السبت، 9 مارس 2013

ظاهرة الزهايمر السياسى... بقلم د.سيف الدين عبدالفتاح

جميعنا يعرف مرض" الزهايمر" الذي حمل اسم مكتشفه أو مرض (النسيان) كما يحلو للكثير تسميته، هذا المرض الذي يصيب المتقدمين في السن ما زال الاطباء إلى يومنا هذا يبحثون له عن علاج ، لم يكن يعرف الطبيب الألماني لويس الزهايمر أنه سيكتشف ذات يوم أحد أخطر الأمراض التي تصيب الجهاز العصبي لتدمر الخلايا العصبية المسؤولة عن الذاكرة في المخ.

عندما يتمّ العبث بوقائع التاريخ تمريرا أو تبديلاً أو تحريفاً، أو تناقض المواقف ونسخها لبعضها البعض، فإن الأمم يصيبها ما يصيب الأفراد من أمراض الذاكرة والوعي والانتباه؛ والذي من دلائله وشواهده غياب الذاكرة أو ضعفها والتوهان واضطراب الحُكم على الأشياء، نظرة فاحصة في واقعنا السياسي تجعلك تكتشف تفشِّي هذا المرض "الزهايمر" في سطور بعض السياسيين وفي عقولهم فى خطابهم وسلوكهم ؛العقل السياسي بلغ مبلغا من الشيخوخة ما يستدعي مراجعة كل منابع شرايينه الرئيسية سياسيا وتنظيف سراديبه التاريخية.

يقصد بمعضلة الزهايمر في السياسة أساسا أنها خرف يطغى على النظام السياسي بكل مكوناته سلطة ومعارضة وقوى سياسية، فالإصابة بالزهايمر السياسي تبدأ أعراضه بالتخبط في القرارات والتصريحات السياسية التي يطلقها البعض من السياسيين ليعودوا ويقفوا بأنفسهم بوجه هذه التصريحات أو المواقف التي اتخذوها، والرموز السياسية التي تحسب في خانة الحصافة يحسب لها الناس أنها مؤتمنة على تاريخ هذا البلد تنسى تاريخها القريب فكيف تحفظ تاريخنا البعيد.

إن المطلع على تاريخ السياسيين عموماً، يراهم في مرحلة الإنتخابات أو عند الحاجة لدعم الناس يغدقون الوعود بالصلاح والإصلاح وتغيير الواقع، ولكن هذه الوعود غالباً ما تتبخر و تضيع في إزدحام أروقة السياسة، أو إنها تنسى أو تُتناسى أو هو نوع من "الزهايمر السياسي" يصاب به السياسيون عند تسلم السلطة.

بعد هذا الاستعراض لظاهرة الزهايمر السياسي والدخول إلى المشهد الذي يرتبط بالمعارضة في تكويناتها خاصة جبهة الإنقاذ والسلطة في تكويناتها خاصة الرئاسة والقوى السياسية التي تحملها، والمؤسسات المختلفة التي تمثل فواعل في الدولة المصرية بعد الثورة يبدو غالب هؤلاء يعانون من زهايمر مركب وصمم سياسي مؤكد .

وفي هذا المقام نرى مؤسسة الرئاسة مثلت حالة دالة في هذا المقام بفائض الوعود والعهود، 
  • خاصة تلك التي توثقت مع "الجبهة الوطنية " فيما سمي بتوافق" فيرمونت" بنقاطه الست، ورغم ذلك بدا للبعض أن يتحدث عن جبهات أخرى لتستنسخ تجربة للأسف الشديد أفشلها ذلك الزهايمر السياسي المصحوب بصمم سياسي.
  • وكذلك يتعلق الأمر بزهايمر القرارات التي تصدر عن مؤسسة الرئاسة في كل مرة تصدر وفي كل مرة يُتراجع عنها، وفي كل مرة يطالب بعد كل قرار القيام بحوار، نحاكي الأخطاء تلو الأخطاء في إطار يعكس في حقيقة الأمر حال من الزهايمر السياسي.
  • وكذلك هناك زهايمر التعامل مع المحكمة الدستورية، لنجعل الشأن السياسي في ساحات المحاكم ونمارس كل ما من شأنه أن نعود بممارسته السياسية إلى ساحات المحكمة الدستورية وفي كل مرة كان هذا الزهايمر متمثلا في أحكام تعيد الأمور إلى النقطة الأولى والتي تجعل من ضرورة أن نتعلم من مسار الأحداث أن نتجنب ارتكاب ذات الأخطاء في إطار من الزهايمر المركب.
وفي إطار من زهايمر الدستور كصياغات تشكل المجتمع وإمكانات بناء مساراته السياسية يبدو الدستور عملية مهمة لا تقترن بعمليات تمرير في استفتاء ولكنها ترتبط بعمليات تفعيل بأرض الواقع ومن هنا يبدو هذا الزهايمر الدستوريبعدم متابعته في مساراته المتنوعة من التعديل والتأويل والتفعيل.

وهذا زهايمر جماعة الإخوان وحزبها المتمثل في الحرية والعدالة
  •  حينما أعلنوا بأعلى صوت أنهم سيتبعون مبدأ المشاركة لا حالة المغالبة ثم دخلوا ومن كل طريق إلى باب الغلبة والتغلب والاستحواذ والاحتكار،
  • وهاهم يمارسون هذا الزهايمر الذي يتعلق بالترشح لانتخابات الرئاسة بعد أن أكدوا أنهم لن يقدمون مرشحا من داخلهم وهاهم يمارسون في الحكم أقصى درجات التبرير بعد أن كانوا يمارسون في المعارضة أقصى درجات النقد ، ويتابعون أمورهم في الحكم أسلوب التبرير اعتمادا على نسيان الشعوب وتآكل ذاكرتها.
  • ويرتبط بذلك زهايمر القروض ذلك أن الحرية والعدالة وقفوا موقف المناوئ لقرض الصندوق إبان حكومة الجنزوري وبعد ذلك دافعوا عن القرض وأهميته ويضفون عليه من كل طريق حله وشرعيته،
  • وكذلك يمارسون نسخا لاتفاقاتهم في إطار من الزهايمر السياسي مصحوبا ببعض الانتهازية حول قانون الانتخاب والتصويت عليه مرتين بشكل يتسم بالتناقض واختلاط المواقف.
هذا غيض من فيض بالنسبة لمن هم في السلطة أو يساندونها.

والأمر لايختلف كثيرا عن معارضة تتخذ نفس المسار من أعراض الزهايمر التي تصيبها وصمم يصيب آلتها السمعية وممارستها.
  • هاهو زهايمر الانتخابات يصيب المعارضة ، فلنتذكر في انتخابات مجلس الشعب الأولى إبان تيسير المجلس العسكري للمرحلة الأولى كان دفع المعارضة بضيق الوقت وعدم مناسبة الظرف وأن أمر الانتخابات لابد وأن يكون له من الإعداد، فمرة هم غير مستعدين ومرة أخرى الظروف غير مناسبة وليست ملائمة، فمتى إذا ستكونون مستعدين لدخول الانتخابات؟!، ذات الحجج وانتحال المعاذير هو سيد الخطاب لدى المعارضة في حالة تؤشر على إصابة مزمنة بزهايمر سياسي تمكن من عقولهم ونفوسهم وسلوكهم وخطابهم ،وهاهو الزهايمر الانتخابي يصيب خطابهم حينما يطالبون بتأجيل انتخابات البرلمان بينما يطالبون بتعجيل انتخابات الرئاسة والمطالبة بها مبكرة ، أليست تلك صناديق؟! أليست هذه انتخابات كانتخابات؟! أليست ذات الظروف تحيط بمطالبات التأجيل ومطالبات التعجيل فكيف تستقيم الأمور؟!
  • وها هو زهايمر النائب العام في المطالبة بإقالة النائب العام السابق ،فإذا تم ذلك طالبوا بعودته وإقالة النائب العام الجديد في إطار إضطراب في الذاكرة يعبر عن حالة من الزهايمر السياسي.
  • وهاهي دعوة الجيش للعودة لمشهد السلطة في إطار زهايمر يصيبهم حتى في إطار ما يعتقدون به أيدلوجيا ، بأي ليبرالية تؤمنون؟، والى أي أيدلوجية مدنية تستندون في مطالبتكم بعودة الجيش في سدة الحكم؟، وأي اختيار هذا بين عودة الجيش ورفض الصناديق؟، وأين هذا من مطالبتكم من قبل بمحاكمتهم على أحداث ماسبيرو وأخواتها.
  • ويتواكب مع ذلك دعوة أخرى في إطار استدعاء الخارج على ألسنة بعض رموز من جبهة الإنقاذ، ثم بعد ذلك هم في زيارة كيري يرفضون تدخل الخارج لأنه يطالبهم بغير ما يعتقدون وإلى غير ما يرتكنون، وهم يذهبون للاجتماع بالسفيرة الأمريكية من قبل تارة واستدعاء الخارج تارة أخرى.
  • وهاهم في وقت من الأوقات يطالبون بالتطهير وعزل الفلول فإذا بهم يحتضنونهم وينسقون ويوثقون علاقاتهم بهم وقد أصابهم زهايمر الفلول، وهاهم في النهاية ينتقلون من تأييد لألتراس الأهلي لتأييد لأهل بورسعيد في حال من زهايمر مصحوب بسياق من الانتهازية السياسية.
وهاهي بعض مؤسسات الدولة في عهد مبارك المخلوع تزيّن له استبداده وفساده فإذا بهم الآن يركبون موكب الثورة، أويستأسدون في معارضة منظومة السلطة وعلى رأسها الرئاسة وقد كانوا يحملون المباخر للنظام السابق ويسيرون في مواكب تزوير الانتخابات، ويزينون للسلطة كل أفعالها الفاسدة المستبدة في كثير من الخطابات. هاهي المؤسسات تصاب بالزهايمر المؤسسي في المواقف وفي الخطاب تعتمد في ذلك على ضعف ذاكرة الشعوب والرهان على نسيانها وغفلتها.

وهاهو الزهايمر الذي قد يصيب بعض الثوار حينما يتغافلون عن قيم ثورة 25 يناير في الثمانية عشر يوما ويمارسون عملا ضد سلمية هذه الثورة وحضاريتها وعناصر الجامعية فيها وينزلقون إلى مهاوي الاستقطاب وإلى دركات الانقسام والتشرذم في إصابة قاتلة بزهايمر ثوري يضرب الثورة في مقتل.

إننا نعول في كل هذا على ذاكرة الثورة وذاكرة الوطن وذاكرة هذا الشعب العظيم الذي يعى مصالحه ولا يغفل عن أهدافه ومكاسب ثورته وجامعية سفينة الوطن ومصالحها العليا.
تعالوا إذا نخرج من حالة الزهايمر السياسي بكل أعراضه لأن ذاكرة الشعوب لن تغفرلنا ما أغفلنا وما تناسينا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق