الأربعاء، 6 مارس 2013

لماذا التركيز على الرئيس؟.... شريف عبد الرحمن سيف

يستاء المتعاطفون مع الرئيس المصري من حملة الانتقادات التي توجه ضده وتحمله القدر الأكبر من المسؤولية عن الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد، حيث يعتبر هؤلاء أن الزج باسم الرئيس في كل كبيرة وصغيرة يحمل نوعا من التحامل على شخصه، وكأنه ليس هناك سواه فى مصر. كما يعتبر هؤلاء أن التركيز المبالغ فيه على الرئيس يتغافل عن دور بعض قوى المعارضة، والنظام القديم، والدولة العميقة، في عرقلة أو على الأقل إبطاء ما يحاول الرئيس القيام به من برنامج إصلاحي.

ورغم صحة هذه التحفظات في قدر كبير منها، إلا أنها لا تحجب حقيقة أن الاستدعاء المكثف لدور ومسؤولية الرئاسة له ما يبرره، إما بسبب طبيعة المشكلات التي تواجهها البلاد في هذه المرحلة والتي تتطلب تدخلاً مباشراً وصريحا من قمة الهرم التنفيذي ممثلاً في رئيس الدولة، وإما بسبب طبيعة الأداء الذي تقوم من خلاله الرئاسة بمحاولة التصدي لهذه المشكلات، والذي يؤدي في كثير من الأحيان إلى تفاقمها بدلاً من حلها.
  • فبالنظر إلى طبيعة المشكلات التي تعترض مسار الثورة المصرية في هذه المرحلة، نجد أنها ذات طبيعة أمنية بالأساس، وهذا ما يبرر الحديث عن مسؤولية رئيس الدولة، فالأمن هو الملف الوحيد الذي لا يمكن للدولة أن تتنصل منه، أو أن تطلب من المواطنين تولي أمره. لأنها ببساطة لو طلبت منهم أن يتولوا حماية أنفسهم بأنفسهم فإنها تكون قد فتحت الباب أمام تكوين ميليشيات مسلحة تمزق الوطن بدلاً من أن تحميه.
وكلنا يتذكر كيف أن العشرية الدامية بالجزائر (1990-2000) كانت شرارتها الفعلية قرار الحكومة الجزائرية إمداد المواطنين الجزائريين بالسلاح لكي يقوموا بالدفاع عن أنفسهم، الأمر الذي تسبب في وقوع الجزائر أسيرة لدوامة من العنف الأهوج، حيث تحول دفاع المواطنين الشرعي عن أنفسهم إلى حالة من الأخذ العشوائي بالثأر من كل الأعداء المحتملين.
  • أما فيما يتعلق بطبيعة أداء الرئاسة في التصدي لهذه المشكلات فقد تضمن أيضا ما يبرر تحميلها لقدر لا يستهان به من المسؤولية، فالرئيس لم يستطع مثلاً بعد كل الشهور التي قضاها في المنصب أن يحرر البلاد من الاحتلال الإعلامي المضروب عليها، هذا الاحتلال الذي يغذي حالة الفوضى والانفلات الأمني، ويحاول بكل الطرق أن يضفي عليها الشرعية، بوصفها "التعبير الحقيقي عن الثورة المصرية". الاحتلال الإعلامي يستخدم أدوات القوة الناعمة المتاحة لديه من أجل مواجهة مؤسسات الدولة وعرقلتها عن أداء وظيفتها، بعد أن حول مشكلته مع جماعة الإخوان المسلمين إلى حرب ضد الوطن بأكمله.
والسؤال هو ماذا فعلت الطبقة الحاكمة لتحرير مصر من هذا الاحتلال الإعلامي الغاشم؟ وهل الوظيفة الأمنية للدولة لا تتضمن حماية العقول من التضليل، عبر تقديم رسالة إعلامية نزيهة ومحايدة؟ وهل قدر المصريين أن يظلوا تحت القصف الإعلامي الذي يرتدي مسوح الضحية ويرفع شعيرته ببكائيات من نوعية قصف الأقلام، وتقييد حرية الإبداع، وتكميم الأفواه، والإجابة واضحة: لم تبذل الرئاسة الجهد الكافي من أجل مواجهة هذا الاحتلال، ولم تبحث عن مصادر قوة بديلة للتصدي لحالة التحريض التي تتم من خلاله بشكل ممنهج.
  • ولم يقتصر ضعف الأداء الرئاسي على ملف الإعلام، فالرئيس يتحمل أيضا المسؤولية عن عدم تقديم أي "مكافآت شعبية"، للجماهير التي احتفظت بتأييدها له رغم كل المشكلات التي صاحبت فترة حكمه، على سبيل المثال تعاطى المصريون على نحو إيجابي مع الاستفتاء على الدستور، والذي كان في جزء منه استفتاء على شرعية الرئيس نفسه، وتفويض له بالاستمرار رغم انتقادات المعارضة له وتربص الإعلام به، ورغم ذلك لم تتم مكافأة الجماهير بشكل فعلي وملموس، الأمر الذي بات يتهدد الرئيس بتراجع واضح في شعبيته، يمكن أن يترجم على نحو أوضح في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
  • يعاب أيضا على مؤسسة الرئاسة أدائها في مواجهة قوى المعارضة الصاخبة والتي تتحمل قدرا كبيرا من المسؤولية عما تمر به البلاد من أزمات، وتوفر غطاء سياسيا للعنف الدائر في الشارع المصري، ولكن الرئاسة لم تنجح في تسجيل أي نقاط سياسية إزاء الدور السلبي الذي تمارسه المعارضة. على سبيل المثال، لم تنتهز الرئاسة المواقف الكارثية التي تورطت فيها العديد من فصائل المعارض، مثل دعوتها للاستقواء بالخارج، ثم بالجيش، وأخيرا بقوى النظام السابق. والملاحظ أن كل سقطة من هذه كانت كفيلة بتدمير المستقبل السياسي لهذه القوى، ولكن الرئاسة افتقرت إلى القدرة على المهاجمة، وبقيت دوما في حالة من الدفاع إزاء المعارضة التي كانت دوما الأعلى صوتا على الرغم مما ترتكبه من خطايا سياسية.
  • وأخيرا وليس آخرا فإن مؤسسة الرئاسة عانت ومازالت تعاني من خلل في آليات صناعة واتخاذ القرارات، والأمثلة على ذلك صارت أكثر من أن تحصى، وتشهد عليها حالات التراجع الرئاسي المستمر عما سبق واتخذته من قرارات. هذا الخلل ربما يكون نابعاً في قدر كبير منه إلى التداخل القائم بين دور الرئاسة، وبين دور الجماعة التي ينتمي إليها الرئيس (جماعة الإخوان)، الأمر الذي يؤدي إلى مفاقمة لهذا الأمر وتحوله إلى داء مزمن، خاصة أن الرئاسة لا تصرح بطبيعة مستشاريها، ولا مساعديها، وتحتفظ بدائرة صنع القرار غير معلومة لأحد على وجه اليقين.  
هذه الإشكالات هي مجرد عينة لما يتعين على الرئاسة المصرية أن تجد له حلولاً كيما تتخفف من مسؤوليتها عن الأزمة التي تشهدها البلاد حالياً، وكيما تنأى بنفسها عن الانتقادات الكثيفة التي صار قطاع متزايد من المصريين يوجهها إليها، فى غضب مكتوم حينا ومتفجر حينا، خاصة وهم يشهدون أوضاعا لا تكاد تختلف عن الأوضاع التي عايشوها على مدار ثلاثين عاماً مضت في ظل نظام قامت الثورة من أجل تغييره.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق