الخميس، 12 مايو 2011

أبو الفتوح يكتب: جولة في فكر البنا


في رسالة (بين الأمس واليوم) يذكر الأستاذ البنا (سبع ثغرات) اخترمت بنيان الدولة الإسلامية قرنًا تلو قرنٍ، وعلى مرِّ التاريخ أخذ التصدع يزداد ويزداد حتى وصلت الأمور إلى حال الانفراطِ والتردي الذي يعيشه العالم الإسلامي اليوم.. بل وتعيشه الإنسانية كلها؛ إذ حُرِمت من مجموعة من القيم والمبادئ الأخلاقية والسلوكية من أرفع وأسمى ما تكون.
ويرصد الباحثون بدايات هذا التردي في القرن الثالث عشر وقت الغارات المغولية والهجمات الصليبية.. وما صاحبه من سقوطِ بغداد في الشرق وقرطبة في الغرب.
ولعلَّ خط التاريخ ما زال يُواصل امتداده على نفس الوتيرة مع ما تخلل ذلك من بعض الانتصارات؛ إلا أننا نعيش الآن في زمنِ السقوط الثاني لبغداد، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وحديث الأستاذ البنا عن العوامل السبعة التي أدَّت إلى هذا التدهور كان دقيقًا وسديدًا إلى أبعد الحدودِ مع سهولة وبساطة في العرض تذهل مَن يُطالعها الآن بعد مرور كل هذه السنوات.. وخليق بمَن كان يُربي إخوانه على (البساطةِ والتلاوةِ والطاعةِ والنظافة) أنْ يكون إمامًا لهم في البساطةِ وهو يأخذ بعقولهم وضمائرهم ليشير لهم إلى مواطن (الأنين) داعيًا الله لنفسه ولهم بالتوفيق والنور والتبصر.
تعالوا نقرأ هذه الثغرات عساها تكون وعيًا لنا بالتاريخ وعبرة:
1-الخلافات السياسية والعصبية وتنازع الرياسة والجاه:وهي مشكلة قديِمة في التاريخ كله وفي كل المجتمعات.. إلا أنها في ظلِّ التربية الإسلامية الصحيحة تكاد لا توجد لنفورِ الحس الإسلامي الصادق من معاني التعصب الذميم.. ونذكر بهذا الصدد حديث رسول- صلى الله عليه وسلم- بالامتناع عن منازعة الأمر أهله، والتبرئ ممن يقبل بالرياسة والسلطة وهو يعلم أنَّ في الأمة مَن هو خير منه للقيام بأعباءِ المسئولية و(يكابر) و(يعاند) مستقطرًا لشهوة الرياسة والجاه حتى آخرها ضاربًا بمصلحة الأمة ومستقبلها عرض كل الحوائط التي في الدنيا وليعاذ بالله.. والنظام الإسلامي وضع آليات في الحكم والمراقبة- في حالِ تطبيقها الصحيح- تقلل بدرجةٍ كبيرةٍ من حدوثِ هذه الكوارث، ولعلَّ (الإضافة الإنسانية) المتمثلة في الديمقراطية إلى آليات الحكم والممارسة السياسية تعد رصيدًا مضافًا إذا مُورست بحرية وأمانة.
2-الخلافات الدينية والمذهبية: والأستاذ لم يقصد هنا خلو الدنيا من الخلافِ ولكنه قصد أمرين:الأول الخلاف المذهبي العميق الجذور وتصدير هذا الخلاف على أنه حقيقة نهائية وليس اختلاف يسعه العقل والقلب، والثاني تحوُّل هذا الخلاف إلى خصومة وعداوة واقتتال.. وهو ما شهده التاريخ الإسلامي كثيرًا.
وحتى لا نُنكر أنفسنا فقد كانت الدنيا كلها في هذا الوقتِ تصعد خلافاتها على مستويات أفظع بمراحل كثيرة مما كان في العالم الإسلامي وقتها.. وهذا لا يُبرر حدوث خلافات وصراعات ما زال بعضها إلى يومنا هذا مرشح للتصعيد والتأجيج الخارجي حتى تمتد أصابع المتلاعبين ليلعبوا كيفما شاءوا ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: من الآية 21).
لذلك يجدر بالعاملين في الحركة الإسلامية أخْذ كل التحوطات التي تمنع وتحول دون تصاعد خلافات ذات مستوى مذهبي عميق.
3- انتقال السلطة والسياسة إلى غير العرب ممن لم يتذوقوا الإسلام الصحيح ولم تُشرق قلوبهم بأنوارِ القرآن لصعوبة إدراكهم لمعانيه: والمقارنة بين الفتوحاتِ التي قادها وأنجزها العرب والتي قادها وأنجزها غيرهم تُشير إلى هذا المعنى.. والمقصود بالعربية هنا اللسان وليس العِرق، والبخاري والترمذي والنسائي نماذج لذلك، ولعلَّ الحساسية المفرطة لأوربا من الإسلام جزء منها صنعته حروبها مع الدولة العثمانية التي كانت في بعضِ الإحيانِ لا تُعبر عن أخلاقِ المسلمين الفاتحين كما كانت في الهندِ وشمال أفريقيا.
 4- الانغماس في ألوان الترف والنعيم: وكلمة الانغماس ذات دلالة عميقة وهي تختلف عن رغد العيش الذي يدعو إليه الدين فضلاً عن أن يُنكره،وكان الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله يسأل الله (من العيش أرغده ومن العمر أسعده).. ونقرأ في الكتابِ الكريم أن سيدنا موسى ﴿تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ﴾ (القصص: من الآية 24) يدعو ربه في إشارةٍ إلى حالة الهدوء والراحة حتى لا يكون منشغلَ البال بعطشٍ أو حرارة.. ولكن كلمة (الانغماس) تُشير إلى (التنافس والوهن)، وهما ما حذَّر منهما رسول الله- صلى الله عليه وسلم- "…أن تتنافسوا الدنيا كما تنافسها الذين من قبلكم".. وطبيعي أن يكون التنافس في مجالات الرفاهية التي هي في أيامنا هذه على نطاق هائل من سيارات وفيلات ومزارع وما إلى ذلك من أشكال التفاخر والمباهاة.
والوهن الذي هو (حب الدنيا وكراهية الموت) وهو المحصلة الطبيعية والنتيجة المنطقية للترف؛ لأنه يؤدي بطبيعة الحال إلى (التثاقل إلى الأرض) حتى يطرق الغزاة أبوابَ الأوطان.
5- إهمال العلوم العملية والمعارف الكونية وصرف الأوقات وتضييع الجهود في فلسفات نظرية عقيمة وعلوم خيالية سقيمة):كانت الحضارة الإسلامية حتى القرن الرابع عشر تعتمد الرؤية الشاملة (للعلم) على مستوى القيادة وعلى مستوى الأمة، وكانت ثقافة (اطلبوا العلم ولو في الصين) و(اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد) تملأ أركان الدولة الإسلامية، حاملةً لواء النهضة والتنوير الإنساني في الدنيا كلها.
 وكان مفهوم العلم ينسحب على علوم الدنيا وعلوم الدين، فلم يكن هناك تفضيل لأيهما على الآخر، إلى أن بدأت المفاهيم الناقصة تتسرَّب إلى وعي الأمة بدءًا من القرن الرابع عشر كما ذكرنا، فحدث أن استقرَّ مفهوم العلم على أنه الفقه والشريعة فقط!! (وأُهملت العلوم العملية والمعارف الكونية) تمامًا.
 ولأن الفراغ يستدعي ما يملأه فقد صُرفت الأوقات والجهود في الفلسفات العقيمة، مثل أحاديث الجبرية والقضاء والقدر وخلق القرآن وما إلى ذلك، وتبع ذلك كله خلافات لا حصر لها وصلت إلى حد التقتيل والتعذيب ولا حول ولا قوة إلا بالله!!
 في الوقت نفسه كانت أوروبا تنفض عن نفسها غبار الجهل والاستبداد، وبدأت الاكتشافات البحرية والعلمية التي أدت إلى الثورة الصناعية، وانتقل لواء النهضة والتنوير الإنساني من يد إلى يد وفق نواميس وقوانين كونية ثابتة، ولكن للأسف مما أضر بالإنسانية أبلغ الضرر!!
 فشهدت الأرض أبشع صورة من صور المعاملات الإنسانية وهي (الملكية الاستعمارية) والتي خرجت منها الشيوعية كعقيدة رافضة للرأسمالية، والفاشية كعقيدة استعلاء وعنصرية والتي خرجت منها النازية التي أشعلت حربين كونيتين من أسوأ حروب التاريخ كله.
6- غرور الحكام بسلطانهم، والانخداع بقوتهم، وإهمال النظر في التطور الاجتماعي للأمم من غيرهم، حتى سبقتهم في الاستعداد والأهبة وأخذتهم على غرة:في الوقت الذي ران فيه على الأمة الإسلامية مفهوم الاستبداد السياسي على أنه من (الأقدار الحتمية) في أسوأ فهم وتطبيق لمعنى (الإيمان) كانت أوروبا تنقض بنيان الملوك والأباطرة وتُعيد صياغة العلاقة بين الحاكم والمحكوم من جهة وعلاقات الناس ببعضهم من جهة أخرى.. صحيح أن الأمر لم يكن على المستوى المثالي ولكنه أحدث من التطور الاجتماعي- على نحو ما يشير الأستاذ البنا- نقلةً هائلةً ولم تنتبه الأمة إلى ما يحدث حولها في الدنيا إلا على مدافع نابليون وقد أخذتهم على غِرة.
 ونستطيع أن نرصد ببساطة شديدة عبقرية (البنا) الذي كان (اسمًا) على مسماه الحقيقي كما يقول الشهيد سيد قطب في الربط بين (غرور الحكام) و(إهمال النظر في التطور الاجتماعي) في ربط محكم للاستبداد السياسي بالتخلف الاجتماعي.
7- الانخداع بدسائس المتملقين من خصومهم والإعجاب بأعمالهم ومظاهر حياتهم والاندفاع في تقليدهم فيما يضر ولا ينفع): يشير الأستاذ البنا هنا إلى مقولة ابن خلدون في إعجاب المهزوم بالمنتصر وتقليده تقليدًا أعمى وابن خلدون رصد هذه الظاهرة الاجتماعية (كقانون تاريخي)، ويرصدها هنا الأستاذ البنا رصدًا عمليًّا إصلاحيًّا، ولعل (دسائس الخصوم) قد ظهرت بوضوح في أخريات الإمبراطورية العثمانية، وحالت دون أي محاولة للحفاظ على هذه (الرابطة الكبرى) وزادت وتغلغلت فيما رأيناه بعد ذلك في (سايكس بيكو).
 ولم يكن ذلك على المستوى السياسي فقط، ولكن كان أخطر منه وأدهى يتم على المستوى الاجتماعي (في الاندفاع فيما يضر ولا ينفع) في إشارة منه- رحمه الله- إلى أن التقليد النافع لا يعيب في شيء، ولكن للأسف كان التقليد الضارُّ أغلب وأعم بدءًا من (رطانة اللسان) التي تؤكد وتغرس في الفرد تبعيته لغيره وانتهاءً بالسلوك الاجتماعي وممارسات الحياة اليومية، ولم يكن البنا- رحمه الله- عنصريًّا حين أكد في وصاياه العشر لإخوانه على أهمية التحدث بالعربية الفصحى ما استطاعوا؛ لأن اللغة ليست ألفاظًا تُردَّد فقط وليست وسيلةَ تواصل فقط، ولكنها فهمٌ وثقافةٌ ووعاءٌ للتفكير والخيال، ومن ثم كان الحفاظ عليها في اللسان والحديث حفاظًا وصونًا لما تمثله من خصوصية واعتزاز في الوعي والسلوك، ناهيك عن أنها لغة القرآن الكريم.
 رحم الله البنا رحمةً واسعةً، وجعلنا الله جميعًا امتدادًا أمينًا لما كان يمثله ونهضَ به وقام له رجاءً فيما عند خالقه سبحانه وحبًّا وإخلاصًا لوطنه وأمته.
الأصناف الأربعة
 في تصنيفٍ عبقري يُحدد الأستاذ البنا موقفَ الناسِ من الأفكار والدعوات على طول التاريخ، بل ويذهب إلى أبعد من حدودِ التصنيف فهو يرجو من الناس أن يختاروا بينها، ويحددوا أين هم من هذه التصنيفاتِ باعتبار أنَّ الإنسان في نهاية الأمر حُرُّ المشيئة في اختياراته، متحملاً نتيجة هذا الاختيار على أن يكون من الوضوحِ والصراحةِ بما لا يجعله في نطاقِ (المنافقين) فيقول رحمه الله وأرضاه: وكل الذي نُريده من الناس أن يكونوا أمامنا واحدًا من أربعة:
 الأول: (مؤمن)..فهو شخص آمن إيمانًا يقينيًّا بهذه الدعوة وصدق بمبادئها واطمأنت إليها نفسه، وطبيعي أنَّ هذا الإيمان يتبعه ما يؤكده ويصدقه من عمل، وله من الله سبحانه أجزل الأجر، وأن يكون له من ثوابِ مَن اتبعه لا ينقص ذلك من أجره.. يقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثٌ من كُنَّ فيه وجد حلاوةَ الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يُحب المرءَ لا يحبه إلا لله تعالى، وإن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقذَف في النار".
وطبيعي أنَّ هذا الصنف من الإخوان يكون مصدقًا لقول الرسول الكريم فيعلم يقينًا أن (الله غايته والرسول قدوته) فيحيا على الأرضِ بقلبٍ معلقٍ بالسماءِ يدعو الله بحبٍ وإخباتٍ أن يجعل الدنيا في يده لا في قلبه؛ لأنَّ قلبه امتلأ بحبِّ ربه وخشيته وتقواه.. يسمع لقول رحمن الدنيا والآخرة ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ (آل عمران: من الآية 31) فيقول سمعنا وأطعنا.. ويكون ما استطاع عبدًا ربانيًّا في فهمه وفكره وسلوكه ومعاملاته.
فنفهم من هذا المعنى ما كان يذكره الأستاذ البنا دائمًا لإخوانه وتلاميذه من أنَّ (للإيمان الصادق والعبادة الصحيحة والمجاهدة نورًا وحلاوةً يقذفها الله في قلبِ مَن يشاء من عباده)، والله سبحانه يجتبي إليه مَن يشاء ويهدي إليه مَن ينيب، ولن يخرج المؤمن الصادق الإيمان عن أيٍّ منهما بتوفيقٍ ونورٍ من الله.. هؤلاء هم وقود الدعوه وزادها الذي لن ينقطع إن شاء الله.
الثاني: (متردد)..ويصف الأستاذ هذا الصنفَ من الناس بأنه (لم يتعرَّف في قولنا معنى الإخلاص والفائدة).. وينصحهم بأن يتابعوا الدعوة عن كثبٍ ويتتبعوا أخبارها وصُحفها ومجلاتها ويزوروا شُعَبها وأنديتها- إن شاء الله ستعود تلك الأيام وتمتلئ قُرى مصر وشوارعها وحاراتها بشُعَب الإخوان وأنديتهم بملاعبها ومكتباتها ومساجدها-، ويوضِّح الأستاذ البنا لهذ الصنف من الناس أنهم "لن يجدوا من الإخوان إلا ما يُطمئنهم".
 والحقيقي أنَّ هذا الصنف من الناس غير قليلٍ.. وزاد على ذلك حالة الترويع التي تنتهجها الأنظمة الاستبدادية من جماعة الإخوان.. وأيضًا حالة التخليط والتشويه التي تروج لها بعض الصحف والكتابات ممن لا يعنيهم أمر الدين والوطن في شيء.. وأتصور أنَّ حالةَ التواصل الوجداني بين الإخوان والناسِ- وهو ما ظهر في الانتخابات الأخيرة (2005)- قللت كثيرًا من آثار هذا الترويع والتشويه، وأنا بدوري أدعو كل أخ من الإخوان أن يكون (شُعبة متنقلة)، ويُبين للناسِ أكثر وأكثر أن الإخوان السلمين هم قطعة من قلبِ مصر ومصر وأهلها- مسلمين وأقباطًا- قطعةً من قلوبِ الإخوان.. بلا ادعاء ولا تزلف والناس أصبحت من الإدراك بمكان يجعلهم يفرقون بسهولة بين الكاذبِ المدعي والصادق النقي.
الثالث: (النفعي)..وهو الشخص الذي لا يُقدم على عملٍ حتى يعلمَ ما سيعود عليه في المقابل من منفعة وفائدة، وهؤلاء يقول لهم الأستاذ البنا: "حنانيك، ليس عندنا من جزاءٍ إلا ثواب الله إن أخلصت والجنة إن علم فيك خيرًا".. ويقول أيضًا: "الله غنيٌّ عمَّن لا يرى لله الحقَّ الأول في نفسه وماله ودنياه وآخرته وموته وحياته".
 وهذا النوع للأسف موجود خاصة حين تكون الأمور في إقبال وانتشار، وهم كوارثٌ على الدعواتِ والتجمعاتِ ذات الطابع الإصلاحي؛ لأنهم يكونون على غير ما يقولون.. ويتصرفون في معاملاتهم مع الناس وفْق مصالحهم وأغراضهم.. وهؤلاء هم (سوس) الدعوات الذي- لا قدَّر الله- ينخرُ في عظامها.
والأمر في هذه الأيام ادعى للانتباه واليقظة أكثر آلافِ المراتِ مما كان عليه الأمر من قبل؛ لأنَّ هناك حالةً من المصداقيةِ والثقة عند الناس أنعم الله بها على الحركة الإسلامية على طول البلادِ العربية وعرضها.. وهذه هي الأوقات التي (يترعرع) فيها أمثال هؤلاء- والعياذ بالله-؛ طمعًا في مغنمٍ أو تصيدًا لفرصة.. ويجب الأخذ على أيادي هؤلاء بشدةٍ حتى لا يُفسدوا ما يُصلحه الصالحون أو يهدموا ما يبنيه الصادقون.
 الرابع: (المتحامل)..ويصفه الأستاذ البنا بأنه "ذلك الشخص الذي ساء فينا ظنه وأحاطت بنا شكوكه".. وهذا الصنف طبيعي أن يكون موجودًا في طريقِ الدعوات الإصلاحية، وهو أمرٌ قديمٌ قدم الدنيا والناس، والتعامل مع هذا النوع يكون بطريقٍ علاجي وآخر وقائي- على نحو ما ينصح الفقيه العلامة الدكتور القرضاوي- العلاجي يكون بتصحيحِ هذه الظنون والشكوك والتحاور الدائم بالحسنى والحكمة بشكلٍ موضوعي وهادئ على ألا يأخذ ذلك منا كل الجهد ومعظم الوقت.. وعلى ألا يسوقنا ذلك إلى التشاتم والتلاسن وما يُنافي أخلاقيات المؤمنين المصلحين.
 والوقائي يكون بوضع لغة خطاب موضوعية وموثقة تجمع بين الدقة والوضوح، وبشكلٍ عصري وبسيطٍ يبعد عن التعقيدِ والتعالي.. والبحث الدائم عن مساحاتِ المشترك بيننا وبين الآخرين، فنتعاون ما استطعنا فيما اتفقنا عليه معهم؛ وذلك من شأنه أن يكسر حِدة التحامل والتي قد تكون وليدة موقف خاطئ أو قول غير موفق.. وفي كل الأحوال يقول الأستاذ البنا لإخوانه وتلاميذه: "كونوا كالشجرِ يرميه الناس بالحجرِ فيرميهم بالثمر".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق