الخميس، 1 أغسطس 2013

عن الميادين.... هبة رؤوف


نشرت أمس رأياً طويلاً عن مشاهداتي في أرجاء المحروسة وتقييمي للاستقطاب الطاحن على الساحة الوطنية، وتعرض رأيي للنقد من الذي كانوا يتوقعون بياناً سياسياً- من الطرفين
لمن أراد أن يقرأ سأكون ممتنة لو تمت مراجعته لأن هذا المقال الثاني يبني على السابق
..
يشغلني التفكير في مخرج آمن .. للوطن
ولن أعتذر عن التفكير في زمن التخوين.. والتكفير.
ولأن الأمر لم يعد يحتمل عبارات قصيرة كالطلقات بعد أن صارت طلقات الرصاص لغة يومية.. يسقط القتلى فنبدأ في عدهم، إن كانوا منا بكينا عليهم.. وإن كانوا من غيرنا نظرنا في الاتجاه الآخر وعبرنا فوق الدم.. غير آسفين
نشرت تغريدة قبل الافطار اليوم .. أن مشهد الشارع يعكس أن السيسي قد خسر نصف أنصاره وأنه لا تفويض على دم
وكالعادة انفتحت أبواب الهجوم والسخرية والتخوين والسباب..

وأعتذر عن الرد  على هؤلاء مع حقهم الكامل في ابداء رايهم ولن أفسد عليهم شهوة التصنيف فهذه موجة عالية..وعاتية
لكن وجدت أنه يلزم الإيضاح
..
لست غافلة عن مشهد التحرير والاتحادية..ولا مسيرات بينهما وفي أحياء مختلفة ومحافظات مصر كلها.من المستجيبين لدعوة الفريق السيسي .ومثلها من المعارضين -لكن كما أن الانقسام يسود الشارع فهو يسود الاعلام..

-لم أذكر في التغريدة عن أي شارع  كنت أتحدث ..لذا لزم التفصيل والبيان.

مصر فيها:
أولا :شوارع الأسفلت.. التي هي حياة الناس اليومية ..وهذا الشارع الذي يتوحد خلف مطلب الأمن ..حيث الجميع يريد يكافح من أجل تأمين نفسه منذ الفراغ الأمني 28 يناير 2011 وحتى اليوم ..وهذه تجمعنا في سعينا اليومي
وثانيا :شوارع السياسة.. أو دهليز السلطة والقوى والأحزاب ..التي تحركت نحو أن تكون  شارعاً واحداً 25 يناير 2011 وانقسم.. ليتنازع الحديث باسم الثورة الكل.. تلك الثورة التي تفرقت كرامتها بين القبائل وصارت ميادين متقابلة تتنافس على الحشد والتصدر الإعلامي..
وثالثاً: شوارع مصر المحافظات التي ظهرت بقوة بعد ثورة 25 يناير وبدأت تتحرك في اتجاهات مختلفة... تلك التي تتقاطع في همومها مع الأسفلت والسياسة لكنها ليست في الواجهة الاعلامية.. وهي "الميادين الأخرى".. خارج العاصمة .. تئن من نقص الخدمات وتشكو من عدم ظهورها في المشهد وتموج بالغضب وتخشى من عودة القبضة البوليسية التي كانت..والتي ظلمتها كثيرا دون أن ينصفها أحد ، وكانت ثورة 25 يناير بالنسبة لها ثورة كرامة وعودة لرفع صوتها تخشى أن تفقدها في ظل الحشد العام للحرب "على الإرهاب والعنف"..ودون أية بوادر لإعادة هيكلة وزارة الداخلية أو إعلانها عن سياسة جديدة..نفس الوجوه ونفس النهج.

لست  بصدد مقارنة الحشود..فهذه شرحها يطول، ورأيي أن الفيصل سيظل الصندوق والتسب المئوية ولو بفارق صوت واحد، والصندوق ليس وثنا.. ومن حق الناس المطالبة بالعودة له .. وتتغير قواعد اللعبة حين يتم تجاهله. وستظل قضية العلاقة بين الشرعية الثورية والشرعية الدستورية موضع جدل لن يُحسم -كان له نصيب من حواراتي طول الوقت مع طلابي وزملائي وقطاعات واسعة من الشباب في المحافظات..

نعم كتبت أن الفريق السيسي حين خاطب الشعب لتفويضه دون خارطة طريق أمنية قد خسر نصف مؤيديه ..هؤلاء في تقديري الذين كانوا يتمنون إزاحة الإخوان من السلطة ورأوا أن هذا لن يكون ممكناً دون تدخل الجيش ، فلما فعل رحبوا وهللوا، لكنهم رأوا خلال الأسابيع الماضية عودة الدولتان: دولة العواجيز ودولة الضباط ، ونسبة ليست قليلة ممن أعرفهم منهم لم ينزلوا الميادين اليوم 26 يوليو 2013

لكن من قال أن السيسي لم يكسب في المقابل جماهير جديدة؟
لعب الإعلام دوراً فاصلاً في حشد قطاع من الشارع الأول لصالح النزول – من يبحثون عن الأمن اليومي- عبر التركيز على أمرين:أولاً  القتلى في الاشتباكات اليومية بين مسيرات المؤيدين والمعارضين..وهو ما جعل الناس تتخوف من أننا على شفا حرب أهلية ،أما الأمر الثاني فهو مواجهات سيناء .. وما يرتبط بها من هواجس للأمن القومي لدى جموع المصريين سواء من ناحية تأمين الحدود الشرقية أو بسبب "الإرهاب" (وهي كلمة تحتاج شرح وتفصيل ) والذي لا يريد أحد بالقطع واليقين أن يحصد أرواح المزيد من أبناء الشعب.

وإذا كان الشارع الثاني –شارع السياسة- قد انقسم فإن الأحزاب التي لم تعلن انضمامها لـ"تحالف الشرعية" على جهة قررت أن تستجيب لنداء الفريق وتنضم.. دون أن تطالب قبل النزول بنقاط واضحة بشأن: مجال التفويض.. ودرجته.. وحدوده.. وطرق محاسبة الجيش.. عليه ولأي فترة زمنية- وهي كلها أسئلة مشروعة من قبل المعارض للدعوة والمؤيد على حد سواء باعتبارهم.. مواطنين..وفي ظل غياب دستور وتجمع السلطات في يد "الرئيس المؤقت" الذي تجاوزه وزير الدفاع وخاطب المواطنين الشرفاء مباشرة..والأصل أن كل المواطنين شرفاء.. إلا من ارتكب جرائم تخل بالشرف ليس من بينها الاحتجاج السياسي.. والتزم بالسلمية
بدون تعميم أو ظلم لأي أحد
-
اليوم ظهر ميدان ثالث لمن هم بين الفريقين ..وهو تجميع للعديد من المبادرات التي أنتجها المجتمع المدني لعبور الانقسام وإيجاد حلول..ومع تقديري لهذا الجهد واحترامي لكل بادرة –إلا أنني يشغلني عودة الميدان الواحد..التيار الرئيسي..والكتلة الحرجة التي تتجاوز ذلك الفصل المؤلم من فصول المخاض التاريخي.. وحتى نجد المخرج لعودة الرؤية على منصة تيار عام.لذا تمهلت في التوقع على أي مبادرة و بيان -خلاف ما هو منشور في الاعلام عن توقيعي..
--
عندي هاجس .. وأنا أفكر بصيغة الوطن وبمنطق الدولة المصرية ---وليس نظام بعينه..
اليوم.. الفريق السيسي خصم سياسي لقطاع من المواطنين  نتيجة ما حدث يوم 3 يوليو ..وليسوا كلهم من الإخوان أو من يقف على أرضيتهم، بل منهم مواطنون شعروا أن أصواتهم قد تم اهدارها بدخول الدبابة لساحة الحسم بدلاً من الصندوق
لكنه -وبنفس منطق الدولة - هو وزير الدفاع.. وقائد القوات المسلحة المصرية- التي ليست ملكاً لفصيل أو تيار مهما كان كبيراً أم صغيرا
...
لمن لا يقرأ النصوص الطويلة أستأذن في اقتباس ثلاث نقاط من مقالي السابق أمس هي ثلاث أسئلة في الوقت ذاته، وطالما لم أحصل على إجابات فمن عادتي تكرار الأسئلة:
1-      ما خطة الفريق في التعامل مع انتشار السلاح في مصر في أيدي المواطنين بعد 25 يناير 2011 لتأمين أنفسهم وهي ظاهرة لها انعكاسات اجتماعية وسياسية واسعة وخطيرة.
2-      ما خطة الفريق السيسي بوضوح للتعامل مع ملف تأمين الحدود الغربية والجنوبية لمصر بمثلما يشغل الجميع الحدود الشرقية.
3-      ما خطة الفريق للتعامل مع انتشار المعارضة في محافظات أذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر محافظة مطروح

ولا مفر من تكرار السؤال مجددا بشأن المحاسبة عما سيفعله تحت غطاء "التفويض الشعبي" ..في ظل غياب مجلس شعب ودستور.
..
المشكلة أن هذه الأسئلة لا يريد أن يسمعها أحد .. فمن يقفون على  الجهة الأولى لا يرون أي منطق في السؤال وإلا صار قبولاً بآثار 3 يوليو 2013، ومن يقفون على  الجهة الثانية يرون أن الوطن يواجه أخطارا لا تسمح بأسئلة من هذا النوع، والفريق دعا الأربعاء ونزل من استجاب له الجمعة..

أخطر الميادين على الإطلاق هو ميدان القوات المسلحة الأساسي..الميدان الحربي.. وحماية الحدود وملفات الأمن القومي.. هذا الميدان الذي لا بد له من جبهة داخلية متماسكة ولو في الحد الأدنى ..ويمكن أن يزعم كل فريق أنه يتحدث باسم الشعب..لكن الانقسام واضح..

كان أول رد فعل لي بعد إذاعة لقاء الرئاسة والأحزاب حول أثيوبيا مطلع يونيو  2013 هو الاعلان بين طلابي عن مسابقة لكتابة بحث عن العلاقات المصرية الأثيوبية، رصدت له جائزة متواضعة من مالي الخاص.. يوم 3 يوليو  2013 كان أول ما فكرت فيه ملف النيل وسد النهضة في اثيوبيا.. وقد ساق البعض خطورة الملف والتقصير فيه  سببا من أسباب إزاحة د.محمد مرسي ..وهو للأمانة ملف مشاكله متراكمة من قبل ثورة 25 يناير..

وحين تابعت جهود وزارة الخارجية وتصريحات المسئولين الإثيوبيين ومسارعة الاتحاد الافريقي بالاعلان عن تعليق مشاركة مصر في أنشطة الاتحاد ثم تعثر اجتماع اللجان الفنية --شعرت أن المناكفة المستمرة بين الفرقاء في مصر ستكلفنا كثيرا أياً كانت نتائجها السياسية الداخلية..وحين يتوقف نزيف الدم عاجلاً أم آجلا قد لا نجد ما يكفي من الماء لغسل أيدينا جميعاً منه..حرفياً
---
هذا مثال واحد لما يضيع منا ساعة بعد أخرى ونحن نأبى أن نتحرك نحو حل سياسي
وهنا أحيل الجميع للمبادرات مرة أخرى لأهميتها وأؤكد على المحاسبة على التحريض والقتل وسيادة القانون -على الجميع
...
أعتذر عن إزعاج الميادين المحتشدة بهمومي وأسئلتي في لحظة حشد و استنفار على جانب.. ولحظة حشد مقابل وشعور بالانتصار على الجانب الآخر
أعتذر على الإزعاج..لكنني.. أبداً لن أعتذر عن التفكير بعقلية وطن.
ولله الأمر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق