الأربعاء، 27 مارس 2013

الاجتزاء المخل.... محمد عريضة

من آفات التفكير في العقل الشرقي عامة والمصري خاصة، هو الاجتزاء في قراءة مشهد ما أو تقييم أمر ما.. 
ناقشنى أحد أصدقائي قائلا: أرأيت مايحدث في مصر، وبدأ يصب اللعنات على الاخوان والرئاسة وكيف أنهم السبب فيما وصلنا اليه من انحطاط وانحدار ووووو..... الخ
وصديق آخر يقول لي: هل ترى ماتفعله المعارضة فيى مصر، وبدأ يتهمهم بالعمالة لأعداء الوطن وتشوفهم للسلطة ومصالحهم الشخصية ووووو... الخ 
وقد يكون بعض مايقولاه لي صحيح ولكن كلاهما ينظر الى جزء واحد من المشهد او الصورة ولا ينظر الى المشهد بكاملة. الاجتزاء في قراءة المشهد يؤدي إلى الوصول لنتائج غير دقيقة أو غير صحيحة، على طريقة من يقرأ "ولا تقربوا الصلاة"، فيؤدي لفهم معاكس تماما لمراد الآية... 

وكمحاولة لقراءة المشهد الحالي، فالفاعلين في المشهد الحالى ينقسمون إلى فريقين: الرئيس ومؤيديه في مقابل معارضيه.
  • الرئيس ومؤيديه: فالرئيس في مجمل الفترة السابقة كان أداءه اقل كثيرا مماهو متوقع أو ماوعد به خصوصا على المستوى الداخلى، ولم يستطع الرئيس ان يستفيد من المساحة المتاحة له وسلطة اتخاذ القرار الممنوحة له من الشعب المصرى في لم الشمل الوطني، ولم يؤدي ماهو مطلوب منه (Home Work)، وانفض عنه من التفوا حوله في جولة الاعادة لتفويت الفرصة لمن يريد استعادة النظام السابق، ولكنه فقدهم واحدا تلو الآخر ولم يبقى معه تقريبا الا جماعته وبعض الاحزاب والتجمعات الاسلامية والقنوات الاعلامية الاسلامية وبعض الدعاة، وهؤلاء غالبا مايكون تأيديهم للرئيس كاملا شاملا، لايرون اى خطأ في قرارات وسياسات الرئيس، ويكثر منهم التبرير لأى قرار، والانبهار بأى خطاب، فإن صمت (في وقت لايجوز فيه الصمت) فهو صبر ووعى، وإن تحدث (بأى كلام) فهو حكمة وعظة وعبرة.

  • أما المعارضون للرئاسة والادارة الحالية فهؤلاء نريد ان نفككهم لأنهم ليسوا على درجة واحدة، ونستطيع أن نقسمهم إلى أربعة أقسام وهم:
أولا: معارضة وطنية: تساعد الرئيس بمعارضتها، وتقدم البدائل ولا تشكك في شرعية الرئيس وتحاول التغيير من داخل العملية الديمقراطية نفسها، متخذة مبدأ "إذا أحسن يقولوا أحسنت، وإن أخطأ يصوبوه، وإن انحرف بفساد أو استبداد يخلعوه".

ثانيا: معارضة صفرية: لا ولن ترضى عن مرسي وجماعته، ولو جاءهم بقطعه من السماء. وهم لا يرونه أهلا هو وجماعته لمكانه. نراهم يرفضون كل شيئ بشكل عام، ولا يقدمون بديلا مقنعا للناس.

ثالثا: كارهي الثورة والثوار (الثورة المضادة): وهؤلاء تحالف من اصحاب المصالح من رجال اعمال وفلول الحزب الوطني الذين يستخدمون البلطجية، بالإضافة للكثير من أجهزة الدولة خصوصا الامنية والتى تقوم بدور المعوق للرئاسة، بالاضافة للاعبين الاقليمين والدوليين الذين يريدون الا تتغير معادلة المنطقة كثيرا بعد الثورة خصوصا فيما يخص المصالح الغربية واسرائيل ومصالح بعض الدول الاقليمية.

رابعا: جزء محبط من الشعب رسم احلاما وردية بعد الثورة وقد رجعت اليه بلده وظن ان الظلم الاجتماعي سرعان ما ينتهي ويلقى ماكان يتمناه من أمن وامان وعيشة كريمة وعمل متوفر له أو لأبنائه وانخفاض في الاسعار وارتفاع للدخل.... إلخ، إلى أنه صدم بعد سنتين من الثورة بانحدار المستوى وزيادة المشقة وغياب الأمن والدولة في مساحات كبيرة جغرافية او عملية، فخرج هؤلاء بسهولة مع من يدعوهم ليعبروا عن غضبهم ويطالبوا بحقوقهم واحلامهم...

فعلى المعارضة (الصفرية بالذات) أن تعلي مصالح الوطن العليا ولا ينظروا لمصالحهم الشخصية أو الحزبية، وأن يفضوا أى تحالف آثم مع رموز النظام القديم وأن ينكروا ويتبرأوا بوضوح من العنف والبلطجة التى تحدث من بعض انصارهم مع بلطجية الفلول وان يعلوا من قيمة الحوار والعمل السلمى في حل الخلافات السياسية.

وأما الاخوان والرئاسة فيبدو ان هناك قراءة خاطئة عند أصحاب القرار عندهم في توصيف الواقع السياسي وظهر ذلك في الكثير من التصريحات كان آخرها ماصرح به د/محمود حسين في المؤتمر الصحفي منذ أيام، وذلك في:

  • اولا: توصيف المرحلة وعدم ادراكهم انها مرحلة انتقالية الاساس فيها التوافق على قواعد الممارسة السياسية والديمقراطية وبناء الدولة، وهذا يتم بالمشاركة بين جميع اطياف وانواع الشعب بغض النظر عن الوزن النسبي لكل تيار، ثم بعد ان يتم الاتفاق على القواعد نقوم بالممارسة على هذه القواعد فيأتى من ياتى بعد ذلك بالصندوق الانتخابي وفي نفس الوقت لا يخشى  الفريق الآخر لأنه يعلم أن من يكون اليوم في السلطة قد يصبح غدا في المعارضة والعكس. هذا الاطمئنان لابد ان يحدث بالمشاركة من الجميع ومع الجميع في وضع القواعد المنظمة للمسارسة الديمقراطية.

  • ثانيا: أنه لا توجد أزمة سياسية، وأن مايحدث في مصر هو من مجموعات بلطجة وطالبي سلطة وعملاء للخارج... الخ
  • ثالثا: أن أمريكا والغرب لا تمانع في وصولهم للسلطة وحكمهم للبلاد (وطبعا بتطمينات لأمريكا)، والتي أظن أنها "الزحليقة" التى وضعها الامريكان والغرب للاخوان، فإما يرضى الاخوان بمطالب امريكا فيما يخص اسرائيل ومصالحها ويكون هذا افضل سيناريو لتفريغ الثورة من مضمونها (وهو الاستقلال الوطني)، أو يرفض الاخوان او يتملصوا من التنفيذ فيتم حرقهم وحرق المشروع الاسلامي، وهو المطلوب.
وأرى أنه على الاخوان والرئاسة أن تقرأ الواقع المصري بشكل أكثر دقة، وانا متأكد بالفعل أن هناك مؤامرة على مصر لكى لا تتقدم على المستوى السياسي وتقدم النموذج الديمقراطي الحلم للمنطقة العربية والاسلامية، ولا أن تتقدم على التنمية والاقتصاد حتى لا تتأثر دولا اقليمية أخرى وتهدد مصالح الشرق والغرب... هذا مفهوم جدا ومن ينكره يكون غير منصف او مش فاهم...
ولكن هذا يلزمنا أن نواجه هذه المؤمرات بصف وطني واحد، وليس بصف وطني ممزق يسهل معه تحقيق مؤامراتهم. فالمؤامرة موجوده فعلا، ولكن الاداء السيئ للرئيس والاخوان يساعد على نجاحها. ولايقول البعض ان هذا التوافق والصف الوطني حلم بعيد المنال أو هو المستحيل بتعبير البعض، وهذا غير صحيح ولايزال هناك تجربة في التاريخ القريب عندما وقف الكثير من الوطنيين المخلصين من جميع الاطياف حول د/مرسي في جولة الاعادة مما ساهم بعد فضل الله في فوز الدكتور مرسي، وأرى أن أكبر أخطاء د/مرسي والاخوان أنهم لم يحافظوا على هذا الالتفاف الوطني، ولم يقدموا من السياسات والاجراءات مايحافظ على هذا الصف الوطنى...
وهو واجب الوقت الآن... فعلى الرئيس والاخوان اتخاذ من المبادرات والاجراءات التى تقلل من المعارضة (السابق ذكرها اعلى المقال)، ونحاصر الفلول وأصحاب المصالح، وتتمايز الصفوف بين من يعمل للبلد ومن يعمل ضدها.
الوقت ليس في صالحنا، وتأجيل الانتخابات جاء فرصة اخيرة لتعويض مافات.. فلننتهز هذه الفرصة او سنندم يوم لاينفع الندم...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق