الأربعاء، 25 مايو 2011

على رِسْلِك يا دكتور غزلان!! … الشيخ/ عصام تليمة

كتب الأخ الحبيب الدكتور محمود غزلان مقالا بعنوان: (لماذا لن نرشح أو نؤيد واحدا منا في انتخابات الرئاسة القادمة؟!)، ومن حقه أن يتبنى رأيا، ويدافع عنه، بما شاء من أدلة، ومتى شاء، سواء عبر فيما كتب عن رأيه الشخصي، أو عن رأي الجماعة التي ينتمي إليها، جماعة الإخوان المسلمين، ووقفتي معه لا تنفي ما في المقال من نقاط اتفاق، لا أختلف فيها معه، بل أتفق تماما معه، مثل: مصداقية الجماعة في إعلانها في بادئ الثورة عن عدم الترشح، وتأكيدها على ذلك، واستمرارها في هذا التأكيد، ومثل: الشورى الملزمة، وهو ما لا أختلف معه عليه. 


وحتى لا أفاجأ بنيران صديقة تعلق على مقالي، ويكون كلامي في واد، وتعليقاتهم المتعجلة في واد آخر، أنا هنا لا أتحدث عن ترشح د. عبد المنعم أبو الفتوح من عدم ترشحه، لا تأييدا ولا رفضا، هذه قضية ليس مجال الحديث عنها الآن، إنما كلامي على أمر آخر وهو منهجية د. غزلان واستدلالاته فيما أورده من أدلة ليسقطها على الحالة التي تحدث عنها، كما يلي:


أولا: في فقرة من فقرات مقالك قلت: وهنا سؤال: هل يجوز لِمَن أقسم يمينًا بالله تعالى: «أن ينزل على رأي الجماعة ولو خالف رأيه» أن ينكث في هذا القسم أو ينقض هذا العهد مع الله قبل أن يكون مع الجماعة، ثم أليس النزول على رأي الجماعة أو أغلبيتها صميم الشورى، ولب الديمقراطية؟
فلست أفهم هل الدكتور غزلان هنا، يسأل سؤالا يبحث عن مفت يفتيه، أم هو يصوغ الإجابة ويفتي من نفسه، فتكون فتوى صادرة منه بصيغة سؤال؟!


وصيغة السؤال أو الفتوى كما كتبها الدكتور غزلان، تعريضا، وتلميحا، ليست صحيحة بالمرة، فمن قال إن بيعة أي أحد من الإخوان للجماعة على العمل للإسلام من خلالها، هي بيعة لله، وأنه بترك البيعة، وسلوكه سبيلا آخر في العمل للإسلام، قد نكث عهده مع الله، وضاعت بيعته لله؟! هذا كلام خطير، يفتح بابا من الشر في الدعوة لا يعلم مداه إلا الله يا دكتور، ويؤصل لفكر لا اقول متشدد، بل فكر متنطع، ليس له من الإسلام سناد ولا خطام، لأن من المسلَّم به أن الإخوان كجماعة هي وسيلة وليست هدفا، الهدف هو الإسلام، والوسيلة للعمل إليه: هي جماعة الإخوان، فكيف يحكم على ترك الوسيلة، والبحث عن وسيلة أخرى، بأنه نكث للعهد، ونبذ للبيعة مع الله، والبيعة مع الله شيء، والتعاهد مع أفراد صالحين للعمل للإسلام، شيء آخر، فهب أن إنسانا تعاهد مع رفقة صالحة في المسجد، أن يصلوا الفجر كل يوم في مسجد معين، ثم لأمر ما لم يرتح نفسيا أحد هذه المجموعة للصلاة في هذا المسجد، فذهب إلى مسجد آخر، نحكم عليه بنكث العهد والبيعة، الهدف هو صلاة الفجر، الوسيلة هي المسجد، أي مسجد تستطيع أن تؤدي فيه الفريضة خاشعا منيبا إلى الله، فاذهب، أما أن نحكم بأن الصلاة لا تصح إلا في مسجد واحد، فهو أمر خطير جدا في الفهم.

هل معنى كلامك يا دكتور أن هؤلاء العلماء القامات الشامخة من أمثال: محمد الغزالي، والسيد سابق، ويوسف القرضاوي، وفتحي يكن، وعبد العزيز كامل، وأحمد حسن الباقوري، والبهي الخولي، وصلاح أبو إسماعيل، نكثوا بيعتهم مع الله، بترك التنظيم، وليس بترك الفكرة؟! على الرغم من أن الإخوان المسلمين عندما خرجوا من المعتقلات والسجون لم يجدوا عباءة يتدثرون بها، ويحتمون بهم، إلا هؤلاء العلماء من إخوانهم الذين كان لهم وجهة نظر في طريقة العمل في الجماعة، صحت أم خطأت.

بل إن الإمام البنا في تاريخه قبل أن يكون من المقتنعين بأن الشورى ملزمة، في عام 1942م، وقد عرض عليه النحاس باشا أن ينسحب من الانتخابات مقابل أن يفسح له في النشاط الدعوي، فانسحب، وخالف في ذلك قرار مكتب الإرشاد بالكامل، ولسنا بذلك نبرر للدكتور أبو الفتوح ولا لغيره المخالفة لقرارات المكتب، ولكننا نعذر عند المخالفة، أو يتخذ الإجراء الإداري المناسب حتى لو أدى إلى الفصل، وهو حق لكل مؤسسة أن يرعى أفرادها قراراتها النابعة والصادرة عن أهل الشورى فيها.

ثم كثيرا ما يشدد الإخوان في كل أدبياتهم أنهم جماعة من المسلمين، وليسوا جماعة المسلمين، ولكن للأسف يقع البعض دون أن يدري في زحمة العمل، وحب الدعوة، والتفاني لها، ننسى ذلك، فنتعامل مع جماعة الإخوان دون أن ندري على أنها جماعة المسلمين، فمن تركها فقد ترك الخير كله، ومن بحث عن وسيلة أخرى غيرها، فقد اقترف جرما وإثما لا يغفره الله إلا بالعودة إليها، وهذا خطأ لا أعتقد أن أحدا يقصده أو يتعمده، وهو ينتج لا إراديا من البعض، دون تأمل، وربما كان ناتجا عما تعانيه الجماعة من ضعف الكوادر الشرعية فيها، وتراجع أهل الفقه والشرع عن مكان القيادة.
أيضا ما لا أحمده في مقالك، أنه دون أن تقصد هذا الأمر، سيجرئ من لا يحسن أدب الخلاف، وهم موجودون قلوا أم كثروا، من التطاول على كل من يخالف في أمر فيه سعة للخلاف.

ثانياأخشى ما أخشاه أن يغيب عنا في مثل هذه القضايا أدب الخلاف، وتسرب ظاهرة الاغتيال المعنوي، لأناس لهم تاريخهم، ولهم عطاؤهم، وهو ما تلاحظه ويلاحظه القراء من تعليقات القراء على المقال، ما بين نيل، وطعن، وتجريح، أو سوء أدب، ولا يقولن أحد: إن تعليقات القراء ليست معيارا، لكن أن تنشر على موقع الإخوان، وفيها إساءة لأشخاص بذكر أسماءهم، والدخول في نياتهم، وكأنهم ملائكة أرسلها الله لتعلم ما في نفوس الناس، فهذا عيب ولا يليق. علينا أن نكف ألسنتنا بالسوء عن الدعاة وأهل القبلة عامة، وألا نكون من أرازل الناس الذين لا خلاق لهم، الذين يعلنون شعار: من معنا فهو قديس، ومن تركنا فهو إبليس؟!
ألا يستحق الذين يختلفون مع الجماعة، أن يعاملوا معاملة ممن نتألفهم للدعوة؟! إذا كان الإخوان يجرون لدعوة وتأليف قلب المخالف لهم، وليس على خطهم الإسلامي، فكيف بمن هو منهم، ومن صلب دعوتهم، وخالف، أو ترك.


ثالثاالخلاف في الترشح للرئاسة أو عدم الترشح، خلاف سياسي، وليس خلافا دينيا يتطلب استدعاء النصوص التي رحت تسوقها، وهي نصوص تؤكد على أهمية فقه الموازنات، وليست تجرح الترشح من عدمه، وهي قضية يتحمل فيها الخلاف، فكل القضايا السياسية تتحمل أن يختلف فيها الناس في أكثر من وجهة نظر، لأن السياسة هي فن الممكن، وفن الموازنات بين المصالح والمفاسد، وهي وجهات نظر، ورؤى تختلف من شخص لآخر، ومن فصيل لآخر، بغض النظر عن رأي الجماعة الملزم لأتباعها بعدم الترشح، وهو رأي مبني على اعتبارات تقدر وتحترم، لكنه لا يحرم أي فرد خارجا عن الجماعة، أو منفصلا عنها بالترشح غير ممثل لها.
وقد اختلف فيها رموز الإخوان، فالكثرة من كبار الإخوان لا يرحبون بترشح الدكتور أبو الفتوح، بينما رأينا ترحيبا من الدكتور كمال الهلباوي، وكذلك الشيخ راشد الغنوشي في لقاء خاص جمعني به، وكذلك الشيخ القرضاوي لا يرحب إلا في حالة لو كان هناك ضغط شعبي كبير ينادي بأبي الفتوح مرشحا، الشاهد أن القضية هنا اختلفت فيها وجهات النظر، تأييدا ومعارضة، وهي مسألة تتسع لذلك، شريطة أن يسعنا فيها أدب الخلاف، وأقل درجات الإخاء التي قال عنها الإمام البنا: سلامة الصدر.
ثم المفترض في قضايا كهذه أن تقوم لجان ودراسات بحثية متخصصة في هذا الشأن السياسي، تبين المصالح والمفاسد ثم يخرج الرأي بناء عليها، ليست في هذه القضية وحدها، لكن في كل القضايا.

رابعاهناك خطأ لا أدري لماذا يتواتر عليه كثير من المتحدثين من الإخوان، عندما يسألون: هل تطلبون السلطة؟ فيسارع المتحدث بقوله: لا، نحن لسنا طلاب سلطة، وهو كلام غير صحيح بالمرة، لا سياسيا ولا دعويا، وكأن طلب السلطة تهمة أو جريمة نتبرأ منها، نعم الإخوان المسلمون طلاب سلطة، وليس عيبا، وإن لم يطلبها الإخوان كفصيل سياسي شريف وله نضاله وتاريخه، فمن يطلبها؟!! وإذا كان من مراتب العمل التي وضعها البنا وتسير عليها الجماعة: الفرد المسلم، الأسرة المسلمة، المجتمع المسلم، الحكم الإسلامي، ولماذا يدخل الإخوان المسلمون الانتخابات، هل يدخلونها للعزاء؟!!! نعم يدخلونها للممارسة الحكم والمشاركة فيه، ما يعاب أن يكونوا طلاب سلطة كشهوة نفس، ودون استحقاق، أما أن يسعى المسلم أو الجماعة أو الفصيل السياسي للحكم فليس عيبا، ولا جريمة نتبرأ منها، وهو ما سارع بنفيه المهندس خيرت الشاطر في أكثر من حوار له، والدكتور محمود غزلان في مقاله، وربما قصدوا شهوة الحكم بغير قصد نية الإصلاح، وإلا فلماذا تؤسس الجماعة حزبا سياسيا؟ إن لم يكن للحكم فلماذا يؤسس؟!

خامساليس مقبولا أخي الحبيب د. غزلان، أن تكون حجتنا في عدم المشاركة في الرئاسة هذه المرة، لأن البلد سيدخل مرحلة صعبة، ولا نحب كإسلاميين أن نتحمل أي خسائر فيها أو تبعات أكبر منا، وأننا ربما نفكر في الترشح في مرات مقبلة، تكون الدولة استقرت!! وهل يقبل من جماعة كبيرة إصلاحية كالإخوان، أن ننتظر إلى أن يتلقى الناس الضربات، ويقوموا بالتأسيس والبناء، والتعب وتحمل المسؤولية، ثم نأتي نحن بعد أن تجهز الدولة، وتكتمل مؤسساتها ونقول: نحن جاهزون للترشح، إلا لو قصدت ـ وهذا ما أفهمه ـ أننا سنعمل في الدولة كأفراد بعيدين عن المسؤولية المباشرة، في هذه الحالة يقبل، أو من باب طمأنة المجتمع الذي يمارس الإعلام المغرض حملة متعمدة للتشويه وتفزيع الناس من الإسلاميين عموما ومن الإخوان والسلفيين خصوصا.

سادساألاحظ في الآونة الأخيرة، استدعاء من بعض الإخوان للنصوص، في غير موضعها، وإقحاما لأنفسهم في أمر يصعب على المختص أن يدخله، وفي قضايا لو عرضت على عمر بن الخطاب لجمع لها أهل بدر، ولكن أفاجأ باقتحام ميدان الفتوى من إخوان أفاضل، لكن ليسوا من أهل الفتوى، ولا يرقون لأن يكونوا من نقلتها، وآخرهم فيها أن يرفعوا سؤالهم لعالم مختص، شأنهم شأن كل مقلد يستفتي، ومذهبه مذهب من يفتيه، وهو خطأ كبير أراه زاد في الآونة الأخيرة، ما بين تصريحات، وما بين استدعاء للنصوص، وخروج بأحكام تدل على عدم الرصانة العلمية، ولا التثبت الفقهي، ولا التعمق فيما يقال، ونسي كثير من إخواننا من جماعة الإخوان المسلمين، ومن إسلاميين آخرين، أن ما كان يقال في الغرف المغلقة، لا يصلح بحال من الأحوال ليخرج على الناس، فما كان يقال ويعجب به الناس في الداخل، لا يصلح بحال من الأحوال لا كرأي، ولا كفكر معلن للناس، ليس لأن للجماعة رأيا يعلن ورأيا يخفى، لا، بل لأنه ليس يصلح للتعبير والحديث عن الإسلام ودعوته كل من هب ودب، ولا كل من قال خاطرة فأعجب بها الناس، الوعظ شيء، والدعوة والخاطرة شيء، والفتوى والبحث الفقهي الرصين شيء آخر، له رجاله وناسه، ونحن في زمن احترام التخصص.

هذه وقفات أردت أن أقف بها مع أخي الحبيب د. محمود غزلان، ولست أختلف معه في أن يكون له رأي من مسألة الترشح للرئاسة لزيد أو عمرو من الناس، فهذا حقه، لكن خلافي معه فيما سردته وذكرته، وليس معه وحده، بل معه ومع أناس يتناولون الأمر بنفس الأسلوب والطريقة، وما أردت إلا النصح الخالص، وأرجو ألا يقول لي إنسان: لماذا لم ترسل رسالة خاصة له؟ فالدكتور غزلان لم ينشر مقاله في رسالة خاصة لي، ولا للناس، بل نشرها على ملأ، وفي موقع يقرأه الناس، فوجب التغيير والنصح العلني كما نشر المقال علنا. 
————————–
رابط مقال الدكتور/ غزلان   http://www.ikhwanonline.com/new/Article.aspx?ArtID=84747&SecID=390

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق