السبت، 25 يناير 2014

ما بين يناير ويوليو.. سلطة الشعب أم سلطة الفرد....... محمد المهندس

25 يناير 2011..

مجموعات متعددة من الشباب المصري تتفق دون توجيه من قوى سياسية أو مجتمعية على الخروج على سلطة الفرد؛ لتطالب أولا بحق المصريين في محاسبة نظام مبارك؛ ثم تطور الأمر بالدعوة لإسقاط نظامه بعد انضمام الجموع الشعبية المقهورة والمظلومة في ميادين التحرير.

11 فبراير 2011..

حسني مبارك - الذي خرج الشعب لإسقاط نظامه - يفوض ركنا أصيلا من أركان نظامه في إدارة شؤون البلاد؛ وذلك للحفاظ على النظام وأدواته وأسراره وصندوقه الأسود.


30 يونيو 2013..

جموع شعبية تخرج مطالبة بانتخابات رئاسة مبكرة بعد حالة الإحباط والخذلان التي تعرضوا لها خلال عام من حكم أول رئيس منتخب؛ لم تتحسن فيه الأحوال، ونُكثت فيه العهود، واحتقن خلاله المجتمع.

3 يوليو 2013..

وزير دفاع الرئيس المنتخب - الذي اختاره على عينه - والرئيس السابق للمخابرات العسكرية لكل من مبارك ومجلسه العسكري، يتصدر واجهة مشهد مرسوم بدقة ليعلن عزل الرئيس وتعطيل الدستور وتنصيب رئيس المحكمة الدستورية رأسا مؤقتا للنظام؛ ليؤكد للمرة الثانية أن السلطة الفعلية في هذه البلاد في يد مؤسسات دولة يوليو 52 وقواعدها وأدواتها!

(1) قامت الدولة المصرية منذ تأسيسها الأول على يد محمد علي باشا على حكم طائفة محدودة مرتبطة بالحاكم الفرد وملتفة حول مصالحه؛ دون أي ولاية شعبية من أي نوع على السلطة ومؤسساتها وأدواتها.

استمر وضع السلطة الفردية في التأسيس الثاني للدولة المصرية منذ يوليو 1952، وإن انتقل هذه المرة من أسرة محمد علي والباشوات إلى الرئيس المفروض والضباط؛ فلم تكن هناك كذلك أي ولاية شعبية على السلطة ومؤسساتها وأدواتها، وبقي الحاكم الفرد متحكما في مفاصل الدولة، ورمانة ميزان بين الأجهزة الأمنية وجماعات المصالح التي تتسع وتضيق على حسب هوى الحاكم ودوائره اللصيقة وعلاقاته الخارجية.

(2) جاءت انتفاضة يناير 2011 ليشعر الشعب معها لأول مرة أنه سيد حقيقي على هذه الأرض؛ يطالب بعزل رئيس ويسعى لاختيار آخر.. يعترض على مسار ويحاول فرض آخر.. يقترب منه ساسة ويشيح بوجهه عن آخرين..

لو طابق جوهر الصورة ظاهرها؛ لكانت يناير تأسيسا ثالثا للدولة المصرية، ولكانت السلطة للشعب – لأول مرة في تاريخه.

كان حلما سريعا - ومتسرعا - بأن يفرض الشعب إرادته الحرة؛ فيختار ويعزل، ويحاسب ويحاكم.
  • لم تكن يناير أكثر من انتفاضة أو هبة شعبية؛ لأنها قامت على الحلم؛ حين افترضت أن سلطة مترسخة متشابكة المصالح منذ عشرات السنين قابلة للتنازل الطوعي والاختياري عن مكاسبها، وقابلة في ذات الوقت أن تحاسب نفسها بنفسها وتطهر ذاتها من خلال أدواتها الفاسدة.
  • لم تكن انتفاضة يناير ثورة؛ لأنها سمحت بترك السلطة لجزء أصيل من النظام الذي قامت عليه تلك الانتفاضة!
  • لم تكن ثورة؛ لأنها رضيت بنتائج تفاوض دار في الخفاء بين سلطة النظام ومعارضته التقليدية التي اعتادت على تقبل الهبات لا انتزاع الحقوق، وكان من الطبيعي أن تنحصر هذه النتائج في إصلاحات شكلية لا تغيير جذري، وسلطات ظاهرية عاجزة لا شعبية حاكمة.
  • لم تكن ثورة؛ لأن الفصيل الأكثر تنظيما والحائز الظاهري على السلطة – التشريعية ثم الرئاسية - لم يسع لتغيير النظام ولكنه سعى فقط للسيطرة عليه.. لم يسع لتوكيد سلطة الشعب ولكنه سعى لترسيخ سلطة جماعته.. لم يركن إلى الشعب ولكنه ركن إلى مؤسسات القوة في نظام مبارك!
 (3) جاء يوليو 2013 ليعلن بكل وضوح أن دولة يوليو 1952 باقية لم تسقط، وأن مؤسسات النظام لم تتبدل أفكارها ولا قناعاتها ولا أدواتها، وأن الفترة البينية كانت فقط مرحلة هدنة؛ أعادت خلالها تنظيم الصفوف، واستغفلت الواهمين وكسبت خلالها من أخطاء الآخرين جميعا.

فرزت يوليو 2013 النخبة مرة أخرى؛ لتظهر لنا بكل وضوح الوجوه الحقيقية لسياسيين ادعوا أنهم ديمقراطيون أو ليبراليون أو اشتراكيون؛ ولكنهم لم يكونوا إلا رصيدا استراتيجيا لدولة يوليو 52 من سلطوية زاعقة واحتقار لسلطة الشعب!

عادت دولة يوليو 52 بشكلها الفولكلوري حيث الهتاف باسم الزعيم الفرد، والشحن الإعلامي، والبطولات الوهمية، والعدو الافتراضي، بل وحتى بالاستفتاءات ذات التسعات.

(4) تأتي يناير 2014، ونحن في مفترق طرق حاسم؛ فإما أن نرضى بعودة طويلة لنظام سلطة الفرد، وإما أن نسعى لتمكين حقيقي لسلطة الشعب.

يوليو 2013 لم يكن انقلابا على رئيس قبل ببقاء أدوات نظام قامت عليه انتفاضة شعبية، ولكنه كان انقلابا على يناير 2011 التي سعت لسلطة الشعب.

نحن هنا أمام خيارين واضحين؛
  • إما السعي بكل قوة لرفض المسار الالتفافي الذي قام في 11 فبراير 2011 وفق قواعد توحد شعبي تكون تدريجيا خلال 18 يوما دون شعارات خاصة ولا صراعات أيديولوجية،
  • وإما الإصرار على مطالب خاصة مستندة إلى قواعد مسار خاطئ أو متدثرة خلف صراعات أيديولوجية لم يحن وقتها بعد.

 الخيار الأول يعني توسيع القاعدة الشعبية استعدادا لثورة حقيقية تغير النظام وتؤسس لدولة قائمة على سلطة الشعب، والخيار الثاني يعني مزيدا من الفرقة ومزيدا من الحنق الشعبي ومزيدا من ضخ الدماء في عروق نظام قام طوال عمره على محاربة عدو يصنعه ويسعى لوجوده!

(5) أثق - بإذن الله - أن الشباب لن يقبلوا بخيارات الكبار التي أدخلتنا في متاهات الواقع الأليم، وأثق أن الجيل الذي خرج على نظام مبارك لغير مصلحة خاصة لن يقبل طويلا باستقرار نظام القهر والقمع والطغيان.

إن غدا لناظره قريب، والشعب دوما أبقى من حكامه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق