الأوائل للتدليل على كلمة (السياسة) في الفهم الإسلامي باعتبار أن السياسة هي (القيام على الأمر بما يصلحه). 
الخلافة الراشدة فكرة لا نظام 
نموذج (الخلافة الراشدة) هو أقرب ما يكون إلى حالة من حالات التصور الإسلامي (للقيم العليا) التي تحكم الممارسة السياسية دون وجود نماذج وأشكال محددة لهذه الممارسة، ونستطيع أن نفهم من ذلك أن(الخلافة المنشودة) هي العدل والمساواة والحرية ومكافحة الفساد السياسي والاجتماعي، وهي أيضا حكم ديمقراطي مدني.. وهي في التصور الأمثل منظومة شاملة للعلاقة بين الدولة والمجتمع في ظل الشريعة، وليس هناك أي إلزام على الأمة بتكرار التجارب التاريخية على نحو ما كانت عليه في الماضي، فالتفصيلات التطبيقية مختلفة من جيل إلى جيل، ومن زمن إلى زمن. 
وأريد أن أوضح شيئا بهذا الصدد، وهو أن الحكم الأموي والعباسي لم يكونا ذوي صبغة إسلامية للحكم بالمعنى الكامل والمطلوب للكلمة.. وتطبيقهما للإسلام كان نسبيا، وعليه مأخذ، واتخذت فترة الخلافتين طابعا خلافيا في معظم الوقت أدى إلى حروب داخلية بين المسلمين ما زال بعضها قائما إلى اليوم للأسف الشديد، وبالتالي فتجربة الحكم والسياسة بعد عمر بن الخطاب لا تمثل نموذجا سياسيا يمكن القياس عليه بشكل نموذجي؛ لأنه ببساطة لم يستوف الشرعية الكاملة كما ذكر عدد كبير من العلماء، وما كان قبول الأمة بكل أشكال الحكم بعد الخلافة الراشدة إلا من باب الأمر الواقع والخوف من الفتنة، (وقرأنا عن شرعية جديدة اسمها شرعية المتغلب)، وتغاضى العلماء والمفكرون عن شرط القبول والرضا الشعبي العام في مقابل الحفاظ على القيم الإسلامية وتحقيقها في المجتمع.. أو كما يقول البعض: تغاضوا عن شرعية السلطة في مقابل شرعية الحكم والممارسة. 
تطابق البيعة والقبول الشعبي 
شرعية السلطة في الإسلام تكاد تتطابق في تحققها مع النموذج الديمقراطي القائم الآن في المجتمعات المتقدمة.. وهي (البيعة العامة) في الإسلام و(القبول الشعبي العام) كما في الانتخابات الحرة في أي دولة محترمة.. في جانب شرعية (الحكم والممارسة) قد يكون فيه نقاش، خاصة حول مسائل الحرية الشخصية والاختلاف مع الآخر وتطبيق الحدود المقطوع بها شرعا وتوفر شروط تطبيقها. 
من المهم أن نتفق أولا على أنه ليست هناك سلطة دينية في الإسلام سوى سلطة النصيحة والدعوة إلى الخير بالموعظة الحسنة بالمعنى الاجتماعي والأخلاقي.. السلطة السياسية في الإسلام قد تكون لها وظائف دينية، ولكنها مدنية المظهر والجوهر، وهي سلطة تقوم على أسس سياسية وعقلانية تقدر المصالح بالدرجة الأولى.. وتطلق حركة العقل البشري في كل شيء لا يخالف الشرع ولم يتناوله الشرع لطبيعة التغيرالدائم في الدنيا.. وهو ما سماه العلماء (مساحة العفو التشريعي)، وليس جديدا القول إن النصوص القطعية الدلالة والثبوت والمجمع عليها قليلة للغاية. 
وبالتالي فهناك مجال واسع جدا للحركة للأمام بالإسلام في تصالح كامل مع الدنيا عبر كل العصور.. وفي تفهم وتعاون واشتراك مع آخرين قد لا يتقاربون مع شمولية الإسلام بالدرجة المطلوبة، فكلنا نتفق بشكل قاطع ونهائي على مدنية السلطة وعقلانيتها وعلى حرية الاجتهاد في كل مجالات الحياه تقريبا. 
وأنا لا أتفق مع الشهيد سيد قطب فيما ذهب إليه من أن (الاجتهاد الفقهي الآن يؤدي إلى ترقيع المجتمع الجاهلي باجتهادات إسلامية)..المجتمع ليس جاهليا، والاجتهاد إعمال لنعمة من أهم النعم، وهي نعمة العقل والتفكير وإقامة الدين في الدنيا.. ثم سنة الله في التدرج قائمة إلى يوم الدين وفق المفهوم التربوي للزمن. 
ويجدر بي هنا أن أؤكد من خلال إيماني وقناعتي أنه لا اجتهاد مع النص القطعي، كما أنه لا يجوز تبديل الأحكام الإسلامية في التشريعات، فإذا حرم الإسلام الخمر والربا فلا يجوز القول إن الإسلام يبيحهما،فليس من المقبول تبديل الأحكام الشرعية والتقول على الله، لكنه من المقبول جدا التوافق مع الآخرين في المجتمع وتحقيق مساحة كبيرة من التقاطع بين أحكام الشريعة والقانون الإنساني للوصول إلى تصور المجتمع المنشود تحت ظلال العدل والحرية والكرامة، وهذه هي الأهداف العليا للشريعة وتحقق مقاصدها، وأقول هنا تتمة لهذا المعنى إن الجرأة الإيمانية التي دفعت عمر لتوقيف (عطاء المؤلفة قلوبهم) وتوقيف (حد السرقة) لغياب شروط التطبيق والتطابق بين (الإنسان والنص والوقت)، هذه الجرأة الإيمانية لا تنقص المؤمنين بوحدانية الله وبرسالة نبيه صلى الله عليه وسلم في أي عصر من العصور، (فلا يخلو زمن من قائم لله بحجة). 
القبول بقيم المدنية والتعددية والحريات العامة 
أعود وأؤكد أن تعزيز قيمة المواطنة والمسئولية المدنية والأخلاقية والنصح العام والخاص بصون الأخلاق العامة وحماية الأسرة والحفاظ على المجتمع وإشاعة الرحمة والتراحم في جنباته لهي قيم الإسلام العظيم.. وسيادة هذه القيم ستنقل المركزية من السلطة السياسية بخشونتها وجفائها إلى السلطة الاجتماعية بحنانها وتعاطفها، وذلك من خلال المنظمات الأهلية والمؤسسات التربوية والاجتماعية والمساجد والمراكز الثقافية والبحثية والحض على شرف وكرامة العمل التطوعي. 
انطلاقا من هذه التصورات المبنية على القبول بمدنية السلطة والتعددية الدينية والفكرية والسياسية وحقوق الأقليات والحريات العامة والخاصة ضمن السياق الاجتماعي العام والتقاليد المرعية مع وجود قواعد وضوابط أخلاقية لها طابع إسلامي -سمح بلا غلو ولا إهمال ومتوافق عليه من الأغلبية- للحريات الشخصية والعامة والفنون والآداب. 
انطلاقا من كل ذلك فأنا أرى أن ما يجمعنا كإسلاميين بغيرنا ممن لا تتطابق رؤيتهم وفهمهم للإسلام مع رؤيتنا وفهمنا لهو أكثر من الكثير.. وإن(إراقة) الوقت في هذه الفترة من تاريخ الوطن أشد خطرا ووقعا من (إراقة) الدماء، والعياذ بالله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق