الأحد، 24 مارس 2013

لماذا شاركت يوم الخامس والعشرين من يناير 2011؟ - د. محمد يسري سلامة.


عندما خاطبني بعض الأصدقاء بشأن المشاركة يوم 25 يناير، يوم بدء الثورة، اختليت بنفسي قبلها بأيام وتساءلت: 

هل من الصواب أن تشارك وقد كنت محتجزا في أمن الدولة قبل ذلك بأيام، ولديك طفل ما يزال رضيعا - لم يكن طفلي الثاني قد ولد بعد- ولديك وظيفة ستشقى كثير لتجد غيرها في الظروف الحالية، ولديك أم تعيش وحيدة بعد أن هاجرت ابنتها ولم يبق غيرك لتعتني بها؟ 

فماذا لو قٌتلت أو جُرحت أو اعتقلت وسجنت لفترة طالت أو قصرت؛ ما الذي سيحدث لكل هؤلاء، ماذا ستفعل أنت وماذا سيكون مصيرهم هم، إنهم يتحدثون عن ثورة حقيقية لا تنتهي إلا بزوال أحد الطرفين، والأرجح أن الزائل سيكون طرفك أنت؛ وماذا تكون أنت ومن معك أمام هذه القوة الباطشة الغاشمة، وتلك الدولة الراسخة المهيمنة؟

كان كل ذلك، ثم سألت نفسي السؤال المحرج الذي اعتدت على سؤاله في تلك المواقف: 

ماذا يريد الله تعالى منك؟ ترى هل يريد منك السكوت على الفقر والذل والفساد والاستبداد والاحتقار والبطالة، أم الوقوف في وجه كل ذلك بقدر ما أوتيت من قوة، ليكون ذلك على الأقل عذرا مقبولا أمامه يوم العرض الأكبر؛ بأني قد فعلت شيئا أو حاولت فعل شيء..حاولت فعل شيء جيد في مقابل جميع تلك الذنوب والآثام والكوارث المسطورة في صحيفة أعمالي..على الأقل حاولت.

كان يمكنني التشبث بألف عذر وحجة: 
كثير ممن حولي يسفه الدعوة إلى الثورة ويسخر منها، مصر ليست تونس، الشيخ الفلاني والإمام العلاني أفتى بعدم المشاركة وحذر منها، الجماعة الفلانية اعتذرت والحزب الفلاني تبرأ، تحذيرات وتهديدات سافرة من الداخلية وسادنها العادلي..لم أسمح لقلبي بالالتفات إلى شيء من هذا، وأبقيت نظري كله متجها في اتجاه واحد: ماذا يريد الله منك..ماذا يريد الله منك.

ولكن..هيهات أن تتركك تلك النفس الضعيفة وشأنك. 
فصبيحة ذلك اليوم الجليل، يوم الخامس والعشرين، هاتفني صديق كنت قد اتفقت معه على الذهاب سوية، وكان التجمع في الثالثة عصرا في ميدان المنشية، فاتفقت معه على اللقاءء وانتهت المكالمة. 
وفور أن انتهت هاجمتني عشرات الأفكار التي ذكرتها من قبل وغيرها، ماذا لو، ماذا لو، ستفشل، سيضيع مستقبلك ومستقبل أسرتك في مقابل شيء لا يستحق، ثم ما هذه الثورة التي تكون محددة الميعاد سلفا؟ لا لا لن أذهب. 
اتخذت قراري، وخلدت إلى النوم مرة ثانية بعد أن أغلقت هاتفي كي لا يحاول صديقي هذف إيقاظي وإرغامي على النزول.

وكان لطف الله أن استيقظت في الثانية تقريبا، حائرا مضطربا، لكني وجدت نفسي أرتدي ملابسي، وأتصل بصديقي، والخوف يشدني تارة وأشده تارة، حتى كانت تلك الخطوة التي خطوتها خارجا من منزلي، تلك الخطوة الثقيلة التي لن أنساها أبدا، ولن أنسى مدي ترددي فيها، لن أنساها لأنها حررتني من سجن الخوف إلى غير رجعة.

ظل هذا السؤال ينقذني كل مرة: 

ماذا يريد الله منك؟ ..

يوم الثلاثاء السابق لموقعة الجمل كنت متعبا جدا، أعاني من كدمات وإصابات غير ملحوظة، بالإضافة إلى مشاركتي في اللجان الشعبية ليلا. 

هاتفني صديق آخر كما هي عادتنا كل يوم: 
لننزل؟ قلت: أنا متعب، اعذرني اليوم، قال لي: كيف تقول هذا، تلك أخطر أيام الثورة، وإذا لم نتحمل سيتم إلصاق الأمر كله بالإخوان وذبحهم ذبحا، وسينتهي كل شيء. ما كاد يتم كلماته حتى أجبته: أراك خلال نصف ساعة..
بالمناسبة، صديقي هذا يساري لا علاقة له بالإخوان ولا بالتيار الإسلامي أصلا، وكلما تذكرت كلماته حزنت، حزنت من الإخوان وكيف تباعدوا عنا بعد ذلك، وقد كنا أحرص الناس عليهم وعلى سلامتهم...

على كل حال، صار لي مدة وأنا أسأل نفسي هذا السؤال: 

ماذا يريد منك؟ 

فتكون الإجابة: 

لا أدري، لا أدري. 

لم تعد الأمور واضحة كما كانت في السابق: 

اختلط الحابل بالنابل والصديق بالعدو، تشوشت الأفكار وكثر الضجيج، لكني على يقين - أو ربما على أمل- من أننا سنعود يوما ما، وسنخطو مرة ثانية تلك الخطوة الواثقة ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق