الأحد، 12 يناير 2014

لماذا نرفض مشروع التعديلات الدستورية؟......... عبدالمنعم أبوالفتوح


"... هناك دستور يمكن أن نطلق عليه دستور ولي الأمر حيث الحاكم بمعزل عن شعبه، يقرر تغيير الدستور أو وضع جديد حسب مصلحته ومناوراته السياسية. وهناك دستور الحركة الوطنية حيث المواطنة الثورية نجدها متجسدة ومتطابقة في المواطنة الدستورية من حيث الشراكة الوطنية التامة والحاضرة.
وهناك أخيرا ما يمكن أن نطلق عليه دستور الغلبة. والغلبة تعبير استخدمناه ... تحذيرا من أن الأوطان لا تبني بالغلبة. وأن أي تيار يظن أنه قادر علي ذلك ربما لحداثة ممارسته السياسية أو لعدم إدراكه الخبرة المصرية المركبة فإن عليه أن يراجع نفسه".

هذه كلمات كتبها د. سمير مرقس في مقال له بجريدة الأهرام تحت عنوان "مصر الجديدة.. بين دستوري المواطنة والغلبة".


نسلم وفقا لهذا التصنيف بأن دستور 2012 كان "دستور الغلبة"؛ لأنه كتب وأقر بمنطق الأغلبية الانتخابية؛ لذا فقد رفضنا في حزب مصر القوية هذا الدستور ودعونا المصريين للتصويت عليه بلا؛ واعتبرنا أن جمعيته التأسيسية قامت على أساس المحاصصة الحزبية لا على أساس التوافق الوطني الذي تعهد به الرئيس المعزول د. محمد مرسي، كما رأينا أن هذا الدستور لا يمثل الثورة ولا يحقق مطالبها في الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والسيادة الشعبية الحقيقية.

كان هذا موقفنا من دستور أتى من خلال جمعية منتخبة على مرحلتين، وعبر في النهاية عن مزاج أغلبية شعبية انتخابية، ولكن كان الأمر متعلقا بمبادئ وانحيازات لحزبنا من ناحية، ورؤية واقعية لمستقبل دستور لا يوضع بغير طريق التوافق والتعبير عن مطالب الثورة من ناحية أخرى.

ها نحن الآن أمام مشروع جديد لتعديلات دستورية، وإذا استخدمنا نفس التصنيف المشار إليه فإننا نستطيع أن نرى بلا تردد أن هذا المشروع ما هو إلا "دستور ولي الأمر" أو "دستور السلطة"، والسلطة هنا ليست سلطة منتخبة، واللجنة القائمة على وضع المشروع لجنة معينة ولا تعبر عن التوافق المنشود، ناهيك عن أنها لا تعبر عن أغلبية انتخابية!

الرفض بالنسبة لنا هنا أوضح، والأسباب أكثر، وكنا نتوقع أن يشاركنا الرفض من رفضوا دستور 2012 بسبب غياب التوافق؛ رفضا لـ "دستور الغلبة" إلا أنهم فاجؤونا بأنهم يقبلون بلا تردد دستور "السلطة القسرية"!

لم تمنعنا هذه المواقف المتناقضة من أن نبقى على مبادئنا التي التزمنا بها أمام أنفسنا وأمام شعبنا؛ وأعلنا رفضنا لهذا المشروع شكلاً وموضوعاً.

نرفض "الشكل" هنا؛
  • لأننا أمام مشروع تعديل دستوري وضعته لجنة معينة من رئيس معين من ناحية، وغير معبرة عن التنوع المصري السياسي والمجتمعي من ناحية ثانية، وغير معبرة عن التوافق المنشود من ناحية ثالثة.
  • نرفض مشروع التعديلات الدستورية من حيث "الشكل" أيضا؛ لأنه لا يمكن أن يقبل دستور لأمة يوضع لها تحت حالة الطوارئ، ووسط ظروف استثنائية، وفي ظل حالات القتل والاعتقال والتعذيب والتهديد، وتحت سلاح التخوين والتحريض، وفي أجواء فاشية إقصائية بامتياز.
  • نرفض مشروع التعديلات الدستورية من حيث "الشكل" كذلك؛ لأنه وضع في السر، ووفق مشاورات غرف مغلقة، ودون حوار مجتمعي وجاد وشفاف، ودون التواصل مع القوى المجتمعية الحية في المجتمع؛ بما يفقده أي صفة قد تنطبق على دستور من المفترض أن يكون عقدا اجتماعيا لأمة في حجم الأمة المصرية.
رغم أن رفض "الشكل" كاف لرفض "الموضوع" برمته؛ إلا أننا حرصنا في حزب "مصر القوية" على تقييم المضمون حرصا منا على ترسيخ قيمة التقييم الموضوعي، وحرصا منا على توصيل رأينا لكافة شرائح الشعب المصري وكافة اتجاهاته.

لم نر بداية في مشروع التعديلات الدستورية ما يجعلنا نتراجع عن تغيير موقفنا السابق لدستور 2012، بل نرى أن أسباب الرفض الموضوعي في مشروع تعديلاته أكبر وأدعى؛ وذلك لأسباب عديدة:

  • أولا: مجمل مواد نظام الحكم تنقلنا مرة أخرى إلى مربع الحاكم الفرد المسيطر على السلطة التنفيذية من ناحية، والمقيد للسلطة التشريعية من ناحية ثانية؛ حيث أن الرئيس:
 هو الذي سيشكل عمليا الحكومة وفقا للمادة 146؛ حيث هناك استحالة أن ينجح مجلس النواب في التوافق على حكومة في ظل الانتخابات ذات الأغلبية الفردية التي أتاحتها المادة 102، وتحت سيف التهديد بحل مجلس النواب في حال عدم قدرة حزب الأكثرية على تشكيل الحكومة في غضون 30 يوما!

قادر على الاستفتاء على حل مجلس النواب لأي سبب يراه، وفي أي وقت، ولأي عدد من المرات وفقا للمادة 137؛ بما يحد من سلطة مجلس النواب الفعلية في مراقبة أداء السلطة التنفيذية خوفا من حل المجلس!

قادر على وقف أي قوانين يصدرها مجلس النواب؛ لأن تمرير القوانين يحتاج إلى أغلبية ثلثي المجلس كاملا في حال اعتراض الرئيس عليها وفقا للمادة 123؛ وهو ما يستحيل عمليا في ظل مجلس ذي أغلبية قائمة على انتخابات فردية، وبالتالي فلن تخرج قوانين على غير هوى رئيس الجمهورية بأي حال من الأحوال!

  • ثانيا: يفتح باب الفساد لأولاد وأقارب الدرجة الأولى للرئيس وأعضاء الحكومة ومجلس النواب؛ حيث لا يمنعهم من المقاولة أو التعاقد أو الشراء أو البيع أو الاستئجار مع الحكومة وفقا للمواد 109 و145 و166؛ رغم أن التجربة المصرية تؤكد على أن هذا هو باب الفساد الحقيقي والفعلي الذي عانت منه مصر طوال العصور الماضية.
 كما أن هذه المواد الثلاث دسترت عملية الإهداء للمسؤولين من خلال ربط رفض الهدايا بكونها متعلقة بعمل الرئيس أو عضو مجلس النواب أو الحكومة وهو ما يستحيل إثباته؛ بما يجعله نصا محرضا على تقديم هدايا للمسؤولين من أصحاب المصالح، بدلا من رفض أي هدايا تتجاوز قيمة مادية محددة كما في كل البلاد الديمقراطية!
  • ثالثاً: نصوص العدالة الاجتماعية نصوص مطاطة ولا تلزم الدولة فعليا بتحقيق احتياجات الكرامة الإنسانية لكل المصريين؛ حيث ما زالت النصوص تتحدث عن "معاش مناسب" و"حياة كريمة" كما في المواد 8 و17 و27 و83 دون تحديد أو تعريف لمفهوم هذه المناسبة أو الكرامة بما يجعل الأمر منحصرا في معاشات المائتين أو الثلاثمائة جنيه كما هو حادث حاليا، وكان الأولى أن تحدد هذه المفاهيم بالحد الأدنى لأجور العاملين في الدولة مثلا حتى يكون هناك التزام جاد من الدولة نحو مواطنيها.
  • رابعا: رغم تغول الرئيس على السلطة التشريعية وسيطرته على السلطة التنفيذية إلا أنه يقف عاجزا تماما أمام المؤسسة العسكرية التي هو قائدها الأعلي؛ حيث لا يستطيع تعيين وزير الدفاع دون موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة كما في المادة 234، ويعد صوته كصوت مرؤسيه غير المنتخبين والأكثر عددا في مجلس الدفاع الوطني كما في المادة 203.
 إضافة إلى أن موازنة القوات المسلحة تناقش في مجلس ذي أغلبية عسكرية واضحة؛ بما يفقد الرقابة المالية الواجبة على كل مؤسسات الدولة معناها كما في المادة 203 أيضا.
  • خامسا: السماح بمحاكمة المدنيين عسكريا رغم أن القضاء العسكري تابع للقائد العام للقوات المسلحة حيث يعين قضاته ويتحكم في مواردهم ومكافآتهم بل ويصدق على الأحكام الصادرة عنه؛ بما لا يوفر له أي ظروف تجعله قضاء مستقلا كما نصت على ذلك المادة 204، كما أن هذه المادة تتيح لضباط من القوات المسلحة بحكم تواجدهم فيما يسمى بالقضاء العسكري حق التنصت على المراسلات البريدية والمكالمات التليفونية وفقا للمادة 57، وحق تفتيش البيوت ومراقبتها والتنصت عليها وفقا للمادة 58.
  • سادسا: السماح مرة أخرى للمحكمة الدستورية بحل المجالس المنتخبة بما يعيدنا مرة أخرى لمتاهة إهدار أصوات المواطنين، وعدم استقرار الحياة السياسية والتشريعية؛ وذلك وفقا للمادة 192، وكان الأولى السماح بالرقابة السابقة على قوانين الانتخابات كما هو الحال في دستور 2012، أو بعدم تطبيق عدم دستورية قانون الانتخابات إلا على الانتخابات اللاحقة في موعدها كما وضع ذلك في تعديلات لجنة العشرة القانونية.

هذه أسباب ستة مجمعة، وهناك أسباب أخرى عديدة لا يتسع المجال لذكرها.

يضاف إلى كل ذلك عمليات القبض التي تمت – ولا زالت - مع أعضاء الحزب الذين دعوا المواطنين من خلال ملصقات وأوراق للتصويت بلا على مشروع التعديلات الدستورية؛ بما يؤكد أننا أمام دستور يراد له أن يمرر بأي طريقة لا أن يعرض على إرادة الجماهير الحرة في أجواء ديمقراطية سليمة.

كل واحدة من هذه الأسباب كاف بمفرده لرفض مشروع التعديلات الدستورية المطروحة من حيث الشكل والمضمون؛ لأنها تخرج في النهاية دستورا غير متوازن في السلطات، إضافة إلى كونها تخرج دستورا معبرا عن مصالح واضعيه والسلطة القسرية المعينة لهم لا عن مجموع الشعب المصري، وطموحاته التي خرج لأجلها منذ 25 يناير 2011 في موجات ثورية متعاقبة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق