الثلاثاء، 12 يونيو 2012

الإخوان … والغياب ( المفاجئ ) للعقل الدعوي الاستراتيجي… بقلم: د. أشرف الحسينى


  وعندما أتحدث عن العقل الدعوي ، فأنا اقصد ذلك العقل الممتلئ بحب الدعوة الى الله ، المشغول بتحبيب الله إلى خلقه ، وتحبيب الخلق إلى ربهم ، المهموم بأوجاع الناس وآلامهم ، يحب لهم الخير ويعطف عليهم ، يعطيهم بإخلاص وتجرد ، دونما منٍ أو أذى … أفكاره ذِكر، وخطراته تسبيح.

وعندما أتحدث عن العقل الاستراتيجي ، فأنا أقصد ذلك العقل الواعي الذي لا تشغله اللحظة الآنية عن المستقبل البعيد ، ولا المكسب القريب عن الهدف المنشود… ذلك العقل المشغول بالهدف العام ، وتأثير الفعل الحالي عليه بالسلب أو الإيجاب… ذلك العقل الذي لا ينخدع بحجم النشاط المبذول ومواصلة القافلة للمسير، بقدر ما يعنيه التأكد باستمرار أن القافلة لا تزال تسير على الطريق الصحيح.

وعندما أتحدث عن العقل الدعوي الاستراتيجي، فأنا أقصد ذلك العقل الواعي الذي يرى الأمور على حقيقتها ويقدر للخطوة قدرها فلا يتأخر بالدعوة وقت الحاجة لتقدمها فيعوق مسيرتها، ولا يقتحم بها دون نظر وبصيرة فيوردها الموارد… ذلك العقل الذي يدرك الواقع المحيط ببيئة الدعوة فيفرق بوضوح بين محبي الدعوة وأنصارها وداعميها، وبين خصومها والمتربصين بها، يفرق بوضوح بين جمهور الدعوة وبين أعداء الدعوة… يقدر الخطوة الحالية الصحيحة التي تفضي إلى خطوات أخرى تأخذ بيد الدعوة إلى هدفها المنشود… ولو بعد حين.

وعندما أتحدث عن العقل الدعوي الاستراتيجي لجماعة الإخوان المسلمين، فأنا أقصد ذلك العقل الذي يدرك مراحل دعوة الإخوان المسلمين جيدا، ويدرك في أي المراحل هي، وما هي متطلبات المرحلة، فلا يتقدم على مرحلته ولا يتأخر، يحسن الاستفادة من اللحظة الحالية (بحذر وعلى قدر الحاجة) دونما تردد أو تهور، حتى لا يفقد اللحظة الحالية والقادمة معا، يعلم أن قوته في الالتحام مع الجماهير والتواضع لها، لا في الاشتباك معها والتعالي عليها، يدرك أن المفاهمة والمشاركة خير من المصادمة والمغالبة، يعلم أنه (بحق) لا يستطيع أن يقوم بكل العبء وحده… ولو تقدم له وحمله لخرَ عليه من فوقه… فهلك وهلكت معه (دعوته).

وعندما أتحدث عن الغياب المفاجئ للعقل الدعوي الاستراتيجي لجماعة الإخوان المسلمين ، فأنا أقصد تلك الطفرة المفاجئة التي أصابت الجماعة بعد نجاحها في انتخابات البرلمان المصري، والتي يبدوا أنها أفقدت الجماعة اتزانها فلم تعد تدرك متى تتقدم ومتي تتراجع، متى تصالح ومتى تعادي، بل أحيانا أصبحت لا تدرك من تصالح ومن تعادي، فتصالحت مع المجلس العسكري وحكومته وقت أن كان لابد لها من الخصام معهما، ثم عكست الحالة بعد فوات الأوان وفي وقت غير مناسب، وتخاصمت مع قوى الثورة ورفقاء الطريق وقت أن كان يجب أن تدعمهم وتقف خلفهم، ثم ما لبثت أن توجت ذلك كله (بنقض عهدها) ودفعت (بنائب المرشد) للترشح على كرسي الرئاسة، ثم دفعت برديفه بعد استبعاد الأول من المنافسة… ولأجل ذلك (الكرسي) خاضت الجماعة (الدعوية) ولا تزال تخوض معتركا شرسا من أجل نجاح (المرسي رئيسا) أفقدها كثيرين من أبنائها، وأنصارها، ودخلت في حالة خصام مع معظم القوى الوطنية والشبابية… وصار الوطن قطعة من البارود، يكاد أن يشتعل من فرط (التوتر) الظاهر على الساحة…. وأصبحت الجماعة ذات المشروع الدعوي الإسلامي، مجرد (منافس) على (الكرسي)… يراه (البعض) أحيانا يقوم من أجل نجاح مرشحه بممارسات سياسية (غير شريفة) مثل (المزايدة بالدين، والطعن في المنافسين، واستدعاء تأييد غير المؤيدين).
وسواء نجح ( المرسي ) أم لم ينجح ، فالجماعة في كل يوم تخسر أرضا جديدة، وتكسب عداوات هي في غنى عنها، والأهم من ذلك كله، هو فقدان هيبة وبهاء المشروع الحضاري الإسلامي المستقبلي، الذي هو أغلى وأبقى من أي جماعة دعوية مهما كان وزنها ومهما كانت قوتها.
أنا أدعو الإخوان المسلمين إلى لحظة هدوء، وتفكر، والمسارعة إلى التصالح مع الوطن، والعودة مرة أخرى إلى العقل الدعوي الاستراتيجي… ففي ذلك مصلحة الجماعة ومصلحة الوطن… بل ومصلحة المشروع الإسلامي كله.
وإلا يكون الأمر كما قال الشاعر:
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى        فما استبانوا الرشد إلا في ضحى الغد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق