الأحد، 6 مارس 2011

تحية من الأعماق لصنّاع جيل الثورة …. نبيل شبيب (مفكر سوري)

لم يعد ينقطع الحديث عن أولئك الشباب والفتيات الذين أذهلوا العالم بثورة شعبية نقية طاهرة، لا تغيّر وجه مصر والعالمين العربي والإسلامي سياسيا فقط، بل تغيّر في الوقت نفسه ما لا يحصى من المقولات في الميادين الثقافية والاجتماعية والسلوكية والتربيوية عن الإنسان، في مصر، وفي كل بلد يواجه ويعايش مثل ما عايشته مصر من استبداد وفجور وفساد واستباحة للعقول والنفوس والأجساد والممتلكات.
 مشاهد من أرض العزة
لقد حملت ثورة مصر للعالم صورا من البطولة والتضحية والعزيمة والوعي والصمود والإقدام والعزّة والإباء، تضاهي صور الأجيال المتتابعة من الصامدين المقاومين في فلسطين وتضيف المزيد إليها.. وطغت على المشهد وجوه شباب وفتيات يتحدّثون ويخطبون ويهتفون ويصرّحون ويرفضون، ويعلّمون العالم كيف تُصنع الثورات، فيلحق بهم أفذاذ العلماء والخطباء والمحامون والأطباء والمهندسون والإعلاميون والكتّاب، من المخلصين الشرفاء والمتخصصين الكرام، راضين بقياداتهم الشبابية، ساعين من أجل أن يكونوا معها على ذلك المستوى الرفيع من العطاء والانضباط والحكمة في توجيه مسار الثورة، خطوة بعد خطوة، يوما بعد يوم، نحو هدف لا تزيغ عنه أبصارهم طرفة عين، ولا تتردّد عن المضيّ نحوه أقدامهم قيد أنملة، ينادون: الشعب يريد إسقاط النظام، فيتردّد الهدير بما ينادون به في أصقاع الأرض ويبلغ عنان السماء.. ويترنّح طواغيت، كانوا يحسبون أنّهم من نسل إرم وعاد وثمود وفرعون والنمرود.. ولا يدركون أنّهم بالغوا النهاية التي بلغها من يتمثلون بهم.
 محاضن العزة والثورة
من أين أتى هؤلاء الشباب والفتيات؟..
في أي مهد من مهود الإباء والكرامة ولدوا رغم استنسار بغاث عصر الهمجية؟..
في أي محضن من المحاضن رضعوا لبن فجر الحرية ونشؤوا على بناء صرح الحرية بأيديهم وعقولهم الفتية؟..
كيف أمكن أن ينشؤوا ويبلغوا ما بلغوه من العزم والشكيمة رغم عيون المخابرات ترصدهم وهمجية الرعاع تلاحقهم في كل أرض وتحت كل سماء؟..
كيف تحوّلوا في بلد يقهر الإنسان إلى قادة تمضي من ورائهم الجماهير المليونية من شعب كريم يناطح بهاماته أبراجا وقلاعا للاستبداد وحصونا تعجّ بالفساد ظنّ من أقامها أنهم آمنون فيها خالدون، وهم يقتّلون من يتعرّض بكلمة أو همسة أو صورة أو نظرةٍ رافضةٍ لاستبدادهم وفسادهم؟..
نحييهم.. ونجلّهم.. ونقدّرهم.. وندعو معهم أن يتحقق النصر القريب بعون الله..
ونحيي معهم ونجلّ ونقدّر أولئك الآباء والأمهات الذين نشأ هذا الجيل في بيوتهم، وتربّوا في أحضانهم، وتلقّوا منهم معاني الكرامة والعزة، وسلوك طريق الحرية والنصر.
كنّا نحسب شعب مصري مقهورا.. انتهى أمره، وعلّمنا شعب مصر أنّ صبر الأهل لا يعني القهر، قدر ما يعني صناعة النصر.
وكانت مشاهد ثورة شعب مصر حافلة بأولئك الذين صنعوا النصر بتنشئة جيل النصر، بهؤلاء الآباء والأمهات، الذين رأينا وسمعنا نماذج عنهم ممّن فقدوا في الثورة شهداء قدّموا أرواحهم من أجل كرامة أمتهم وأهليهم وبلدهم.. وإذا بهم في أوج ما يعنيه العطاء باحتسابهم عند الله تعالى، وبمتابعة المسير من بعدهم مع أهل مصر إلى يوم النصر.
رأينا رأي العين الآباء والأمهات ماضين مع أبنائهم وبناتهم في طريق الصمود والتحدي، ينادون بما ينادون به، ويطالبون بما يطالبون به، ويصرّون على ما يصرّون عليه.
كم ساد الجهل بحقيقة شعب مصر، بحقيقة ما يصنعه ذلك الجيل الأوّل من الآباء والأمهات الذي عانى أضعاف ما عانت منه أجيال سابقة، واستطاع في بهيمة ظلمات ليل الاستبداد وبريق ما يتبجح به الفساد والإفساد، أن يصنع جيلا جديدا، صنع بدوره ثورة شعب أبيّ في مصر الأبية.
 نموذج لكل أسرة في كل أرض
نحييكم أيها الآباء والأمهات في كل مدينة وقرية وزاوية وبيت، من أقصى مصر إلى أقصاها، في أسر لم يصرف كثيرا منها قدرٌ ناله من أسباب المعيشة المادية المرفّهة، ولم يصرف غالبيتَها قدرٌ كبير ممّا أصابها من أسباب المعاناة المعيشية القاسية، لم يصرفها جميعا شيءٌ عن القيام بدورها التاريخي المجيد، في صناعة تاريخ جديد، عبر جيل جديد، لتعود مصر بمستقبلها العزيز الكريم إلى ما كانت عليه دوما في ماضيها العزيز الكريم.
كم منكم من "جندي مجهول" تحمّل ما تحمّل من الأذى صابرا مصابرا ليقول للطاغوت.. اصنع ما تصنع وشيّد ما تشيّد من حصون.. ونحن في بيوتنا نصنع الإنسان، إنسان العزة والكرامة، إنسان الإباء والحرية.. إنسان الثورة.
أنتم.. أنتم الذين أثبتم خواءَ قلاع التجبّر والتكبّر والتضليل، ممّا كان كثير من أعدى أعداء مصر يحسبونه قد تحقق مآربه، عبر جهود بذلوها على مرّ العقود الماضية، فصدقوا أنفسهم أنهم أخرجوا مصر وشعبها من كافة موازين صناعة المستقبل للمنطقة العربية والإسلامية.. فوقفوا مشدوهين حائرين أمام أرجلكم الشامخة فوق رؤوس المتجبرين، وأيديكم التي حملت لسنين وسنين قادة ثورة الحق على المتجبّرين.
أنتم.. أنتم الذين قهرتم أفاعيل الطاغوت ببناء جيل يبني لمصر صرحا من سواعد الشباب والفتيات وعقولهم ووجدانهم، وهيهات أن ينال طاغوتٌ من مصر شيئا بعد اليوم، من بعد وقوف أبنائكم وبناتكم بشموخ هاماتهم إلى العلياء والبصيرة الواعية في عيونهم الناظرة إلى المستقبل الكريم.. يتحدّون الطواغيت جميعا، الصغار منهم والذين يحسبون أنفسهم كبارا، داخل أرضهم وخارج حدود ارضهم على السواء.
أنتم.. أنتم من نحني الجباه إجلالا لكم، وتخفق أعماق الوجدان بمحبتكم، وتستبشر نبضات قلوبنا بما صنعتم، في بلدنا.. مصر، بلد كل عربي ومسلم في أصقاع الأرض، في كل بلد يتطلّع الآباء والأمهات، تتطلع كل أسرة تعاني من الظلم فيه، إلى المشاركة في صناعة مستقبل كريم، عبر صناعة جيل يصنع المستقبل الكريم، على الدرب الذي سرتم عليه ثائرين على الطاغوت، ماضين نحو آفاق العزة والحرية والإخاء والخير، في مصر ولسائر العرب والمسلمين بإذن الله، وللإنسان، جنس الإنسان حيثما أراد أن يستعيد في عالمنا وعصرنا ما تعنيه إنسانية الإنسان.
أنتم.. أنتم الذين أثبتّم ما كان كثير من أقرب الأقربين لأهل مصر يحسبونه مجرّد أمنية وشعار: "مصر أمّ الدنيا".. فلينصركم الله على طواغيت الدنيا جميعا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق