السبت، 16 مارس 2013

فرصة لا تدعوها تمر ........ سيف الدين عبدالفتاح

أشرت فى المقالة السابقة إلى عموم ظاهرة الزهايمر السياسى لدى السلطة والرئاسة والمعارضة والقوى السياسية، وفى هذه المقالة نؤكد أنه من الواجب أن تنهض هذه القوى بحالة من استعادة الذاكرة وإحياء مراكز تذكرها، وممارسة أقصى درجات النقد الذاتى لديها حتى يمكن أن نخرج من حال الأزمة المرشحة، إن تركت تتراكم، قد تتحول لكارثة وطن لا يمكن تفاديها لا قدر الله، ومن هنا فإننى أضع كل هؤلاء أمام المسئولية الوطنية واستثمار قدرات الفاعلية والتأكيد على قيام كافة الأطراف بأدوارها الأساسية من سلطة رشيدة، ومعارضة وازنة، وحكومة فاعلة، وإطار يجمع هذه القوى فى سياق يحمل مفاتيح الاتفاق والتوافق أكثر مما يشير إلى حالات الانقسام والاستقطاب، ويجعل كل هذه القوى جزءا من الحل لا جزءا من الأزمة.

•••

إن تأجيل الانتخابات نتيجة حكم المحكمة الإدارية إنما يشكل فرصة حقيقية لاستثمار مساحات الزمن المتاح، وإمكانات القرار المفضى إلى النجاح، على كافة القوى أن تقوم بعملية مراجعة حقيقية تصدق فيها مع وطنها، وتتصالح فيها مع شعبها الذى بدأ يضجر من ممارسات من رئاسة تبدو غير مكترثة، ومن معارضة تبدو أسيرة مواقفها المغلقة والمتصلبة، فى هذا الإطار يجب الامتناع عن لعبة الشد والجذب بين الرئاسة والمعارضة تلك التى يمكن أن توقع الوطن فى ورطة لا مخرج منها.
ومن هنا نشير إلى مخرج يمثل مربع الحل فى هذا السياق الذى يؤكد على قيام كل طرف بمسئولياته، المربع يشتمل على أربعة أركان (الرئاسة، والانتخابات البرلمانية، والدستور، والحكومة)، مربع لا يمكننا أن نخطئ ضرورات التساند بين أضلاعه بما يشكل حقيقة أساسية فى معادلة الخروج، «ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة».
  • أما عن الضلع الأول المتمثل فى مؤسسة الرئاسة، فمن الواجب أن نؤكد أن هذه المؤسسة لم تفلح بعد فى أن ترسخ أصول مؤسسيتها؛ سواء فى كياناتها، أو فى جهازها الاتصالى والإعلامى، أو فى عمليات صناعة القرار، وهو أمر يتطلب من الرئاسة أن تقوم بعملية حقيقية لبناء مؤسسة الرئاسة من جديد على أسس وقواعد تؤكد قيامها بأدوارها كمؤسسة تمثل كل المصريين، ويعد فيها الرئيس رئيسا لكل المصريين، ويتخذ فيها القرار ويصنع بالفاعلية الواجبة التى تجعل من أهل التخصص والجدارة والاستحقاق والأهلية والكفاءة هى الطاقة الأساسية لهذه المؤسسة لتؤصل معانى فاعليتها وقدرات وظيفتها لا أهل الثقة والولاء، كذلك فإن الخطاب الذى يصدر عن مؤسسة الرئاسة إعلاميا كان أو رئاسيا لا يزال واهنا باهتا. إن تكافؤ الخطاب الرئاسى مع الحالة الثورية من جانب، ومع سعة الوطن من جانب آخر، ومع مطالب الشعب واحتياجاته الأساسية من جانب ثالث ليشكل مثلثا غاية فى الأهمية لبناء خطاب اتصالى وتواصلى فعال، كل ذلك يؤكد ضرورة أن تقوم الرئاسة باستعادة ذاكرتها، وإحياء كل عناصر فاعليتها بما يؤكد قدرتها على الأداء الفعال والإنجاز المأمول.
 إن خروج مؤسسة الرئاسة من حال الأداء المترهل والمتردد ليمثل حاجة ضرورية حتى يمكن المبادرة باستثمار مساحات القرار والاختيار وتحديد المسار، ذلك أن مؤسسة الرئاسة بمكانتها فى المجتمع المصرى، إنما تعبر عن طاقة المبادرة للقيام بكل ما من شأنه النهوض بهذا الوطن، وبالاعتبار الذى يؤكد أن الرئاسة قادرة على المبادرة بالقرار الرصين والرشيد والمؤثر بحيث تشكل رافعة حقيقية للممارسة السياسية على تنوعها والعملية السياسية برمتها، وهو ما يجعل دور صناعة التوافق مرهون بقدرة هذه المؤسسة على الأداء الرشيد فى هذا المسار والذى يشير ومن كل طريق إلى أن المسار الرئاسى فى هذه الآونة لا يمكن أن يؤدى إلى حال التوافق المأمول والمأمون.

•••
  • وهنا لابد وأن ننتقل إلى مساحة للفعل فى العمل السياسى تشكل الضلع الثانى وتتمثل فى الانتخابات البرلمانية التى جعلنا من تأجيلها فرصة يجب ألا تمر من دون عمل فعال يحقق أرضية لبناء الثقة الواجبة بين مختلف القوى السياسية، حتى تضمن مناخا مأمونا ومواتٍ لانجاز عملية انتخابية تتسم بالنزاهة والحيدة والشفافية، وتشكل تصويرا حقيقيا فى سياق التمثيل السياسى لرفع خريطة حقيقية لهذه القوى السياسية وأوزانها على الأرض، ومن هنا فإن العملية الانتخابية تحتاج أن تحاط بحزمة من الضمانات تمكن لمعانى الثقة السياسية والمجتمعية بين كافة القوى الفاعلة فى كيان العملية الانتخابية، ويتمثل ذلك فى قاعدتين مهمتين:

  1.  الأولى تتمثل فى بناء قانون يحقق أصول التوافق الفعال والاتصال الواجب بين القوى السياسية وإسهام كافة هذه القوى فى الصياغة الحقيقية لقانون انتخابات يمثل عناصر العدالة المرجوة لتشكل حالة انتخابية يمكن أن تباهى بها الدولة المصرية.
  2.  أما القاعدة الثانية فإنها تشير إلى ضرورة الضمانات الحقيقية التى تتعلق بالبيئة الانتخابية بحيث تشكل هذه الضمانات طاقة مضافة وإيجابية فى سير العملية الانتخابية وعدالة نتائجها ونزاهة مسيرتها، هذه الضمانات لابد وأن تشكل منظومة فى الرقابة والمتابعة لكافة مراحل العملية الانتخابية لتحقيق العدالة وأركانها الأساسية؛ فتجعل من اللجنة العليا للانتخابات مع لجان أخرى من الأحزاب والمجتمع المدنى بكافة أطيافهما تضمن مسيرة النزاهة والحيدة والشفافية، على مسار العملية الانتخابية فى كافة مراحلها.
•••

  • أما الضلع الثالث فإنه يتمثل فى الوثيقة الدستورية التى أكدنا على ضرورة أن تعكس الحالة التوافقية، ويشكل الوقت المتاح لإجراء تعديلات حقيقية يتفق عليها يمكن أن يتدارك فيها بعض ما أصاب الدستور من تنازع وعدم اتفاق بحيث تشكل هذه الوثيقة الدستورية وثيقة توافقية مجتمعيا وسياسيا. إن مسار التعديل يجب أن يكون من المسارات التى تجعل الرئاسة والقوى المعارضة تقوم بعملية التعديل بالجدية الواجبة، وبتوثيق الاتفاق حول هذه المواد القابلة للتعديل من غير تسويف أو تأجيل، ومن هنا وجب تأمين اتفاق على هذه التعديلات فى إطار ضمانات تعطيها قوى موثوق فيها، وكذلك التزام القوى السياسية بالتنفيذ الواجب والأكيد من غير مراوغة أو مداورة.
ويترافق مع مسار التعديل مسار التفعيل الذى يجب أن تقوم بها كل المؤسسات وكافة القوى السياسية التى تؤكد أن للدستور استحقاقات يجب أن نقوم عليها فى إطار تأسيس الاستراتيجيات وحزمة من التشريعات وصياغة السياسات وبناء المؤسسات وتحريك الآليات الواجبة لتفعيل النصوص الدستورية باعتبارها خطة مستقبلية لبناء الوطن.

•••


  • أما الضلع الرابع وهو الحكومة، فيعنى ضمن ما يعنى، أن ما وقع فى يقين البعض من أن الفترة المتبقية لا تستأهل تشكيل حكومة جديدة، فإنه مع تأجيل الانتخابات قد يختلف الأمر، خاصة أن أداء الحكومة الحالية لا يتكافئ بأى حال مع متطلبات الفاعلية وحاجات المجتمع الحقيقية، ومن هنا فإن هذه الفترة تعد فرصة حقيقية لتشكيل حكومة وطنية تجمع ما بين السياسيين والتكنوقراط، بحيث يتساند كل هؤلاء للقيام بعملية إقلاع حقيقية توصلنا إلى انتخابات برلمانية يمكن أن تفرز حكومة تستند إلى كل ما يمكن أن تنجزه هذه الحكومة المؤقتة من إيجابيات.

وفى هذا المقام فإننا نؤكد على ضرورة أن تتمتع هذه الحكومة الجديدة بوضوح الرؤية والتصور الاستراتيجى لهذه المرحلة القائمة، لمواجهة المشكلتين الأساسيتين اللتين تتعلقان بالاقتصاد والأمن، فضلا عن ضرورة الاستفادة مما تحمله المعارضة بالفعل من أفكار وسياسات حول العدالة الانتقالية وكذلك العدالة الاجتماعية، والقضايا التى تتعلق بالمجتمع المدنى وحقوق الإنسان، بحيث تشتمل هذه الوزارة على ثلاثة وزراء دولة يهتمون بهذه الشئون ويقدمون فيها سياسات حقيقية للتطبيق، بما يترجم هذه السياسات إلى واقع حقيقى ينهض بالوطن فى هذه المجالات.

•••

الفرصة سانحة قد لا تتكرر، ومن ثم فإن إهدارها يشكل مسئولية كبيرة فى هذا الظرف التاريخى، وواجب استثمارها من واجبات الوقت الذى تجتمع الهمم فيه وعليه، وترجمة هذه الفرصة إلى عمل مكين وأمين ورصين يؤمّن الوطن ويحمى الثورة، فرصة يجب أن يشارك الجميع فى صناعتها والتمكين لعملية استثمارها، أقول للجميع: لا تدعوها تمر.

« فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق