الاثنين، 9 مايو 2011

البرادعي ورفاقه والقفز على الواقع….. بقلم: قطب العربي


أحترم الدكتور محمد البرادعي، وأقدر دوره في التمهيد للثورة، وأؤكد أنني كنت من أوائل من انضموا إلى الجمعية الوطنية للتغيير، ومن أوائل من وقَّعوا على بيان المطالب السبعة للتغيير، كما أقر بأن وجود البرادعي بيننا في ميدان الجيزة يوم 28 يناير ومطاردته بخراطيم المياه؛ منح المتظاهرين "الغلابة" من أمثالي جرعة حماس إضافية، وأقر أنني لا أجد بين المرشحين الذين حسموا أمرهم فعليًّا لمنصب الرئاسة حتى الآن من هو أجدر منه- إلا أن يظهر في قابل الأيام من هو أكثر إقناعًا-، لكنني مع كل ذلك أجدني رافضًا بشدة لدعوته إلى تأجيل الانتخابات النيابية حتى يتم وضع دستور أولاً.

دعوة البرادعي لتأجيل الانتخابات، والتي يشاركه فيها الليبراليون واليساريون الذين عقدوا مؤتمرًا كبيرًا يوم السبت؛ هي امتهان للإرادة الشعبية التي تجسدت في نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية يوم 19 مارس الماضي، والتي أسفرت عن "نعم" بنسبة 78% لتلك التعديلات التي تحدد خارطة طريق واضحة المعالم للفترة الانتقالية، وتشمل إجراء انتخابات نيابية لمجلسي الشعب والشورى أولاً؛ ليتمكن النواب المنتخبون في المجلسين من اختيار هيئة تأسيسية من مائة عضو؛ لإعداد الدستور الجديد الذي يحدد شكل مصر الجديدة.

كان من المفترض في الدكتور البرادعي- وهو الديمقراطي بحق بحكم تكوينه الشخصي وبحكم معيشته في بيئة ديمقراطية لفترات طويلة- أن يكون أول المقرين بنتيجة الاستفتاء، كما فعل ليبراليون آخرون مثل الدكتور عمرو حمزاوي الذي ناضل بكل قوة لحث الشعب على التصويت بـ"لا"، وحين خرجت النتيجة بأغلبية لـ"نعم" كان أول المرحبين بها والداعين إلى احترامها والتعامل معها بإيجابية.

هل يُعقل لشخص يقدِّم نفسه مرشحًا لرئاسة شعب ثم يرفض خيار هذا الشعب، ويريد أن يسوقه هو بعصاه إلى طريق لم يرده؟!، هل يعقل من شخص يقدِّم نفسه باعتباره رمزًا لليبرالية، ثم يهوي في أول اختبار ديمقراطي؟!، وكيف لنا أن نطمئن إليه بعد ذلك لو أصبح رئيسًا لمصر؟! أليس الأرجح أنه سيواصل هذا النهج المتكبر والمزدري للإرادة الشعبية إذا لم تصادف هواه؟!.

أزعم أن الميزة الرئيسية بل ربما الوحيدة التي ميَّزت البرادعي عن غيره من السياسيين التقليديين والمرشحين الرئاسيين هي إيمانه الحقيقي بالديمقراطية، والآن وقد فقد هذه الميزة أو كاد؛ فما الذي يدفعنا إلى مواصلة تأييده؟، وهل نحن بحاجة إلى ديكتاتور جديد لا يحترم إرادة الشعب؟! أظن أن الإجابة المبدئية في الحالتين لن تكون في صالح البرادعي، وبالتالي عليه أن يراجع نفسه سريعًا قبل فوات الأوان، ويعتذر عن ذلته، ويطلب من الشعب الصفح قبل أن يُفاجأ برد شعبي أقسى من نتيجة الاستفتاء.

أما بالنسبة لمؤتمر "الشعب يحمي ثورته"، فهو تكرار لمؤتمرات نخبوية سابقة، عقد بعضها في نقابة الصحفيين أو غيرها، تتحرك جميعها من قاعدة واحدة هي الخروج على الإرادة الشعبية التي تجسدت في استفتاء 19 مارس، وهؤلاء القوم الذين احتشدوا في المؤتمر الأخير أدركوا مبكرًا أنهم ليس لهم حظ في لجان الانتخابات، فسارعوا إلى لجان المؤتمرات؛ لعلهم يستطيعون فرض أمر واقع على الأغلبية.

لا أدري كيف يدَّعي هؤلاء أنهم ديمقراطيون (ليبراليون أو يساريون)، ثم هم ينقلبون بهذه البساطة على النصوص الدستورية وعلى الإرادة الشعبية الحرة، ويطالبون بتأجيل الانتخابات النيابية التي أراد الشعب أن تسبق صياغة الدستور، حتى يتسنى تشكيل هيئة تأسيسية للدستور، تعبِّر عن قوى المجتمع الحقيقية وليس الفقاقيع والبالونات؟!

الذين يريدون شطب الإرادة الشعبية وإلغاءها والقفز عليها، يتعالون على الشعب ويظنون أنهم الأفهم والأشطر والأجدر بالحكم، وأنه لا يجوز مساواة الجهلاء والأميين الذين يمثلون غالبية الشعب المصري بالمثقفين والمتعلمين، كما عبرت عن ذلك المستشارة الدستورية تهاني الجبالي، مبررة ذلك أن دولاً كثيرة تفعل ذلك، وناسية أو متناسية أنها تنتمي لتيار ناصري هو الذي فرض نسبة الـ50% على الأقل من العمال والفلاحين على مجلسي الشعب والشورى والمحليات، والآن هي تنقلب على منجزات قائدها، لتطالب بتقليص حقوق الأميين في التصويت، وكل ذلك خشية المصير المحتوم لصندوق الانتخابات.

سبق لي أن واجهت هذه المجموعة في مؤتمر سابق بنقابة الصحفيين، استهدف وضع دستور جديد، مستبقًا تشكيل هيئة تأسيسية منتخبة، وأكدت لهم أن تحركهم هو بمثابة انقلاب على الديمقراطية وعلى إرادة الأغلبية، يشبه انقلاب نظرائهم بمساعدة العسكر على الديمقراطية في الجزائر مطلع التسعينيات، وأريد أن أقول لهم الآن إن الخيار الجزائري الذي يتحركون بوعي أو بدون وعي لتطبيقه في مصر سيكون وبالاً على الجميع، وليس على الإسلاميين فقط، كما حدث في الجزائر نفسها التي عانت لعشر سنوات عجاف من الإرهاب الذي طال الجميع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق