السبت، 12 مارس 2011

حب الوطن طريق للإبداع والتميز….. بقلم : خالد خلاوي


 حب الوطن طريق للإبداع والتميز
 
بقلم : خالد خلاوي
 
 الحب من أقوى دوافع التميز والإبداع والعطاء المستمر ومن ذلك حب الوطن الذي يبدع المرء من أجله ويقدم له كل غال ، وفاء لأرض ولد عليها وتربى في ربوعها ، فحب الوطن انتماء وعطاء ، والوطنية الحقة انتماء فريد وإحساس يرقى بصاحبه إلى شرف التضحية بالمال والوقت والجهد بل وبالروح والنفس و هذه التضحية تكون ممزوجة بلذة وإقدام.‏
وحب الوطن عند العرب والمسلمين له عاطفة قوية عبروا عنها قولاً وعملاً ، يقول الجاحظ في رسالة الحنين إلى الأوطان :" كانت العرب إذا غزت أو سافرت حملت معها من تربة بلدها رملاً وعفراً تستنشقه "
ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم مواقف كثيرة تدل على حبه لموطنه مكة ، روي أنهسمع قول ورقة بن نوفل أنهم يؤذونه ويكذبونه فلم يظهر منه انزعاج لذلك فلما قال له ورقة : يا ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك . أبدى انزعاجه لإخراجه من بلده الحبيب إلى قلبه ، و قال صلى الله عليه وسلم  :  أو مخرجي هم ، قال ورقة  : نعم لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزراً.
 
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقف يُخاطب مكة المكرمةمودعاً لها وهي وطنه الذي أُخرج منه ، فقد روي عن عبد الله بن عباسٍ ( رضي اللهعنهما ) أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة :" ما أطيبكِ من بلد ، وأحبَّكِ إليَّ، ولولا أن قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيركِ " ( رواه الترمذي ، الحديث رقم 3926 ) .
و بشّر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم  وهوّن عليه  لوعته بفراق مكة ، وأنزل عليه قوله تعالى): إن الذي فرض عليك القرآن لرادّكَ إلى معاد (  قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيرها : أي إلى مكة .
و قرن الله سبحانه وتعالى كره الناس الخروج من ديارهم؛ بكرههم قتل أنفسهم، قال تعالى ): وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ((سورة النساء 66.
 
وعن إبراهيم بن أدهم رحمه الله قال: (عالجت العباد فما وجدت شيئاً أشد علي من نزاع النفس إلى الوطن .
و قال الشيخ محمد الغزالي: "والبشر يألَفُون أرضَهم على ما بها، ولو كانت قفرًا مستوحَشًا، وحبُّ الوطن غريزةٌ متأصِّلة في النفوس، تجعل الإنسانَ يستريح إلى البقاء فيه، ويحنُّ إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هُوجِم، ويَغضب له إذا انتقص".
وإذا كان الإنسان يتأثر بالوطن الذي ولد فيه ، ونشأ على ترابه ، وعاش من خيراته ؛ فإن لهذه الوطن  عليه  حقوقاً وواجباتٍ كثيرةً يأتي في مقدمتها التفوق والتميز في كافة مجالات الحياة لرفع اسم الوطن عالياً ، وما المنجزات العلمية والعسكرية والرياضية والأدبية وغيرها التي أنتجها عباقرة العالم إلا وكان لحب أوطانهم نصيب في تحقيقها .
ويأتي الحب الصادق والانتماء الحقيقي للوطن من خلال استشعار المسلم  أنه مستخلف من قبل الله – عز وجل – لعمارة هذا الوطن الذي يعيش فيه، فاستحضار هذه النية يكون بها المسلم مثاباً ومأجوراً من قبل الله عز وجل ، قال الله تعالى (هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ) ( سورة هود ، آية 61 ) .
 
وعن ذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (عَمر الله البلدان بحب الأوطان ) .وقال أيضاً : ( لولا حب الوطن لخرب بلد السوء ) .
وخلاصة القول : أن  المسلم الصادق  يحب وطنه، ويعمل كل خير لبلده، ويتفانى في خدمته، ويضحي للدفاع عنه  ، ولذلك يصبح لزاماً على الآباء تربية الأجيال الناشئة  علىاستشعار ما للوطن من أفضالٍ سابقةٍ ولاحقة عليهم ( بعد فضل الله سبحانه وتعالى ) منذ نعومة أظفارهم ، ومن ثم تربيتهم على رد الجميل ، ومجازاة الإحسان بالإحسان ، فللوطن دين في عنق كل فرد من أبنائه ورد هذا الدين يكون بالعمل والإنتاج والتميز يعني الانتماء الإيجابي لهذا الوطن ، وللوطن حقوق عند الأجيال الجديدة يذكرها الشاعر حافظ إبراهيم: 
رجال الغد المأمول إن بلادكم                          تناشدكم بالله أن تتذكروا 
عليكم حقوق للبلاد أجلها                        تعهد روض العلم، فالروض مقفر 
قصارى منى أوطانكم أن ترى لكم            يداً تبتني مجداً ورأساً يفكر 
فكونوا رجالاً عاملين أعزة                    وصونوا حمى أوطانكم وتحرروا 
 
ويقول شوقي :
                  وللأوطان في دم كل حر         يد سلفت ودين مستحق 
 
 
صور من حياة المتميزين
 
سر صناعة الموتور الياباني
 
في أحد مقالاته بمجلة أكتوبر القاهرية يحكي الدكتور حسين مؤنس ـ رحمه الله تعالى ـ  عن الياباني الذي كان مبعوثًا في أوائل القرن العشرين للحصول على الدكتوراه في الهندسة من بريطانيا، ثم وجد نفسه يضيع وقته وجهده في دراسات نظرية لا طائل منها، وكيف أنه وزملاءه المبعوثين أغرقوا أنفسهم في المعادلات والتحليلات دون جدوى .سأل هذا الياباني نفسه: ما هو مفتاح التكنولوجيا الغربية التي صنعت التقدم الاقتصادي؟ وأجاب بأنه الموتور. إذن فليعد لبلاده بسر صناعته، واشترى بالفعل موتورًا من ماله الخاص الذي يأكل به، وعكف عليه يفكه قطعة قطعة، وكلما فك قطعة رسمها ورقّمها، حتى فك الموتور كاملا، ثم أعاد تركيبه، وأعاد ذلك عدة مرات حتى أدرك كل أجزاء الموتور ووعاها، ثم عاد للكتب يتفقه في بعض النظريات الحاكمة لعمل الموتور.
 
بعد ذلك أراد هذا الياباني المحب لوطنه أن يعمل في بعض المصانع التي تصنع الموتور، فذهب إليها عاملا يكتشف في هدوء أسرار صناعة هذه الأداة ودقائقها. ولما أيقن أنه عرف كل أسرار الموتور، وما بقي إلا أن ينقلها لبلاده كتب للملحق الثقافي الياباني بقصته، فنقلها لوزير التعليم الذي أخبر بدوره الإمبراطور الذي بعث لهذا المهندس بأموال ليشتري كل ما يلزمه من معدات لصناعة الموتور الياباني
ولما فرغ من مهمته بعد عدة سنوات ذهب لزيارة الإمبراطور ومعه عينة من هذه الموتورات التي استمع الإمبراطور إلى شرح حولها في نشوة، قائلا: هذه أعذب موسيقى سمعتها في حياتي.
 
هذا الياباني العبقري  لم يعد لبلاده بدكتوراه نظرية لا تفيد صناعاتهم ، وإنما عاد إليها بعزتها ومجدها.. عاد إليها بتقليد مفتاح الصناعة الأوربية ومن ثم تقدمها الاقتصادي، وعاونه على ذلك الملحق الثقافي ووزير التعليم والإمبراطور، ولم يحاولوا أن يخذلوه أو يتهموه، وإنما ساعدوه وشجعوه وتعاون الجميع على ما فيه خير لوطنهم .
 
 
كلمات في التميز
حب الوطن
 
بلادي هواها في لساني وفي دمي          يمجدها قلبي ويدعو لها فمي
ولا خير فيمن لا يحب بلاده               ولا في حليف الحب إن لم يتيّم 

                                                                                                        مصطفى صادق الرافعي   


وحبب أوطان الرجال إليهم             مآرب قضاها الشباب هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم              عهود الصبا فيها فحنو لذلك
 
بن الرومي
 
ليس هناك شيء في الدنيا أعذب من أرض الوطن.
هوميروس
أنا مغرم جدا ببلادي، ولكنني لا أبغض أي أمة أخرى.
بليكو
جميل أن يموت الإنسان من أجل وطنه، ولكن الأجمل أن يحيى من أجل هذا الوطن.
كاريل
يستروح العليل بنسيم أرضه، كما تستروح الأرض المجدبة بوابل المطر.
                                                                                                                      جالينوس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق