الاثنين، 11 مارس 2013

إدارة الرئيس المنتخب.. ثلاث إجادات وثلاث مشكلات ...... مدحت ماهر الليثى

من المهم أن نتداول الرؤى حول هذه المرحلة من تاريخنا، وأن نوجه خطابات المشورة والنصيحة لكل مسئول عن نجاحنا أو إخفاقنا. وفى القلب من هذا إدارة الرئيس الأول بعد ثورة يناير؛ للكشف عن الميزات التى تتمتع بها والمشكلات التى تعرقل تقدمها.

من مراجعة الأشهر الستة الماضية نلاحظ ثلاثة تطويرات كبرى فى إدارة الدكتور مرسى وإن كانت محل جدل، وهى:
  • إصرار الرئيس على استكمال مؤسسات الدولة السيادية والدستورية،
  • وحلم (طول نفس) سياسى كبير فى مواجهة معارضة مضطربة ومنفعلة،
  • وتحييد العسكر عن الشأن المدني.
وهذه الميزات قد تعترضها آليات تنفيذ فيها اضطراب أو سلبيات، لكنها تبدو خطا ثابتا وفى نفس الوقت ناجحا بدرجة معقولة. وجه الاعتراض فى درجة نجاح هذه المسارات الثلاثة وقدرتها على الصمود ضمن السياق القلق.

•••
  • بالنسبة لاستكمال المؤسسات فقد حاول الرئيس منذ البداية استعادة مجلس الشعب الذى جرى حله دستوريا بطريقة مريبة، وبينما فهم المحايدون هذه المحاولة بوصفها رغبة فى التخلى عن السلطة التشريعية لمجلس انتخبه الملايين، أصرت المعارضة المناوئة على تشويهه باعتبار المجلس إسلاميا أو ذا أكثرية إخوانية. لكن الرئيس استدرك ذلك، مصرا على إنهاء الدستور، وتجلت قدرته على التحدى الحرج بإعلان 21 نوفمبر الذى حصن به الجمعية التأسيسية ودفع به الدستور إلى الحياة؛ ليلصق به ــ متعاونا مع جماعته ــ حلقة الانتخابات التشريعية أبريل المقبل. فى نهاية السنة الأولى من ولاية الدكتور مرسى سيكون فى مصر: دستور ورئيس وحكومة جديدة وبرلمان، ليفتتح الرئيس مرحلة أخرى من «تفعيل الدستور» فى مؤسساته وتشريعاته وسياساته.
  • أما سياسة طول النفس مع المعارضة السياسية والشارعية والإعلامية الهائجة فقد كانت واحدة من بدائل عديدة متاحة ومقترحة، لا ندرى هل فرضتها اختيارات عاقلة أم قلة الحيلة! فقد كان مطروحا تفعيل القانون وتوجيه الشرطة -وأحيانا الحرس الجمهوري- لمواجهة الاعتراض العنيف والدعوة لإسقاط الرئيس، والهجوم على القصر بداية من 4 ديسمبر 2012، وحرق المقار وتعطيل المرافق واعتصام ميدان التحرير...، ومواجهة مباشرة مع الإعلام المهيج، لكن هذا المقترح لم يطبق إلا لماما بحيث لا يكاد يذكر. وفى المقابل طرح تقديم تنازلات للمعارضة التى تمثلها جبهة الإنقاذ من قبيل الموافقة على ضمانات التعديلات الدستورية، وتغيير الحكومة وتأجيل الانتخابات وإقالة النائب العام، لكن الرئيس اختار الخيار الذى لعله اعتبره أقلها ضررا؛ عدم المواجهة وعدم التراجع.
 يسميه البعض صمودا ويراه كثيرون جمودا، لكنه حتى الآن ــ وضمن معطيات الواقع والمتوقع: تلاعب الشرطة بالمواجهة لتوريط الرئيس وتحويلها إلى دموية كبرى إذا كلفها بالتصدى للعنف، واستمرار نزيف التنازلات إذا وافق الرئيس على بعضها فى ظل روح الابتزاز الجلية ــ لكنه حتى الآن محل اختبار، فى ظل حالة من عدم المعرفة الحقيقية بما تفكر فيه وبه إدارة الدكتور مرسى!
  • ملف الإجادة الثالث الذى بدا الرئيس فيه مصمما وناجحا بدرجة معقولة؛ هو تحييد العسكر سياسيا. وإذا كانت الشرطة وبعض الأجهزة الأمنية كالمخابرات والإدارية كالدبلوماسيين والجهاز الحكومى لاتزال تستعصى على الطاعة والانقياد وتمارس نوعا من الثورة المضادة السلبية، فإن ستة أشهر تظهر أن منحنى العصيان الحكومى يرتبط بالحالة السياسية؛ فقد بدأ عاليا جدا ثم لم يلبث أن انخفض بعد ضربة 12 أغسطس، ثم لم يلبث أن تجدد ارتفاعه بعد 21 نوفمبر. لقد عاش الرئيس ثلاثة أشهر من العسل مع جهازه الإدارى والأمنى، لكنه قضى ستة أشهر من رعاية وزير الدفاع الجديد ضمن عقد أولى مفاده: لا تدخل عسكرى فى المدنى، ولا تراخى عن المهمة الوطنية. وحتى الآن النتائج غير بائسة.
 •••

فى المقابل ثلاث مشكلات تكاد فى لحظة ما إن تأتى على نجاحات الرئيس ضمن حالة اللايقين والترقب السائدة:
  1. الترهل والفشل الإدارى البليغ،
  2. تصلب قنوات التواصل بين الرئيس ومنظومته وبين عموم الشعب،
  3. وانتكاس ملفات فى الداخل والخارج بعد أن كانت قد وضعت أساسات طيبة لها فى الطلعة الأولى للرئيس.
    1. كشفت الأشهر الستة الماضية عن قصور كبير لدى المؤسسة الرئاسية ومساعديها بداخلها وخارجها فى شأن «الإدارة»؛ سواء إدارة المهام والملفات الجارية او الملفات الساخنة، أو إدارة الفرق، أو إدارة الحوار أو إدارة التعاون أو إدارة العلاقات أو إدارة البرامج والسيناريوهات.
تخبط وتناقض وغياب وانقطاعات وتقطعات كثيرة تدل على ذلك بوضوح وحسم، لكن الأدهى والأمر هو نزيف الثقة الذى أسفرت عنه إخفاقات إدارة فرق العمل وعلاقات التعاون. إن أسوأ خسارة لرئيس فى معركة التأسيس هو نقض عرى معاونيه وتسربهم من تحت سقفه وهو قابع لا يقاوم هذا الهدر الذى دونه هزيمة عسكرية. يقول تعالى: (ولا تكونوا كالتى نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هى أربى من أمة). إن استقالات المساعدين والمستشارين نذير خطر على ما يجرى وما سيكون.
  • يضم إلى هذه الخسارة السياسية والنخبوية ما هو أدهى وأمرّ، وهو تراجع الاتصال العام مع الجماهير المترقبة والتى رفعت المعارك الانتخابية ووعودها سقف توقعاتها حتى أقصاه. الخطاب الرئاسى عند حده الأدنى من المواتاة لأسئلة الموقف، فقد تراجع عن الحضور فضلا عن التأثير. وهذه خسارة قد يصعب تدراكها بخطابات أو ما فى حكمها وقد لا يكون لاستعادة الشعب من طريق إلا بإنجاز عملى يلمسه الشعب فى حياته اليومية وضمن إدارة إعلامية أثبتت الرئاسة فيها فشلا ذريعا حتى الآن.
  •  يكلِّل هذه المشكلات بإحباط كبير هدرُ النّجاحات التى بدأها الرئيس ولكن للأسف لم تكتمل. فقد استهل الرئيس ولايته بهمة عالية فى ملفات المحاكمات والقصاص، وأمن سيناء، وملفات المائة يوم وإنعاش الاقتصاد ومواجهة الفساد، وملف الزيارات للمحافظات والجيش والشرطة والتقائه بالمثقفين والإعلاميين والفنانين والأحزاب، وإعادة تأسيس العلاقات الخارجية ضمن خطاب وتوجهات ومبادرات مبشرة، لكن سرعان ما تراجعت الهمة الرئاسية وخمدت التعبئة المعنوية المصاحبة لها، ليحل محلها تسليم عام بالأمر الواقع وتفريط فى زمام المبادرة.
 فأين المبادرة السورية الرباعية، وتجديد العلاقات المصرية- العربية، وتفعيل العلاقات شرقا، وحسم قرض صندوق الدين، وأين روح الجهاز الحكومى وهمته، وأين أى إصلاح فى جهاز الشرطة، وأين القرارات المتعلقة بالتنمية والاستثمار، وأين تفعيل الأدلة ضد قتلة المتظاهرين، وأين الحوار الوطنى الفعال...؟!! وأين المواجهة الحقيقية لأزمات الاقتصاد والمعايش والفساد الحكومى؟ لقد تراخت اليد التى بدأت قوية، ويبدو أن كثرة الملفات أهدر بعضها بعضا!

يمكن إعادة كل هذه المشكلات المركبة إلى مشكلة إدارة أكثر منها مشكلة إرادة من الرئيس نفسه، وإن لم تسلم من «تعارض إرادات» تشارك فى هذه «الإدارة». وبناء عليه، يكمن الحل فى جملة واحدة: (إرادة حازمة نحو إدارة فاعلة). قال تعالى: (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة).

 ---------------------------------------------------------------

المدير التنفيذى لمركز الحضارة للدراسات السياسية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق