الثلاثاء، 6 أغسطس 2013

إجهاض مشروع استقلال وطني.... شريف عبد الرحمن سيف النصر

على هامش الأحداث الملتهبة التي تمر بها مصر نتوقف عند تصريحين كاشفين لطبيعة الانقلاب الذي شهدته البلاد، الأول لقائد الانقلاب، والثاني لرئيس الوزراء المستقيل. ففي ثنايا حديثه عن الدوافع التي شجعته على ما قام به صرح قائد الانقلاب العسكري أنه حذر الدكتور مرسي من أن مشروعه لا يصلح ولا يمكن أن يتم، وطالبه بأن يوقف هذا المشروع (!) ولم يتوقف الكثيرون عند ماهية المشروع الذي يقصده وزير الدفاع؟ ولكن الإجابة جاءت صريحة في تصريحات رئيس وزراء مصر المستقيل الدكتور هشام قنديل، عندما أكد ان الدكتور مرسي، على الرغم من كل ما يمكن أن يؤخذ عليه، كان يضع استقلال مصر الاقتصادي نصب عينيه، وان عقيدته (السياسية) —والتي يرى الوزير أنها كانت السبب في كل ما حدث— تمثلت في ضرورة أن يمتلك الشعب المصري إرادته وقراره وخصوصا فيما يتعلق بغذائه ودوائه وسلاحه، وأن هذا كان هو المنهج والأساس في كل ما كان يقوله أو يفعله.

كان هذا فيما يبدو هو المحظور الذي وقع فيه الرئيس المصري، فعلى الرغم من أن مرسي قد حاول مهادنة الدولة العميقة لأقصى درجة؛ ولم يمارس عمليات تطهير بحق رموزها، وأبدى استعداده للتعاون مع كافة القيادات الموجودة على أمل أن تمارس هذه القيادات عملية تصحيح مسار ذاتية لاحقا، على الرغم من هذا إلا أن محاولته مواجهة بارونات المال والاقتصاد، وتهديده الشهير لهم في آخر خطاب له بعبارة "سنة كفاية"، ثم تحركه باتجاه مواجهة عدد من رموزهم وبخاصة في المجال الإعلامي، ربما يكون هو ناقوس الخطر الذي استشعره هؤلاء لبدء تنفيذ مخططهم (أغلب الظن بمباركة غربية) والذي سعوا فيه منذ اليوم الأول لوصول مرسي إلى كرسي الحكم.

ورغم أن الانقلاب الذي عزل نظام الدكتور مرسي، يمثل صورة طبق الأصل من انقلابات كثيرة تمت في الماضي، فإنه لم يكن من السهل مقاومته أو محاولة تلافيه، خاصة وقد تواطأت على تنفيذه كافة أجهزة الدولة العميقة وعلى رأسها الإعلام. وقد بدأ المخطط، كما في سائر الانقلابات، بعملية اغتيال معنوي وسياسي للقيادة المنتخبة، عبر حملة إعلامية ودعائية استهدفت عمل غسيل مخ جماعي لقطاعات واسعة من الجماهير، لدفعها إلى تأييد مشروع الانقلاب، ثم تكتيلها خلفه من أجل حمايته والدفاع عنه. ولعبت الأموال الغربية دورا مشبوها عبر ما سمى ببرامج دعم الديموقراطية، إذ ساعدت الانقلابيين في مسعاهم ووفرت لهم دعما شعبيا حقيقيا. ولمن يهتم بكيفية صياغة حشد شعبي وراء انقلاب مصطنع أن يبحث عبر شبكة المعلومات عن اسم "كيرمت روزفلت" ودوره في الانقلاب الذي شهدته إيران منتصف القرن العشرين ضد الدكتور محمد مصدق.

وما ينطبق على سيناريو الانقلاب ينطبق على سيناريو ما بعد الانقلاب، فما تشهده مصر في هذه الأيام من عملية منظمة لإعادة إنتاج النظام القديم هو أيضا تقليد حرفي لما تم فى انقلابات عسكرية سابقة، ويشمل ذلك:
(1) التراجع عن مشاريع الاستقلال الاقتصادي التي لا تتوافق ومعايير الشركات الكبرى ومصالح كبار رجال الأعمال.
(2) النكوص عن سياسات الاكتفاء الذاتي من السلع الاستراتيجية (القمح نموذجاً).
(3) التراجع عن تنفيذ المشروعات التنموية الكبرى (مثل مشروع تنمية إقليم قناة السويس)،
(4) العودة إلى سياسات الاقتراض بديون باهظة (بهدف تأكيد إلحاق الاقتصاد المصري بالرأسمالية العالمية، وليس بغرض طمأنة الغرب من أن مصر لا تعاديه كما كان يسعى نظام مرسي).
(5) تعطيل العملية الديموقراطية والزج بالمعارضين إلى السجون.
(6) استئناف عصر الإرهاب وإعادة أجهزة أمن الدولة إلى العمل بكامل طاقتها، وإطلاق يدها في التعامل مع المواطنين بالطريقة التي يفضلونها حيث يكون التعذيب والاعتقال هو مصير كل من تسول له نفسه معارضة الحكم الجديد.

وفي انقلاب مصر — كما في الانقلابات الأخرى— لا يكتفي الانقلابيون بهذه التحركات على الأرض، وإنما يهتمون بتقديم غلاف أيدلوجي لما يقومون به. خلال حقبة الستينيات، كان يتم التأكيد على أن الأنظمة التي يتم الانقلاب عليها متعاونة مع الشيوعية العالمية، الآن وبعد انهيار المعسكر الشيوعي، لم يكن بد من ادعاء أن نظام الدكتور مرسي كان يمثل تهديدا للديموقراطية (راجع تصريحات وزير الخارجية الأمريكي)، وذلك على الرغم من أنه جاء للحكم في أعقاب انتخابات ديموقراطية استثنائية. وبطبيعة الحال تكون الجماهير مستعدة لاستهلاك مثل هذه التبريرات، ليس لكونها بحاجة إلى مسوغ إخلاقي للقبول بالانقلاب عسكري، ولكن لأنها تكون في مرحلة غسيل المخ التي يزكيها الإعلام.

أما عن التدفق المالي الخارجي الذي يعقب الانقلابات، فإن دوره ان يتيح سيولة مالية تصرف نظر المواطنين والحكومة على حد سواء عن أفكار الاستقلال الاقتصادي أو عن تدشين مشروعات التنمية الوطنية (في الحالة المصرية كان المستهدف الأساسي هو إحباط مشروع تنمية إقليم القناة والذي يمثل منافسا محتملا لأنظمة يعتمد اقتصادها على كونها مركزا إقليميا للتجارة الدولية)، ومن ناحية أخرى يحاول التدفق المالي أن يكتب شهادة وفاة لنمط من الديموقراطية وحكم القانون من الممكن أن ينتقل بفعل أثر العدوى إلى بلدان الحكم التسلطي التي تضخ هذه المساعدات/الرشاوي المالية.

وكما كان الدعم فى الماضي يوجه داخليا لصالح أعداء الشيوعية، تغير الشعار ولم يتغير الهدف، فأصبحت مهمة الانقلابيين الآن هي تنصيب حكومات يمكن التعاون معها لتحقيق مصالح بارونات المال والأعمال داخليا وخارجيا، وضمان استمرار دوران الدولة في فلك المنظومة الاقتصادية الغربية. ولا يوجد في هذا السياق أفضل من النخب العلمانية، التي تعتنق فكرة أن ما يربطها بالغرب من مصالح براجماتية أقوى مما يربطها بنظام حكم داخلي يمتلك قواعد شعبية يصعب التغلب عليها انتخابيا.

خلاصة القول
أن قوى الهيمنة الداخلية والإقليمية والدولية لم يكن يرضيها وصول واستمرار حاكم وطني ذي خطط استقلالية، طالما أن ذلك يحمل في طياته تهديدات لمصالحها، ومن هنا تخطيء القوى المؤيدة للشرعية إذا تصورت أن دورها هو تغير قناعات قوى الانقلاب، فحسم الصراع الحالى في مصر لا يبدو متوقفا على اعتبارات موضوعية متعلقة بتقدير الوزن النسبي للمعارضة في مواجهة الموالاة، فقد اختارت قوى الانقلاب مصالحها الاقصادية، واستعملت صورة الحشود المؤيدة لها كذريعة وليس أكثر من ذلك.
ولو كانت الحشود وحدها كافية للتأثير فى مسار العملية السياسية لاستجاب قادة الانقلاب لصوت الجماهير المعتصمة فى شوارع القاهرة منذ ما يزيد على الثلاثة أسابيع، أو لطرحوا فكرة إجراء استفتاء شعبي على خارطة الطريق التي طرحوها كبديل للعملية السياسية الشرعية التي انطلقت قبل عامين ونصف وأطاحوا هم بها في 48 ساعة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق