الخميس، 7 مارس 2013

من أخلاقنا كتيار إسلامي... بقلم: لطفي محمد الزوقة

إن الله جميل يحب الجمال، وليس هناك معنى للجمال الذي يحبه الله أحسن من "جمال الأخلاق"، لأن الأخلاق تنبعث من القلب، والقلب الجميل هو مراد الله من عباده،  فإذا صفا القلب بالأخلاق الجميلة، نظر الله إليه، فيأنس العبد ويسعد ويألف ويؤلف، ويرى الخير في كل ما يأتيه من الله وان كان في صورة بلاء، وإذا تكدر القلب بالأخلاق السيئة، صرف الله بصره عنه ويهجره ويجفوه، وما ظنك بعبد جفاه مولاه.
إن معركتنا اليوم هي معركة أخلاقية بالدرجة الأولى فيما بيننا وبين الناس وفيما بيننا وبين أنفسنا، وهي معركة جد صعبة.
  • فأما ما بيننا وبين الناس... فالرحمة واللين والصبر وتحمل الأذى وعفة اللسان والعف و"وما زاد عبد بعف إلا عزًّا"، وإن هدفنا الجنة وما جهادنا السياسي للتمكين لأمر الله في خلق الله إلا لأننا نرى أنه من طرق الجنة (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ) (الأعراف: من الآية 54)، فلا يجب أن يتحول جهادنا هذا من باب كسب الحسنات إلى باب تحمل السيئات بسبب ما قد يذل به لساننا من ألفاظ هابطة وادعاءات غير دقيقة، فإن ديننا ليس فقط يعلمنا الحلال والحرام بل الأذواق الرفيعة كذلك.
  • أما فيما بيننا وبين أنفسنا.. فالتراحم والتفاهم والتعاون.
واسمحوا لي أن أطوف معكم في حدائق بعض الأخلاق التي أشعر أنني وإخواني في أمس الحاجة إليها في هذا الجو المشحون.
  • من أخلاقنا كتيار إسلامي.. (التعاون والوفاء):
حين نعرض أفكارنا على الآخرين فإن لهم علينا حقين: (حسن العرض، وفسحة التأمل).
وحسن العرض يعني الأدب الجم والدليل الواضح،  وفسحة التأمل تعني ألا نعرض أفكارنا بشرط القبول حالاً. بل نعطيه فسحة من الوقت يتأمل أفكارنا ويقوم آراءنا، ولا نعرض أفكارنا على طريقة حالاً بالاً فإما القبول حالاً وإما العداء بالاً. فإن قبل أفكارنا ومنهجنا فالحمد لله وإن لم يقبل فإن له أيضًا حقين آخرين: (التعاون، والوفاء).
التعاون لأن الدنيا لم تخلق لنا وحدنا، ومن لم يشاركنا أفكارنا لا نستطيع شطبه من الحياة، بل لا بد من أن يكون هناك نوع التقاء بيننا وتعاون، ومن ثم لا بد في هذا التعاون من خلق الوفاء. ولذلك كان الأستاذ حسن البنا كثيرًا ما يردد: لسنا وحدنا قادرين.
 ولذلك ورد في السيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار من صفوان بن أمية بن خلف وهم مشرك خيلاً وسلاحًا في حربه على هوازن ثم ردها له وقال إنما جزاء السلف الرد والوفاء. فتعاون معه ثم وفي إليه.
  • من أخلاقنا كتيار إسلامي... (نقدم النصيحة على أفضل وجه ونقبلها على أي وجه):
فنحن أهل التقى والأدب المنتقى ولقد تعلمنا من ديننا أن آداب النصيحة هي:
(1) إظهار الحب، والاحترام، والتقدير للمنصوح.
الحب: كما فعل النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع سيدنا معاذ قبل أن ينصحه بختام الصلاة فقال (والله إني أحبك.. فلا تدعن دبر كل صلاة أن تقول اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك).
والاحترام: كما قال لابن عمر حين أراد أن ينصحه بقيام الليل فقال له: (نعم الرجل عبد الله بن عمر.. لو كان يقيم الليل).
والتقدير: كما فعل مع سيدنا عمر بن الخطاب حين أراد أن ينهاه عن المزاحمة على الحجر الأسود فقال له: (يا عمر أنك رجل قوي.. فلا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعفاء).
(2) الأدب الجم أثناء النصيحة فلا تظهر التعالي والغرور على المنصوح أو محاولاً إشعاره بالنقص أو العيب.
(3) الدليل الواضح بمعنى إننا نتأكد أولاً أن ما يفعله المنصوح خطأ وأن ما ننصحه به ه والحق ونذكر الدليل على قولنا إنه الحق.
(4) أن لا ننصحه على شرط القبول بمعنى أننا نخلص النصح له ونكرر النصح له ولا نغضب لأنه لا يستجيب بل نترك له فسحة من الوقت ليتأمل نصيحتنا ويحاول تطبيقها ولا نذكر عيبه ولا نفضحه به إذا لم يستجب لنا.
(5) الدعاء له بالهداية.
  • من أخلاقنا كتيار إسلامي... (الإنصاف)
فليس كل من خالفنا في الرأي عميلاً، وليس كل من نافسنا في العمل مأجورًا، وليس كل من اختلف معنا في مسألة مبتدعًا فاسقًا. بل يعرف للرجال قدرهم ويحفظ لهم جهادهم ونضالهم، ويوزن الرجل بحسناته وسيئاته معًا فأيهما غلب نسب إليها، اللهم إلا العلماني المجاهر بعلمانيته ورفضه للشريعة أو المتلون الذي يأكل على كل الموائد فاليوم معك وغدًا مع عدوك.
والإنصاف هذا نور أضاءه لنا السلف الصالح حتى وضعها سعيد بن المسيب قاعدة حين قال: "وما من شريف ولا عالم ولا ذي فضل إلا وفيه عيب ولكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه فمن كان فضله أكثر من نقصه وهب نقصه لفضله".
وتبعه في ذلك ابن القيم فقال: "ومن قواعد الشرع والحكمة أيضًا أن من كثرت حسناته وعظمت وكان له في الإسلام تأثير ظاهر فإنه يحتمل منه ما لا يحتمل من غيره ويعفى عنه ما لا يعفى لغيره فإن المعصية خبث والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث".
وكأنهم أخذوا هذا النور من مشكاة النبوة حين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم المطعم بن عدي الذي أجاره وهو عائد من الطائف طريدًا وحيدًا فأدخله مكة في جواره وشد هو وأبنائه السيوف حماية للنبي. ورغم أنه مات مشركًا إلا أن النبي لم ينس له صنيعه هذا فقال في أسارى بدر: "لو أن المطعم ابن عدي حي وسألني فكاكهم لتركتهم له". تقديرًا لموقفه النضالي السابق.
وكذلك أخذوه من أمنا عائشة- رضي الله عنها وأرضاها- حين خاض في عرضها الناس وكان منهم حسان بن ثابت، ولما أراد ابن أختها سيدنا عروة بن الزبير أن ينال منه قالت له: "دعه يا ابن أختي فانه كان ينافح عن رسول الله".
فلم يمنعها سوء ما قدم من إنصافه بخير ما أسلف.
وكأنها تعلمت ذلك من أبيها الصديق أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه حين حدث خلاف بينه وبين سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه وعلم رسول الله بذلك الخلاف فأرسل في طلب عمر وعلم أبا بكر فخاف على أخيه عمر من غضبة رسول الله عليه فجاء مسرعًا إلى رسول الله وجلس بين يديه قائلاً: "والله يا رسول الله كنت أنا الأظلم له مرتين". منصفًا أخاه من نفسه وسار سلفنا الصالح على هذا المنهج فلم يمنعوا الرجال أقدارهم مهما بلغت أخطاؤهم بل الإنصاف وذكر الحسنات والاستفادة منها مع التنبيه على الأخطاء إن كانت عقائدية أو أصولية.
  • من أخلاقنا كتيار إسلامي..... (الحلم)
قديمًا قالوا: الحليم سليم والسفيه كليم. وقال سيدنا علي رضي الله عنه: "ليس الخير أن يكثر مالك وولدك ولكن الخير أن يكثر علمك ويعظم حلمك". ويكفي الحلم فضلاً أنه اسم من أسماء الله الحسنى وصفة من صفاته العليا. ووصف به أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ" (75) هود، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: "اللهم اغنني بالعلم وزيني بالحلم..." رواه ابن أبي الدنيا.
ومن يتصفون بالحلم هم السادة ورؤوس القوم  وساسة الناس، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أراد الله بقوم خيرًا جعل أمرهم إلى حلمائهم" رواه السيوطي فها هو رجل يشتم عمر بن عبد العزيز أمير المؤمنين فقال له: "لا عليك إنما أراد الشيطان أن يستفزني بعزة السلطان فأنال فيك اليوم ما تناله مني غدًا اذهب إن شئت". وقال رجل لأبي بكر ولله لأسبنك سبًّا يدخل معك في قبرك، فتبسم أبا بكر وقال له: "بل يدخل معك أنت". وها هو الأحنف ابن قيس سيد بن تميم يسير وراءه رجل يشتمه وهو معرض عنه والرجل يقول له إياك أعني وهو يجيب وأنا عنك أعرض حتى إذا قرب من دياره قال له الأحنف افرغ ما عندك وأقصر حتى لا يسمعك أحد من قومي فيؤذيك.
ومن فصائل الحلم أنه مهر الحور العين يوم القيامة "فمن كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة يخيره من الحور العين ما شاء" رواه أبو داوود والترمذي. وهو الفضل الذي يسرع بأهله إلى الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة ينادي منادٍ: ليقم أهل الفضل فيقوم أناس وهم يسيرون فينطلقون سراعًا إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة فيقولون لهم إنا نراكم سراعًا إلى الجنة. فيقولون نحن أهل الفضل فيقولون وما فضلكم.. فيعدون من فضلهم الحلم. فيقال لهم: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين" رواه ابن ماجه.
ومن آثار الحلم في الدنيا كثرة الأنصار والأعوان قال الإمام علي رضي الله عنة (أول عوض الحليم من حلمه أن الناس كلهم أعوانه)، وقال أيضًا (من لانت كلمته وجبت محبته)، وقال الأحنف بن قيس (وجدت الحلم انصر لي من الرجال). ومن آثاره أن يشرفك بين الناس ويحمي عرضك، قال محمد بن علي: (من حلم وقى عرضه ومن صبر حمد أمره)، وقال أبو حيان التوحيدي: (ليس في الدنيا خصلة يحسن الإنسان بها إلى نفسه ويحمد عليها إلا الحلم..)، وهو خلق النجاة وقت الفتن وتأمل قول حذيفة بن اليمان الفتنة وكلت بثلاث بالحاد النحرير الذي لا يرتفع له شيء إلا قمعه بالسيف، وبالخطيب الذي يدعو إليها، وبالسيد، فأما هذان فتبطحهما لوجهيهما وأما السيد فتبحثه حتى تبلو ما عنده".
ومما أجمل ما قاله ذلك الحكيم عندما سئل أي الرجال أفضل: (قال من حاورته ووجدته حكيمًا وإذا غضب كان حليمًا  وإذا اشتكى إليه كان رحيمًا). وأجمل منه قول ابن القيم حين يتكلم عن الفتوة فيذكر أن مظاهرها ثلاث: كظم الغيظ، ونسيان الأذية، والتغافل عن الذلة.
  • من أخلاقنا كتيار إسلامي.. (التواضع)
التواضع التواضع يرحمكم الله.. فالتواضع يزين الانتصار ويزيد الأنصار ويرضي الواحد الجبار. وقديمًا قالوا إن ثنائية السقوط: يأس مع الهزيمة، وغرور مع النصر.
ولذلك كان التواضع لازمًا من لوازم العظماء وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقد كان مع كل نصر ينعم الله به عليه يبالغ في التواضع والخضوع لله، حتى تجلى ذلك في أبهى صوره حين فتح الله عليه مكه فدخلها مطأطـئ الرأس حتى كادت رأسه تمس رحله، وعندما سمع رجلاً يقول اليوم يوم الملحمة، قال: بل اليوم يوم المرحمة. وغضب صلى الله عليه وسلم لما رأى أبا بكر يأتي بأبيه إلى رسول الله ليسلم وقال له: "هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه".
 ولأنه صلى الله عليه وسلم راحل غير باقٍ بجسده، فكان لا بد للمنهج أن ينص صراحة على أهمية التواضع خاصة عند النصر،  ولذلك قال تعالى في باب الامتنان على المؤمنين: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ) (آل عمران: من الآية 123)، فذكرهم الله بهذه الصفة صفة الضعف والذلة لتتواضع نفوسهم عند نشوة النصر فلولا الله لما كان.
وأورد الإمام ابن كثير في تفسيره إن الله تعالى قال لموسى: "أتدري لما اختصصتك بكلامي. قال: لا. قال: لأنه لم يتواضع أحد لي مثل تواضعك". وقال الإمام أحمد في الزهد لما أخبر الله موسى أنه سيتجلى على جبل تشامخت الجبال إلا جبل الطور تواضع وقال أرضى بما قسمه الله لي فكان الأمر إليه وتجلى الله عليه. وأورد مجاهد إن الله تعالى لما أغرق قوم نوح شمخت الجبال، وتواضع الجودي فرفعه فوق الجبال وجعل قرار السفينة عليه.
 فسبحان من تواضع كل شيء لعزة جبروت عظمته، وخضع لجلال عظيم حكمته.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يهديني وإياكم إلى أحسن الأخلاق وأن يجنبني وإياكم سيئها إنه سميع مجيب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق