الاثنين، 28 مارس 2011

حول مؤتمر شباب الإخوان…. عصام تليمة

تابعت الأخبار التي تتابعت عن مؤتمر شباب الإخوان الذي عقد يوم السبت الماضي، وتابعت الحوار الذي بثته قناة الجزيرة مباشر مع ثلاثة من الشباب الذي أشرف على المؤتمر، وردود فعل المسؤولين في الإخوان في مكتب الإرشاد تجاه المؤتمر قبل انعقاده، من نفي رعايتهم له، ومن رسائل من بعض المسؤولين عن مناطق في القاهرة وغيرها بتوصية الشباب بعدم الحضور للمؤتمر، ولكني هذه المرة أريد أن نقف جميعا المتفقون والمختلفون على نقاط ومبادئ يتفق عليها الطرفان، حيال هذا الموقف تحديدا: موقف شباب قاموا من أنفسهم ـ سافترض ذلك ـ بعقد مؤتمر يقدمون فيه نصحهم للجماعة، وينقدون مسيرتها، ويقترحون حلولا للمرحلة القادمة، لا شك أن الطرفين: الشباب (شباب المؤتمر)، والمسؤولين في الجماعة ومن على خلاف رأيهم يتفقون في هتافهم على هذا الهتاف قولا واقتداء وتمسكا: الله غايتنا ـ الرسول قدوتنا ـ القرآن دستورنا. المرجع في فكر الإخوان بعد ذلك: فكر حسن البنا.


أظن هذه مواضع اتفاق نستطيع أن نحتكم إليها، حتى لا يحتكم أحد فينا إلى ما يهوى، أو إلى بيئة تربى فيها، ثم أراد أن يلبس تصرفاته الشخصية والبيئية لباس دعوة الإخوان، فلنحتكم إليها في هذا الموقف.

(الله غايتنا)، فهل من غايته الله عز وجل، يقبل النصيحة من أي فم خرجت، أم يشترط أن تخرج ممن يريد فقط، وممن أخذ الإذن بالنصح، عملا بمبدأ فرعون: (آمنتم له قبل أن آذن لكم) فالإيمان عند فرعون يحتاج إلى إذن مسبق، فما بالنا بنقده، وهو منطق لا يقبله أحد يخشى الله، ويتعبد إليه، ويؤمن به، فضلا عن داعية يحمل منهج الله للناس.

هل من المقبول أن نرفض النصيحة والنقد البناء من شباب قدموه من تلقاء أنفسهم، وهم راغبون في ذلك، حريصون عليه، في مقابل أن نجري وراء حوار شباب المسيحيين ونرفض حوار شباب الإخوان المسلمين، ألم ينزل الله ـ الذي رضاه غايتنا ـ قرآنا فيه عتاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم لانشغاله بسادة قريش الذين يطمع في إسلامهم، وتفهمهم لدعوته، في مقابل تأجيله تعليم عبد الله بن أم مكتوم، وأنزل الله فيه قرآنا يتلى إلى أن يرث الله الأرض من وعليها، في سورة يحفظها شباب الإخوان وشيوخها، وهي سورة (عبس) التي قال الله تعالى فيها: (أما من استغنى. فأنت له تصدى. وما عليك ألا يزكى. وأما من جاءك يسعى. وهو يخشى فأنت عنه تلهى)، ويلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم، ويحتضنه، ويعتذر إليه قائلا: مرحبا بمن عاتبني فيه ربي، ويستخلفه مرتين على المدينة المنورة، فهل يراجع الإخوان أنفسهم على ضوء عتاب الله لنبيه، في موقف مشابه، بالاعتذار لمن جاؤوهم يسعون بالنصح، فتلهوا عنهم، وأشاح بعضهم بوجهه، باعتذار يليق بهم، وهو يعلي منهم ولا ينقص؟! أليس الله غايتنا؟!

(الرسول قدوتنا) هل كان الرسول القدوة صلى الله عليه وسلم في موقف كهذا سيرفض النصح، والنقد البناء، أو النصيحة من أي فم خرجت لعلة تصنيف من يقولها، أو لأنه لم ينل رعايته قبل اجتماعه، أو لم ينل إذنه قبل الجلوس؟ إن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل المشورة والرأي من كافر كان أسيرا عند المسلمين في غزوة بدر، وهو العباس بن عبد المطلب قبل إسلامه، عن ابن عباس رضي الله عنهما: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من القتلى، قيل له: عليك بالعير ليس دونها شيء، فناداه العباس وهو في الوثاق: إنه لا يصلح لك. قال: لم؟ قال: لأن الله وعدك إحدى الطائفتين، وقد أنجز لك ما وعدك".
ومن ذلك أيضا: تعقيب العباس ـ وهو من الأسرى ـ على قول عبد الله بن رواحة وهو ممن استشيروا في أمر الأسرى، فقال: انظر واديا كثير الحطب، فأضرمه عليهم. قال العباس وهو يسمع: قطعت رحمك. فلم يقل عبد الله بن رواحة: كيف تتكلم وتبدي الرأي وأنت مشرك وأسير لدينا في شأن مصيرك، ولا حرية لك؟! بل نال الأسير المشرك العباس بن عبد المطلب كامل الحرية في التعبير عن رأيه، في وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم وإقراره.
بل أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نقبل النصح حتى لو صدر من إبليس عدو الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابي الجليل الذي نصحه إبليس: صدقك وهو كذوب، أي أن نصحه صحيح، وإن كان الأصل فيه الكذب.
فكان الموقف اللائق بمن الرسول قدوته هنا: أن يترك المجال للنقاش، والنصح والنقد، ما دام الناصح يلتزم بأدب الحوار والنقاش والنصح فيه.

أما عن موقف الإمام البنا في مثل هذه المواقف، فكتبت أكثر من مرة أبينه، وأعيد هنا أيضا وأزيد، لقد قام الشباب من أنفسهم، بينما كان حسن البنا هو الذي يقوم بطلب النقد ممن حوله، بل أقام لجنة سماها (لجنة المشروع) قامت بالكتابة عن جماعة الإخوان، ونقد مسيرتها، وتقديم الاقتراحات والحلول للمرحلة القادمة، وكلهم شباب أصغر من شباب مؤتمر الإخوان، أو في سنهم، فمعظمهم كانوا طلبة جامعة ومرحلة ثانوية.
بل قبل حسن البنا أن ينقده أحد القراء في ذمته المالية، ويسأله من أين لك هذا التأنق وأنت مدرس، ومعلوم راتب المدرس، وأجاب عليه البنا ووضح بما لا مجال لإعادة ما ذكرته من قبل في مقالات كثيرة. وعندما انشق عليه جماعة شباب محمد، وهو انشقاق واضح، وطبعوا إيصالات للتبرع للجماعة الجديدة، كان الإيصال رقم واحد في تبرعاتهم، تبرع من حسن البنا رحمه الله.

إذن كان حسن البنا يطلب النقد، ويشجع عليه، ويتقبله، حتى لو لم يكن هادفا، وهذا هو شأن الإنسان الكبير، والجماعة الكبيرة كذلك، التي تعامل الجميع على أنهم أبناؤها، تربت على كتفهم، وتحنو على صغيرهم وكبيرهم، وترد شاردهم، وتصفح عن مخطئهم، لا أن تغلق الباب على الشباب، وتلجئهم على ركن قصي في زاوية من البيت، ليقف الشباب مخيرا بين أمرين أحلاهما مر: إما أن يخبط رأسه في الحائط، وإما أن ينفجر في جماعته، في مقابل أن النوافذ كثيرة يجب أن تفتح، وهناك أبواب لا حصر لها مفتحة، لماذا الإصرار على إغلاقها في وجوه الشباب؟!
إن الجماعة التي تحافظ على حيويتها ونشاطها: هي التي تقدر المبادرات الفردية من أفرادها، ولا ينتظر أفرادها التوجيهات التي تأتيهم، وإن لم تأتهم فبركة يا جامع، وتتحول إلى مجموعة من الكسالى، الذين يركنون إلى تخطيط وتوجهات المسؤولين، إن جاءت فهم مجرد منفذين، وإن لم تأت فهم في طابور المنتظرين قابعين.
ولن أذهب بعيدا، وسأقتبس من كلام المرشد الحالي د. محمد بديع، وفي آخر رسالة له على موقع إخوان أون لاين، وفي آخر فقرة من رسالة المرشد الأسبوعية يقول فيها: (وقد أطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حرية التفكير وحرية النقد، وتقديم النصيحة حتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. إننا نمد أيدينا إلى كل المخلصين في هذا البلد الأمين، بل في كل بقاع الدنيا؛ كي نتعاون على الخير، ونتواصى بالبر، ونعمل لخير البشرية جمعاء) انتهى كلام المرشد في رسالته الأسبوعية.
فهل يطلق الرسول صلى الله عليه وسلم حرية التفكير والنقد وتقديم النصيحة لرسول الله، ولا نطلقها نحن يا فضيلة المرشد، ويا معشر الإخوان، بالنقد لمسيرة الجماعة وتطويرها، أم أنه حلال على رسول الله صلى الله عليه وسلم المعصوم، وحرام على البشر الذين لا عصمة لهم؟!
وهل الشباب الذي جلس وتناقش وقد أعلنتم أنكم تمدون أيديكم إلى كل المخلصين في هذا البلد الأمين. هل شبابكم الغض الطاهر ليس من المخلصين في هذا البلد، كي تقبلوا نصحه وإرشاده؟!

وهذا هو اللائق بالمرشد العام، وليس ما يشاع من البعض أنه ينوي محاسبة هؤلاء الشباب ومعاقبتهم، وهو سلوك لو فعله المرشد لكان وصمة في جبينه، لا نرضاها له، أن يبدأ تاريخه بمصادرة رأي أيا كان قائله. وسوف تكون رسالة سيئة لكل الفصائل المحيطة بالإخوان: أنه إذا كانت الجماعة تصادر رأي شبابها، فما بالكم لو حكمونا، أو وصلوا لسدة الحكم ماذا هم فاعلون بنا، والشباب المسيحي الذي سيحاوره ماذا هو قائل لهم لو سألوهم: ماذا فعلتم بشبابكم عندما انتقدوكم، ونحن في جعبتنا مواقف كثيرة انتقادية لكم؟!
أتمنى على الله أن يكون ما حدث نزغ شيطان، نستعيذ بالله منه، ونتفل عن شمالنا، ونستغفر الله، ونستعيذ به من أن نظلم أو نظلم، أو نجهل أو يجهل علينا، فليس عيبا أن نخطئ، بل العيب كل العيب ألا نعترف بالخطأ كبارا كنا أم صغارا، ونداوي هذا الخطأ، ونبادر بالاعتذار عنه، وإصلاح ما بني عليه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق