الأحد، 24 نوفمبر 2013

الثورة المصرية بين حتمية التدافع وآلام المخاض (1)... يحيى نعيم


تقــديــم...

يقول الدكتور ماجد الكيلاني بأن: المجتمعات الإنسانية والظواهر الكونية في تغير دائم, وهو ما يشير إليه أمثال قوله تعالى:

(كل يوم هو في شان)

وقوله: (وربك يخلق ما يشاء ويختار)

ومثلها في سورة الفلق.. حيث يعبر عن هذه المتوالية الخلقية بمصطلح الفلق, الذي يعني تلاقح الأزواج في عوالم الأفكار والأشخاص والأشياء ثم انفلاقها لإنجاب مخلوقات جديدة, قد تجلب النفع أو الضرر حسب وعي الإنسان بسنن هذا الخلق وقوانينه.

 ومن سنن هذا الخلق الجديد أنه يفرز علاقات جديدة, والعلاقات الجديدة تتطلب صياغة جديدة للقيم التي تنظم هذه العلاقات, والقيم الجديدة تحتاج إلى تجديد المؤسسات والتطبيقات والوسائل التي تجسد هذه القيم في ممارسات عملية جديدة تحتاج إلى تربية جديدة وهكذا..

 ولكنّ الناس لا يعون هذه السلسلة في عمليات الخلق الجديد او عمليات التحول التاريخي, ولا يحسنون التعامل معها, ولذلك تتقاذفهم التحولات الجديدة, ويقعون ضحية الاختلاف والتنازع, وهو ما يشير إليه قوله تعالى (بل هم في لبس من خلق جديد)

والسبب في هذا الاختلاف والتنازع أن المجتمع حين يبدأ الحركة من حقبة زمنية إلى أخرى, فإن المخلوقات الجديدة تبرز معها قيماً جديدة, تظهر وتبدأ في تجنيد أنصارها والعمل على تأكيد وجودها من خلال الدعوة إلى إعادة تشكيل المؤسسات والنظم القديمة القائمة وإفراز مؤسسات ونظم جديدة تجسد القيم الجديدة في واقع جديد, الأمر الذي يُثير القيم والمؤسسات والنظم القديمة فتنهض مذعورة وتستنفر أتباعها للحفاظ على ذاتها وهيمنتها ويبدأ الصراع بين القيم القديمة والقيم الجديدة وينقسم الناس إلى ثلاثة أقسام:
  •  قسم القوى المحافظة:
 وهي القوى التي تريد المحافظة على ثبات المؤسسات والنظم والقيم والأوضاع القائمة, وتعمل على إيقاف حركة التاريخ.. 
  •  قسم القوى المتطرفة:
 وهي التي تحس بحركة التاريخ وتريد تسريع حركتها أو تغيير مسارها, وهذه القوى المتطرفة تنقسم إلى قسمين: قوى يسارية, وقوى آبائية, والعامل المشترك بينهما هو السعي لاستبدال النخبة المتسلطة المحافظة بنخبة متسلطة متطرفة ولكنهما يختلفان في مصدر القيم التي يتسلح بها كل منهما لتحقيق هدفه, ففي حين تستعير القوى اليسارية قيمها من ثقافات المجتمعات الأخرى فإن القوى الآبائية تستعير قيمها من ماضي الآباء المزدهر, وحين يصل أي الفريقين إلى هدفه فإنه يتحول إلى نخبة محافظة تعمل على إيقاف حركة التاريخ.
  • قسم القوى المجددة:
 وهي القوى التي تعي حركة التاريخ وطبيعة الحقبة الزمنية التي تعيش خلالها, وتعمل من خلال التربية وتجديد المعرفة وتأصيلها على تجديد صياغة القيم والمؤسسات والمهارات العقلية والعملية عند إنسان الحقبة الجديدة وتعمل على تزكية آصار الجمود والتطرف ليصبح قادراً على التعامل مع مظاهر الخلق الجديد. 

- فهل يُفسر  هذا التحليل السنني ما يجري في مصر من تدافع وصراع, وهل تُشكِل الثورة فرصة حقيقية للتحول التاريخي في حياة الأمم والشعوب؟

- وأي من أطراف الصراع الدائر يمثل القوى المحافظة وما هي طبيعتها ودوافعها؟

- وأي منها يمثل القوى المتطرفة وما طبيعتها ودوافعها؟

- واين هي القوى المجددة وما هي صفات وملامح التجديد المطلوبة وما مدى توفرها؟

- وإلى أين تأخذنا الأحداث الأخيرة وكيف يمكن التأثير في مجرياتها وحسم الصراع لصالح المستقبل المنشود؟


حول هذه السؤالات المُؤّرقة, وفي محاولة للإجابة عليها, تدور سلسلة المقالات التالية بإذن الله
-------------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق