الاثنين، 25 يونيو 2012

تقارير مفخخة…. فهمي هويدي


 القصف المتبادل بين الفرقاء المتعاركين فى مصر ليس سياسيا فقط، ولكنه لغوى أيضا، اعنى اننا لسنا بصدد صراع حول الأفكار ولكنه فى ذات الوقت صراع على العناوين والأوصاف، الأمر الذى أدى إلى ابتذال مصطلحات كثيرة، وانتهى بتمييع المعانى أو اغتيالها، فحين نقرأ فى العناوين الرئيسية للصفحة الأولى من جريدة الأهرام امس 24/6 أن الاعتصامات استمرت بميدان التحرير وأن «الأغلبية» الصامتة تظاهرت أمام المنصة فى مدينة نصر فأول ما يتبادر إلى الذهن أن الذين فى ميدان التحرير يعبرون عن الأقلية، وأن الأغلبية هى تلك التى تظاهرت أمام المنصة.

وإذا انتبهت إلى أن الذين خرجوا إلى ميدان التحرير ينتمون إلى مختلف القوى الوطنية التى تعارض الإعلان الدستورى المكمل وتعتبره انقلابا على الثورة، وأغلبهم يؤيدون الدكتور محمد مرسى، فى حين أن الذين تظاهروا أمام المنصة من مؤيدى مبارك والفريق شفيق والمجلس العسكرى والمتحمسين للإعلان الدستورى وحل مجلس الشعب، حينذاك ستكتشف انك وقعت فى كمين منصوب صنعته اللغة بمنتهى اللطافة والمكر، ذلك أن الرسالة التى يتلقاها المواطن البرىء فى هذه الحالة، هى أن الاغلبية الصامتة فى مصر هى التى تقف إلى جانب مبارك وشفيق والمجلس العسكرى وتؤيد الانقلاب الذى حدث. الأمر الذى يعنى اننا بصدد رأى متحيز وليس خبرا محايدا. إن شئت فقل إنه خبر «مفخخ» ظاهره برىء وحقيقته غير ذلك.

خذ أيضا التقرير الذى ابرزته صحيفة «المصرى اليوم» تحت عنوان عريض باللون الأحمر يقول: قوى ليبرالية تؤسس جبهة مدنية لحماية مصر من الحكم باسم الدين أو عودة النظام السابق، ربما لاحظت أن العنوان استخدم بعض المصطلحات الرنانة التى تداولتها الألسنة هذه الأيام. إذ يتحدث عن قوى «ليبرالية» وان الجبهة «مدنية» هدفها معارضة الحكم باسم الدين أو عودة النظام السابق. وإن دققت فى ملابسات التقرير وتحريت خلفياته ستلاحظ ما يلى:

* إن الصحيفة ذكرت أن الذين شاركوا فى اللقاء يمثلون جميع القوى والرموز الليبرالية ورؤساء الأحزاب» فى حين انه كان منبرا لحزب المصريين الاحرار ومؤسسه المهندس نجيب ساويرس وقد تحدث فيه أحد القياديين فى حزب التجمع المتحالف مع المصريين الأحرار والرئيس الشرفى لحزب الجبهة الديمقراطية وثلاثة من النشطاء. واعتبرت الصحيفة أن هؤلاء يمثلون «جميع القوى والرموز السياسية ورؤساء الأحزاب».

* إن اللقاء كان له هدفان، الأول هو الرد على الإعلان الذى تم فى اليوم السابق عن تشكيل جبهة وطنية لإدارة الأزمة وقفت إلى جانب الدكتور محمد مرسى فى مواجهة اجراءات وقرارات المجلس العسكرى، خصوصا بعدما قدم المرشح الرئاسى عدة تعهدات استجابت لمطالب بقية القوى الوطنية، الهدف الثانى كان تشديد الهجوم على جماعة الإخوان لترجيح كفة منافسة الفريق شفيق، فى حين كان مصطلح الجبهة المدنية غطاء لستر ذلك الموقف.

* إن القيادى «الليبرالى» المهندس نجيب ساويرس مارس حقه المشروع فى الاختيار وأعلن انحيازه واصطفاف حزبه إلى جانب الفريق شفيق، لكن ليبراليته لم تحتمل الرأى الآخر فى برامج قناة «او تى فى» التى يملكها. الأمر الذى دفع بعض مقدمى البرامج اللامعين إلى الاحتجاب والتوقف عن العمل «يسرى فودة مثلا». كما أن تعليماته قضت بمنع أى أصوات ناقدة للمجلس العسكرى أو الفريق شفيق من الظهور على شاشات القناة، وهو ما تجلى فى منع ظهور النائب والمحامى عصام سلطان وزميلنا الصحفى أيمن الصياد، حيث دعا كل منهما إلى المشاركة فى بعض البرامج، ثم تم الاعتذار لهما قبل ساعة من الموعد بحجج مفتعلة.

الخلاصة اننا فى هذا النموذج نجد أن الصحيفة التى يشارك فى اسهمها المهندس ساويرس تحدثت عن اجتماع متواضع دعا اليه الرجل وجرى النفخ فيه من خلال اللغة للإيحاء بأنه يمثل جميع القوى والأحزاب. ومن قبيل التدليس اللغوى قيل لنا انها قوى «ليبرالية» فى حين أن ممارسات بعض شخوصها فى حقيقة الأمر اقصائية واستئصالية، ناهيك عن أن وصفهما بأنها «قوى» فيه قدر كبير من المبالغة، إلا إذا كان المقصود فى هذه الحالة هو القوة المالية للمهندس نجيب ساويرس وعائلته.

أكاد اسمع صوت قارئ خبيث يسأل: لماذ ذكرت هذين المثلين وتجاهلت بيانات المجلس العسكرى التى حفلت بالنماذج المماثلة التى تم فيها ابتذال المصطلحات واغتيال المعانى، وردى على السؤال أن البيانات أخذت حقها من النقد والفضح، حين دعت إلى احترام القانون وانتهكته وحين تحدثت عن احترام مؤسسات الدولة واهانتها بالدبابة التى وضعت امام مجلس الشعب، وحين تعهد المجلس بتسليم السلطة إلى المدنيين فى 30 يونيو ثم فاجأنا بإجهاض ذلك الحلم.

عندى سبب آخر لعدم الاستطراد فى رصد ثغرات الإعلان الدستورى، هو اننى استنفدت الحيز المتاح، ولذا تعين التوقف عن الكلام المباح!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق