الجمعة، 22 مارس 2013

فرصة أخرى ستضيع .......... إبراهيم الهضيبى

نتائج انتخابات الاتحادات الطلابية والنقابية الأخيرة، مقرونة باتساع حركة الاحتجاج الاجتماعى، تقول إن ثمة حراكا مجتمعيا لم يفتر، وأن أثره يمتد إلى جميع الأطراف مبشرا بالتغيير، بيد أن هذه المشاهدات ينبغى قراءتها والتعامل معها بشكل صحيح حتى لا تتكرر الأخطاء وتضيع فرصة أخرى للتغيير.

•••

أدى انسداد المجال السياسى قبل الثورة لتحول النقابات والاتحادات الطلابية لأفنية خلفية للسياسة، إذ تخلت تلك المؤسسات عن أدوارها الخدمية والمهنية واستحالت منابر تستخدم فى الصراع ضد الاستبداد والحظر، وقد تجلى ذلك ــ على سبيل المثال ــ فى الصعود الكبير للإخوان فى النقابات المهنية فى التسعينيات (الأطباء والمهندسين والمحامين والمعلمين والصيادلة وغيرها)، ثم تحول النقابات لمنصات يستخدمونها فى التواصل مع المجتمع والدعاية الحزبية (بعدما منع حظر التنظيم القنوات الطبيعية لذلك)، كما تجلى فى نوع التحالفات الانتخابية، والتى قامت على أسس سياسية لا مهنية، ولم تتسم بأى قدر من تناسق الأجندات الاجتماعية، وقد زاد رد فعل الدولة (المتمثل فى تغيير القوانين المنظمة للعمل النقابى وفرض الحراسة على بعض النقابات) من نزع النقابات من سياقها الطبيعى، إذ وجد أبناء المهن أنفسهم فى قلب صراع سياسى لا تتناول مفرداته قضاياهم المهنية ولا الاجتماعية.

ومع خلع مبارك وتحرير المجال السياسى (وإن جزئيا) من الإدارة الأمنية الإقصائية، وتزايد الإقبال عليه بتشكل عشرات الأحزاب من توجهات مختلفة (إسلامية، ويسارية، وليبرالية)، وكذا تحرر المجال المهنى والطلابى من تدخل الدولة (جزئيا أيضا)، كان طبيعيا أن تنشعل تلك الهيئات بقضايا مختلفة، إذ بدا الانشغال بالأجندات المهنية والاجتماعية أكثر من ذى قبل، ولم يكن غريبا - فى ظل أزمة اقتصادية واجتماعية تضرب بقوة فى أوساط المهنيين ــ أن تتراجع شعبية الإخوان، خاصة مع صعودهم السياسى الذى كشف عن محافظتهم على المستويين الاقتصادى والاجتماعى.

وقد بدت نتائج هذا التغير فى السياق فى النقابات، حيث خلت بعضها من أى تمثيل للحزب الحاكم (كنقابة الصحفيين)، وحتى النقابات التى كانت مركزا إخوانيا قويا (كنقابة الأطباء) نظم أعضاؤها إضرابات لا تتسق مع الطبيعة الاجتماعية المحافظة للإخوان ولا موقفهم السياسى الداعى للاستقرار وتأجيل المطالبات «الفئوية»، كما بدت فى الانتخابات الطلابية (التى أجريت لحين كتابة هذا المقال فى 15 جامعة)، إذ بينما كان الإخوان يكتسحونها متى أجريت بشكل شبه نزيه قبل الثورة، تبدو الصورة الآن مختلفة، فلم يحافظوا على هذا الاكتساح إلا فى جامعات معدودة (الأزهر، دمنهور، دمياط، بنى سويف)، وعلى الأغلبية فى جامعة إضافية (جنوب الوادى)، فيم لم تتخط نسبتهم 10% من مقاعد الاتحادات فى عدة جامعات (عين شمس وحلوان وبنها والسويس وكفر الشيخ) وتخطت ذلك بقليل فى جامعات أخرى (القاهرة وطنطا) وظلت دون النصف فى بقية الجامعات.

•••

ثمة ملاحظات ينبغى الالتفات إليها والبناء عليها فى هذه النتائج:
  • أولها أن هزيمة الإخوان لم تترجم لفوز الأحزاب الأخرى، إذ فاز المستقلون بالنصيب الأكبر من المقاعد، وهو ما يعنى أن جل الأحزاب لم تزل غير قادرة على تأسيس وجودها مجتمعيا بعيدا عن الطبقة السياسية، حتى تلك المنتمية لتيارات اليسار، والتى مثلت هذه الانتخابات زمانيا (فى لحظة توسع الاحتجاج الاجتماعى بعد الثورة، تجاوزت فيها الاحتجاجات العام الماضى 3800 احتجاج) ومكانيا (فى الأوساط الطلابية والعمالية) فرصة غير مسبوقة للتواصل قواعدهم المفترضة.
  • ثانى الملاحظات عودة النقابات والاتحادات للاضطلاع بأدوارها المهنية، وهو ما يعنى أن المجتمع ــ الذى «كفر» فيما يبدو بالطبقة السياسية وصراعاتها المتوهمة ــ قد استفاد من الثورة فى تنظيم صفوفه وظيفيا، فصار قادرا على خوض المعارك الأهم، الخاصة بعلاقة الدولة بالمجتمع، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، على نحو أكثر جدية، وصار التحدى الرئيس أمام الأحزاب السياسية هو إقناع تلك الفئات المجتمعية - من خلال السياسات والاتصال والمواقف - بأنهم يحملون أجندتهم.
  • أما ثالث الملاحظات فالتراجع السريع للإخوان فى الأوساط الطلابية، التى كانت أقوى قطاعات الجماعة قبل الثورة، وكان التجنيد يأتى فى معظمه من صفوف الطلبة، الذين رأوا فى الجماعة تدينا معتدلا، وصلابة أخلاقية، وحسا نضاليا، مقرونة بالكفاءة (التنظيمية).
 وهو صورة تغيرت كثيرا مع وصول الإخوان للسلطة، إذ غاب تلقائيا تصور الحس النضالى (هو غير متصور مع الوجود فى السلطة)، والكفاءة (بسبب العجز عن التعامل مع المشكلات الحالة بطبيعة الحال)، وأصبح الاعتدال والصلابة الأخلاقية محل شك (لأسباب بعضها يتعلق بمواقف التنظيم، وبعضها بالتعامل المبالغ فيه من خارجه معها)، فكانت المحصلة النهائية تراجع الأداء فى الانتخابات بسرعة تدل على تراجع معدلات التجنيد، وهو ما يعنى أن التنظيم الذى حافظ - برغم كل أخطائه خلال العامين الماضيين - على تماسكه (بإشعار أعضائه بالاستهداف ووجود خطر من خارجه يستدعى تأجيل الخلافات الداخلية) قد فشل فى إقناع من هم بخارجه بصحة مواقفه، وهو ما يضع قيادة الجماعة أمام ثلاثة خيارات:

  • أولها فصل العمل الحزبى عن الجماعة، لتستمر الجماعة فى عملها الاجتماعى بغير أن تتحمل أوزار السياسة (وهو ما يعنى التضحية بالحزب لصالح الجماعة، التى لم ينجح الحزب فى تحقيق أى أرضية خارج قواعدها)،
  • وثانيها القبول بعضوية الراغبين فى الانضمام للجماعة بوصفها حزبا حاكما (أى نفس نوعية الراغبين من قبل فى الانضمام للحزب الوطنى) وهو ما يعنى الانقطاع التام بين ما قامت عليه الجماعة ومستقبلها (أى التضحية بالجماعة من أجل الحزب)، 
  • وثالثها الإصرار على عدم التضحية بأيهما، ومن ثم تشيخ الجماعة ضيق قاعدتها من الشباب.

•••

إن تلك المتغيرات على مستوى النقابات والاتحادات لا يعنى تلقائيا تغير الخريطة السياسية، إذ سيبقى أثر تلك المتغيرات محدودا لو لم توجد محاولات جادة لتمكين المجتمع والنقابات، وتصعيد الفائزين فى انتخاباتها من الأحزاب السياسية لخوض المعارك البرلمانية بدلا من فرض قيادات منقطعة الصلة بالواقع الاجتماعى. إن بقاء الأحزاب السياسية منكفئة على نفسها يعجزها عن الاستفادة من هذا الوضع، لأنها حتى فى داخل الحزب الواحد تتمركز حول قياداتها ولا توسع دائرة المشاركة فى القرارات والمسئولية فى داخلها فيزيد البون الفاصل بينها وبين الشارع، وكذلك نوع القضايا التى تطرحها، وابتعادها عن السياسات مع تركيزها على النقد وغير ذلك، ولن تتمكن الأحزاب من تحقيق أى نقلة بغير تمكين هؤلاء لا قمعهم، وخوض معاركهم لا استغلالهم كوقود فى معارك الساسة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق