الأحد، 22 يونيو 2014

مستقبل متقلب...... محمد المهندس


 إلى أين تتجه مصر؟

كيف يبدو المستقبل؟ وهل هناك من إمكانية لتحويله نحو الأحسن؟

هذه الأسئلة تشغلنا جميعا ما بين أمل وخوف وقلق وربما جزع؛ لأن مصر منذ يناير 2011 ما زالت تمور أرضها بلا توقف، وأن ما قد يبدو استقرارا فقد يكون مقدمة بركان يقذف حممه على الجميع، وأن ما قد يبدو حراكا فقد يكون  ارتجافة مذبوح!

     (1)

حتى نتجنب مصير الطائر المذبوح؛ فلا بد أن نقرأ الواقع وما سبقه من أحداث أدت إليه جيدا.

ليست هذه القراءة رفاهية نملك التنازل عنها، ولكنها واجب من واجبات الوقت؛ لمحاولة إحداث تغيير فيما ينتظرنا من مستقبل قد يبدو للوهلة الأولى مظلما.

     (2)

يحكم مصر الآن رجل عسكري بعقل عسكري وأسلوب عسكري وإن ارتدى الزي المدني.. يحيط به أو يقف معه عسكريون آخرون في الخدمة أو خارجها.. لدى هؤلاء قناعات خاصة انتقلوا بها فجأة من الحياة العسكرية التي تعني أولا بالجدية والانضباط وتنفيذ الأوامر إلى الحياة المدنية التي تعني أولا الحرية والاختلاف..

في مشهد معبر من الفيلم الأمريكي (رجال جيدون قليلون – A Few Good Men )، تحدث القائد العسكري عن بعض هذه القناعات الداخلية التي يحملها العسكريون أثناء شهادته في قضية مقتل جندي خالف الأوامر في وحدته العسكرية، حيث قال للمحامي (الذي كان عسكريا ولكنه لا يؤدي خدمته على الجبهة):

"لدي مسؤولية أكبر مما تتخيل"..

"لديك رفاهية أن تتجاهل ما أعرف"..

"إن موت (..) رغم مأساويته قد أنقذ أرواحا"..

"وجودي رغم غرابته بالنسبة لك ينقذ أرواحا"..

"ليس لدي الوقت ولا الرغبة لتوضيح موقفي لرجل يستيقظ وينام تحت غطاء الحرية التي أوفرها ثم يشكك في نزاهتي التي أوفرها له"..

"أيها الأوغاد: ليس لديكم أي فكرة عن الدفاع عن أمة"

هذه قناعات العسكريين الداخلية نحو هؤلاء الذين لا يقفون معهم على الجبهة؛ فما بالك بنظرتهم للمدنيين.

    (3)

لخص د. محمد بريك العقل العسكري والنفسية العسكرية (في العالم عامة وفي مصر خاصة) في مقال له بعنوان: "وضعية المؤسسة العسكرية والنظام السياسي – والمحطات الصعبة" في 5 نقاط أساسية:

الأولي – النظرة الأبوية للدولة: (..) وهي تنتج من فرضيات ترتبط بأن المهنة العسكرية هي المهنة التي بها نسبة عالية من الخطر تصل لحد الموت (الروتيني)، ولأنها تقوم بأدوار محورية في حفظ وجود الدولة في مفاصل الصراع الأساسية (..).

الثانية – النظرة الدونية للمدنيين: [حيث أن] المدني بالعرف العسكري هو (ناقص العسكرية)، وإذا نظرنا [إلى] أن (العسكرية) هي تيمة المثال والتميز عند العسكري فيبقى المدني ناقصا أبدا (..) [مقابل] العسكري الموجود بالصحراء [الذي] يشعر أنه يقدم للوطن أضعاف مايقدمه هؤلاء المدنيون المتنعمون (..).

الثالثة – التقدير المبالغ فيه للقدرة الذاتية: وهو مرتبط كسبب ونتيجة (اعتماد متبادل) مع العنصرين السابقين. ثم هو بالأساس من خصائص الجماعات العقائدية المغلقة التي تخوض صراعا، لأنها تحتاج للشحن الذاتي والداخلي والتعبئة. (..).. [لذا فإن] النزعة التفخيمية لقدرة الذات – كفرد ومؤسسة (..). والتقدير المبالغ فيه كذلك للقدرة العسكرية والمؤسسية (..) سمة المؤسسات العسكرية التي تنشأ بالدول غير الديمقراطية (..). المشكلة أن هذا التقدير المبالغ فيه يغري القيادة السياسية للدخول في مهام أوسع كثيرا من قدرتها كأفراد ومؤسسة (..).

الرابعة – النظرة الخطية: هذه النظرة تصيب كل الجماعات العملية وهي التعلق بمشاهدة الأثر المباشر وراء الفعل وتبسيط تراكمه ليصل لنتائج معلومة (..). الفكرة هنا أن العقلية التكتيكية لا المركبة أو السياسية هي الغالبة بالسلوك العسكري ممايجعل مبادراتها وردود أفعالها أكثر تماسكا ولكنها مباشرة وحدّية. وكثيرا مايتم وضع حلول ثنائية فقط أمام المشكلات السياسية والعسكرية المعقدة وبشكل اختزالي (..).

الخامسة – النظرة المحافظة: وهذه النظرة موجودة (..) بكل المؤسسات العسكرية حتى بالغرب. المؤسسات العسكرية هي محافظة سياسيا واجتماعيا وثقافيا ومؤسسيا، وهي بطبيعتها تعاكس أي تغيير في البيئات المحيطة وترتبك بشدة أمامه (..).

    (4)

لم تكن إجابة السيسي على سؤال إبراهيم عيسى حول مراقبة ميزانية القوات المسلحة بقوله أن المؤسسة العسكرية مؤسسة عظيمة جدا و... إلا نابعة من النظرة الأبوية للدولة ومن النظرة الدونية للمدنيين؛ التي ترى أن المؤسسة العسكرية راعية للدولة لا جزءً منها، ولا ترى في ذات الوقت أهلية عند المدنيين تتيح لهم مراقبة ميزانية المؤسسة العسكرية الراعية.

لم يكن كذلك حديث السيسي الدائم عن قدرته على جعل مصر "أد الدنيا"، ولم يكن اختراع "الكفتة" إلا نابعا من ذلك "الإحساس المبالغ فيه بالقدرة الذاتية"!

كانت فلسفة الاستفتاء على التعديلات الدستورية والانتخابات الرئاسية الشكلية التي أعادتنا مرة أخرى إلى النتائج ذات التسعات – رغم عدم الحاجة إليها - نابعة من نظرة خطية تعتبر الانتخابات معركة حربية تستلزم النصر الكاسح على الأعداء المخالفين!

أما حديث السيسي عن أن الرئيس – بصفته رئيسا - مسؤول عن القيم والمبادئ والأخلاق والدين، وكذلك شكل التغيير الوزاري الأخير الذي أجراه بعد تنصيبه رئيسا والذي أتى فيه بـ "ألدو" ليحل محل "شاهين"؛ فهو نابع من النظرة المحافظة اجتماعيا وسياسيا! 

     (5)

أمام حقيقة أن مصر يحكمها عسكريون، وأن العقلية والنفسية العسكرية تتمتع بما أشرنا إليه من قبل؛ فإننا قد نستقرأ أن النظام الحالي يريد أن يفرض على المستقبل نظاما شبه شمولي يقوم فيه بالآتي:
  • استمرار (وربما زيادة) الأداء القمعي ضد كل معارضي السلطة.
  • حل الأحزاب السياسية المعارضة (أو التي قد تشكل تهديدا حاليا أو مستقبليا) من خلال أحكام قضائية.
  • تجفيف المساحات الاجتماعية والاقتصادية التي قد تمثل ظهيرا مجتمعيا لأي قوى خارج
  • توسع الأمن الوطني في عمليات المراقبة والتدخل في كل مساحات العمل العام (جمعيات وأحزاب وجامعات) والتعيينات والسفر وغيرها.
  • إشراف (أو تنفيذ في كثير من الأحيان) القوات المسلحة بشكل مباشر على كل أعمال الخدمات الحكومية.
  • التوسع في استخدام القضاء في تهديد المعارضين ومسارات حركتهم.
  • تقييد (أو إغلاق) مساحات الحرية القليلة المتاحة في الإعلام وفي الفضاء العام (جمعيات وحركات)؛ بما يمنع من انتقاد النظام أو التأثير على حركته الأمنية أو السياسية أو الاقتصادية.
  • سيطرة رجال الدولة (ضباط وقضاة متقاعدين وكبار موظفين)، وحلفائها (رجال أعمال وأصحاب مصالح ومهنيين) على مسارات العمل السياسي (برلمان ومحليات وأحزاب)، وقد يكون هناك تفكير لاحق في إنشاء حزب سياسي كبير مدعوم من الدولة (أشبه بفكرة الاتحاد الاشتراكي).


     (5)

هذا ما يريده النظام للمستقبل المنظور، وهذا ما سيسعى إليه بكل ما أوتي من قوة؛ فكيف يقاوم المجتمع بكل مكوناته ذلك التوجه الخطر على أمن مصر واستقرارها؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق