الأربعاء، 30 مارس 2011

العثماني: مدنية الدولة لا يخرجها الاستناد إلى المرجعية الإسلامية


 
رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية المغربي في حواره
 
العثماني: مدنية الدولة لا يخرجها الاستناد إلى المرجعية الإسلامية
أجرى الحوار
حسن الأشرف - المغرب
 
يرى الدكتور سعد الدين العثماني، القيادي الإسلامي المغربي المعروف، أن الاجتهادات السياسية للعلماء أو للقادة الإسلاميين ليست معصومة حتى تتماهى مع الإسلام، لكونها ترتبط بظروفهم وتجاربهم الخاصة رغم أنها مكمن للفائدة والعبرة.
 
وأكد رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية المغربي في حوار خص به موقع إسلام أون لاين.نت على ضرورة الاجتهاد والتجديد في حياة المسلمين الفكرية والعملية، لكونه يمنحهم القدرة على العيش في عمق عصرهم وفق مرجعيتهم الدينية.
 
وقال مؤلف كتابي: "تصرفات الرسول بالإمامة" و"الدين والسياسة تمييز لا فصل" إنالتجديد يرتكز أساساً على تكيف فهوم البشر للوحي مع معطيات التقدم البشري والحضارة الإنسانية، مردفا أن المسلمين يعيشون حاليا تخلفا فكريا وحضاريا كبيرين، وهو تخلف حتى عن بعض ما كتبه أجدادنا وما توصلوا إليه من سياقات وأنساق فكرية وحضارية.
 
وبعد أن أعرب المتحدث عن كونه لا يحبذ مفاهيم الإسلام العلماني أو العلمانية الإسلامية، شدد على أن مفهوم العلمانية نشأ من أساسه في بيئة حضارية مغايرة للبيئة والثقافة الإسلاميتين وبالتالي لا معنى لاستنساخه في بيئتنا.
 
وأوضح العثماني في الحوار على أن النموذج الغربي بتوجهاته النظرية والمؤسساتية ليس للنسخ والتبني وإنما للاستفادة والمقارنة، مبرزا من جهة أخرى أن مدنية الدولة لا يخرجها عن الاستناد إلى المرجعية الإسلامية وعن الاهتداء بهدي الدين..
 
نص الحوار:
 
الشرعية والديمقراطية
  
* في كتابكم "الدين والسياسة تمييز لا فصل"، اعتبرتم أن انتقادات اجتهادات قادة إسلاميين ليس بالضرورة نقدا للإسلام..هل هي دعوة مباشرة منكم لتجديد ما يسمى بالفقه السياسي؟
 
لا يمكن أن يكون الفكر البشري أيا كان، مساويا للوحي الإلهي، ومعبرا عن الحقيقة المطلقة. فهذا ينافي طبيعة البشر. ولذلك فإن الاجتهادات السياسية للعلماء أو القادة إنما ترتبط بظروفهم أو بسياقات تجاربهم أو بزاوية نظرهم أو بغيرها من العوامل. وعلى الرغم من أنها مجال إفادة وعبرة، إلا أنها ليست معصومة حتى تتماهى مع الإسلام. وبقدر حيوية الاجتهاد والتجديد في حياة المسلمين الفكرية والعملية بقدر ما يكونون أقدر على أن يعيشوا في عمق العصر بدينهم ووفق مرجعيته.
 
 * برأيكم هل يمكن قياس فكرة الدولة الإسلامية على فكرة الدولة الديمقراطية الحديثة من خلال مبدأي الشرعية والشورى؟ وكيف السبيل إلى ذلك؟
 
* أعتقد أن التعبير غير دقيق، فلسنا محتاجين إلى هذا النوع من القياس. الأولى: أن يقال أن مبادئ الدين وفلسفته السياسية والمجتمعية يمكن أن تنسجم معها التوجهات الديمقراطية. فالتجديد يقوم في أساسه على تكيف فهوم البشر للوحي مع معطيات التقدم البشري ومعطيات الحضارة الإنسانية. وهذه الديناميكية المستمرة والتفاعل المتواصل هما وقود حياة المسلمين ليكونوا فاعلين في التاريخ. فالفاعلية لا تكون بالجمود أو بالتقليد.
 
وأعتقد أن مسمى الدولة الإسلامية غير دقيق في إطار المفاهيم السائدة، وأظن أن الأولى الحديث عن الدولة في الإسلام وعن سماتها العامة ومقاصدها والتزاماتها. ولا شك أن للدين توجهات وأحكاما في قضيتي الشرعية وطبيعة علاقة الحاكم بالمحكوم، لكن ليس دقيقا القول بأنها من الدقة بحيث تشكل نظاما متكاملا. والأرجح أن يقال إن هناك توجهات ومبادئ يطلب من البشر الاجتهاد في إطارها وإبداع أوفق السبل لتنزيلها.
فإذا أخذنا مثال الشورى، فإننا لا نجد لها في الشرع كيفيات محددة ولا وسائل تطبيقية مضبوطة، بل هو مبدأ عام، يطلب منا تنزيله حسب ما نقدر أنه الأصلح لنا، وحسب ما يتراضى عليه أبناء المجتمع، وحسب ما تنتهي إليه التجربة الإنسانية، وهنا نلتقي بالديمقراطية وتطبيقاتها.
 
 * تتحدثون دوما في أطروحاتكم الفكرية عن ما تسمونه مدنية الدولة الإسلامية.. برأيكم ما شروط تشكل مدنية الدولة الإسلامية؟
 
* عندما قسم العلماء مجالات عمل الإنسان إلى مجال تعبدي ومجال عادي، فهم في الحقيقة نظروا للطابع المدني لجزء من تصرفات المسلم، على الرغم من كون هذه التصرفات مشمولة بهدي الدين من حيث العموم.
 
فمثلا يقول تقي الدين ابن تيمية إن "تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان: عبادات يصلح بها دينهم، وعادات يحتاجون إليها في دنياهم". ثم يؤكد أنه باستقراء أصول الشريعة نعلم أن "العبادات التي أوجبها الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالتشريع. أما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه والأصل فيه عدم الحظر". إنه عندما يؤصل هذه القاعدة الجوهرية التي توسع فيها أيضا أبو إسحاق الشاطبي في كتابه القيم "الاعتصام"، فهو يقرر في الحقيقة مدنية الجزء الأكبر من حركة المسلم في الحياة، مما ليس "عبادات يصلح بها دينه".
 
والعمل السياسي بمختلف أنواعه ينطبق عليه ذلك بامتياز. ولذلك تقرر اليوم أن الدولة في الإسلام دولة مدنية، بمعنى أن قراراتها بشرية اجتهادية، وليست من جنس الأعمال التعبدية التي الأصل فيها التوقيف، بل الأصل في التصرفات السياسية الإباحة والسماح.
 
مدنية الدولة
 
 * يرى البعض أن تأصيلكم لمدنية الدولة الإسلامية ما هو إلا دعوة مبطنة إلى التمييز بين الدين والدولة إلى حد الفصل بينهما، أو بمعنى العلمانية بثوب إسلامي جذاب؟.. ما ردكم؟
 
أولا هذا الطرح ليس جديدا ولكنه قديم قدم الفكر الإسلامي، ومن الطبيعي أن يكون التقبل له قليلا أو محدودا لأننا نعيش حالة تخلف فكري وحضاري شديد، حتى إننا متخلفون عن بعض ما كتبه أجدادنا وما توصلوا إليه من سياقات وأنساق فكرية وحضارية. وبالتالي فإن قضية التمييز بين ما هو ديني وما هو دنيوي وارد في أحاديث ونصوص نبوية، فعندما يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث تأبير النخل الذي رواه مسلم: "إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر"، وعندما يقول في حديث آخر:"إن كان أمر دنياكم فشأنكم، وإن كان أمر دينكم فإليّ"، فإنه يقوم بعملية تمييز واضحة.
 
وعندما يقول الصحابي الخباب بن المنذر للرسول صلى الله عليه وسلم: "أهو منزل أنزلكه الله، أم هو الرأي والحرب والمكيدة"، فيجيب رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل هو الرأي والحرب والمكيدة"، فإنه يقوم بعملية تمييز أيضا بين مستويين من الممارسات: تلك المبنية على الوحي، والتي تطاع تدينا، وتلك المبنية على الاجتهاد البشري، والتي يمكن أن تناقش وتراجع، وهي المصطلح عليها اليوم بأنها مدنية.
 
والشواهد كثيرة في التمييز بين القرار السياسي ذي الطابع المدني وبين الأمر الديني، وقد قام الأصولي الفذ شهاب الدين القرافي بالتمييز في وضوح منهجي بين تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم بوصفه نبيا مبلغا وبوصفه مفتيا وبوصفه قاضيا وبوصفه إماما رئيسا للدولة. وكتب في ذلك مؤلفه الخاص "الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام".
 
لكن من الضروري التأكيد على أن القول بمدنية الدولة لا يخرجها عن الاستناد إلى المرجعية الإسلامية وعن الاهتداء بهدي الدين. فعندما قال ابن تيمية في النص السابق بأن تصرفات الناس نوعان: "عبادات يصلح بها دينهم وعادات يحتاجون إليها في دنياهم"، فهو يميز بين المستويين، ولا حرج في ذلك. وهذا غير الفصل بين الدين والدولة في المنظور العلماني اللائكي الذي يريد أن يمضي بالعمل السياسي بعيدا عن هدي الدين وتوجيهه، وأحيانا يمارسه بما يناقضه.
 
وهنا أشير إلى أن استعمال الدين مقابل الدنيا هو معنى معين وخاص، استُعمل في الكثير من النصوص الشرعية ومن كلام العلماء من قديم، لكن هناك معنى آخر يجعل كل عمل المسلم ولو في أمور الدنيا الاجتهادية دينا إذا اتقى الله فيها؛ وهذا معنى عام ورد أيضا في بعض النصوص، لكنه ليس هو المقصود هنا.
 
 * بصراحة..هل يمكن الحديث عن علمانية إسلامية أو إسلام علماني؟.. أين يمكن أن توجد مثل هذه الأشكال على أرض الواقع وفي العالم الحديث؟
 
أنا لا أحبذ ذلك، فالألفاظ لها حمولات حضارية وثقافية، واستعمالها في غير سياقاتها مثير للاضطراب والارتباك. كما أن مصطلح العلمانية لفظ مجمل يحمل أكثر من دلالة، وقد تختلف تلك الدلالة من توجه إلى آخر، ومن مدرسة ثقافية أو سياسية لأخرى، وأحيانا من شخص لآخر. لذلك فمن الواجب التبين في المدلول الذي يعنيه به كل متحدث.
 
وأشير هنا إلى أن الحديث عن النموذج الغربي وتوجهاته النظرية أو أشكاله المؤسساتية، إنما هو للتدبر والاستفادة والمقارنة، وليس للنسخ والتبني. إذ من المعروف أنه ليس هُناك أي تجربة وأي حضارة تبني مشروعها عن طريق نسخ تجربة أخرى، بل هي مدعوة لتبنيه على دينها ومبادئها الخاصة وسياقها التاريخي. ومفهوم العلمانية من أساسه نشأ في بيئة حضارية مغايرة لبيئتنا وثقافتنا، ولا معنى لاستنساخه.
   
الإسلام وأصول الحكم
  
* يقول بعض الذين انتقدوا طروحاتك الأخيرة أن دعواتك للتمايز بين الديني والسياسي سببه تأثرك بما جاء في الكتاب الشهير.. الإسلام وأصول الحكم.. لصاحبه الشيخ علي عبد الرازق..؟
 
* لم يتيسر لي أن أقرأ الكتاب من قبل، ولكني طالعت مؤخرا بعض الفقرات منه. وبالتالي فالحديث عن التأثر به غير ذي موضوع. أظن أن التأثر كان أكثر بالقرافي في كتاباته المختلفة ومن تبعه من الأصوليين. وأكثر من ذلك فإن ما طرحته مناقض تماما لما طرحه علي عبد الرازق، فهو يقول إن وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت روحية خالصة، ولم يمارس العمل السياسي، وأن عمله "لم يتجاوز حدود البلاغ المجرد من كل معاني السلطان".
 
وأطروحتنا تقوم على العكس من ذلك، على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قائدا سياسيا، "إماما" حسب مصطلح القرافي، لكن تصرفاته وقراراته بهذه الصفة اجتهادية بشرية وليست عن وحي، وأنها "دنيوية" لا "دينية" بمفهوم الدين الذي رأيناه.
 
 * أحيانا كثيرة تتعارض قوانين الدولة المدنية الإسلامية مع ما قررته الشريعة الدينية تعارضا صارخا.. حينها برأيكم كيف يمكن قبول هذا التعارض والتعاطي معه في ظل ما تسمونه عدم الفصل القاطع ولا التماهي الكامل بين ما هو ديني وسياسي؟
 
* هذا الطرح غير وارد تماما، فنحن نتحدث عن دولة مدنية بمرجعية إسلامية. وكونها مستندة إلى المرجعية الإسلامية يجعل التناقض غير ممكن. لكن الالتزام بمقتضيات المرجعية يتم حسب الإمكان، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها. والمسلم غير مكلف بما لا يمكن العلم به أو العمل به. والمسلم من أي موقع لا يجد إمكانية ليكون القرار أرضى لله إلا أسرع إليه.
 
 
* تجربتكم في حزب العدالة والتنمية المغربي أثارت ولا تزال تثير الفضول.. حيث يتساءل الكثيرون حول إشكالية الدين والسياسة داخل حزبكم والوشائج الخطرة بينهما.. كيف يمكن الحفاظ على توازن حزب سياسي دون المساس بحدود الطرفين؟
 
* تعرف الوثائق المؤسسة حزب العدالة والتنمية بأنه "حزب سياسي ذو مرجعية إسلامية"، فنحن نعتز باستنادنا إلى المرجعية الإسلامية ونحرص على بناء برامجنا انطلاقا منها. لكن الحزب لا يشتغل بالعمل الديني المباشر ولا بالعمل الدعوي المباشر. فلا يؤطر في المساجد لا خطابة ولا وعظا وإرشادا، ولا يصدر الفتاوى الدينية، ولكنه يستفيد من فتاوى العلماء والمؤسسات العلمية.
 
وبهذه الطريقة نحفظ التوازن في هذا المجال، وهذا هو المقصود بالتمييز بين العمل الدعوي والعمل السياسي. ويمكن أن أعطي بعض الأمثلة على تأثيرات ذلك على ممارسة وعمل الحزب. فعلى مستوى البرنامج السياسي تختلف مكانة قضايا الهوية والأخلاق، ومنهجية تناولها عما هي عليه في الهيئات الدعوية "المباشرة". فتتناول في الحزب بوصفها سياسات عمومية، ويعمل على ترجمتها إلى إجراءات عملية واقعية ومقترحات دقيقة.
وعلى مستوى الخطاب تزداد المساحة التي تحتلها مشاريع الإصلاح السياسي والعدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية وتحسين الحكامة في تدبير الشأن العام.
 
وعلى مستوى الشعارات المرفوعة، من المطلوب أن تكون شعارات الحزب سياسية، وأن تركز أكثر على قضايا التدبير وعلى البرامج والأفكار المدققة.
 
وفي مجال العضوية، يرتكز الحزب فيها على أساس المواطنة والقبول بمرجعية الحزب العامة وبرنامجه والالتزام بموقفه السياسي؛ لذلك يمكن أن تشمل عددا من المواطنين ذوي حد أدنى من الالتزام الأخلاقي والتنظيمي. وهذا يعني أن شروط العضوية في الحزب سياسية، بينما هي في الهيئات الدعوية شروط دينية.
 
هذه المقتضيات بلورت نظريا إلى حد ما، لكنها على المستوى العملي التطبيقي تصطدم بعراقيل من قبيل الثقافة السائدة داخل الحزب وفي محيطه، وبالاستغراق في اليومي واستفزازاته، مما قد يضيع الاستراتيجي وبوصلته. كما أن صعوبة التحديات على مستوى البلد وعلى مستوى الأمة تعشي العين أحيانا، ولا تمكن من استبانة الأولويات والخصوصيات، فيطغى الجزئي على الكلي، ويسهل الاستدراج إلى معارك جانبية تشغل عن المهام الأساس.
ومن هنا أهمية الرؤية النظرية والمنهجية السديدة، والتي يعتبر موضوع العلاقة بين الديني والسياسي وتأثيراته على الممارسة الدعوية والسياسية من أهم مفرداتها.
—————————————————————-

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق