الأربعاء، 20 نوفمبر 2013

رأي إنسان - لا بد للقيد أن ينكسر... محمد المهندس


القيد هو حبل يوضع في رجل الدابة فيمسكها، وهو كذلك سجلك في الدولة.
هذا التلاقي في اللفظ ليس مصادفة كما ظننت، ولكنه تلاق كذلك في المعنى اختارته دولة محمد علي لسجلاتها التي وضعتها تدريجيا للمصريين منذ  البدء في إنشاء جيش نظامي؛ كما جاء في كتاب "كل رجال الباشا" للدكتور خالد فهمي.


إننا لدى تلك الدولة قيد;
  • لأننا في نظرها مجرد دواب تحتاج دوما إلى قائد يمسكها ويقودها! لسنا في المدرسة إلا قيدا يتحكم فيه الناظر والمدرس والفراش، وهؤلاء ليسوا إلا قيودا بأيدي مدراء ووكلاء وزارة، هم بدورهم قيود لدى وزير ورئيس وزراء ورئيس, الذين صاروا في النسخة الحديثة للدولة قيود لدى قائد الجيش!
  • شكاوانا العادلة أمام القضاء مجرد قيود (في رول به مئات القضايا في اليوم الواحد) يقرأ القاضي ما تحتها كأوراق لا روح فيها ولا حس; فهي مجرد أوراق لقيود في الدولة، ولا مانع من أن نظل أعواما في دوائر المحاكم منتظرين أو متعطلين أو مقهورين; فالقيود في يد الدولة تفرج عنها متى شاءت!
  • ربما يقرر صاحب الدابة قيد دابته; ولكنه يطعمها ويسقيها ويسكنها بما يناسبها ويحفظ حياتها; أما الدولة حين تقيد مواطنيها في سجلات سجونها فقد تحرقهم في الطريق إليها، وقد يضربهم خدامها تلذذا، وقد تمنعهم الماء والهواء عقابا لأنهم خرجوا عن مسار الدابة التي اختارته لهم!
 بدأت هذه القيود حين قرر الباشا محمد علي تجنيد الفلاحين المصريين؛ لينشأ جيشه النظامي الحامي له والخائض لمعاركه التي يختارها هو.. أنزل رجاله في الصعيد ليختطفوا الرجال من بين آبائهم وأمهاتهم وأزواجهم وأبنائهم وأهليهم دونما اعتبار لعلاقات أو التزامات أو أرزاق أو حتى أمراض; لأن التجنيد أهم، ولأن الدولة أهم، ولأن الحاكم أهم!

بعد الخطف أتت مرحلة القيد، والقيد يجر الدابة، والدابة لا بد أن تتذكر دوما أنها مجرد دابة مصيرها بيد قائدها.. مجرد دابة تُعلَف لتنتِج للباشا ورجاله، وتُضرب وتهان وتحرم وتمنع وتقتل كذلك كي تكون عبرة لمن يفكر في فك قيود الدولة.

لو كنت مجرد دابة لاكتفى قائدها بالسيطرة على جسدك، ولكنك من طينة مختلفة؛ لذا لا يتوقف القيد على السيطرة على الأجساد؛ بل لا بد أن يمتد كذلك إلى سيطرة على الأفكار وربما الأرواح كذلك.

حين تموت في معركة أو مذبحة أو وباء أو مصيبة أو إهمال؛ فقد انتقلت في سجلات الدولة من قيد الأحياء إلى قيد الأموات.. مجرد قيد؛ فلا اعتبار حينئذ لدماء سالت، ولا لأطفال يُتموا، ولا لنساء رملت، ولا لأسرة شردت، ولا لصداقات فقدت، ولا لنفوس كسرت؛ لأنك رقم من ضمن أرقام.. واحد من عشرة.. من مائة.. من خمسمائة.. من ألف.. من عشرة آلاف.. من مائة ألف.. غير مهم؛ فأنت مجرد سجل انتقل من دفتر الأحياء إلى دفتر الأموات.

العجيب أن القيد أصبح محببا للكثيرين، وإن أرادوا الابتعاد عنه أو التمرد عليه؛ فإنهم يسارعون بالبحث عن قيد آخر لبشر آخر يريد أن يتحكم فيهم.. إنهم يبحثون طوعا عن قيد ليضعوا رقبتهم فيه؛ لأنهم لم يقتنعوا بعد أنهم قادرون على إدارة أنفسهم وأوطانهم دون "قادة" لديهم الحق في حبس الأجساد والأفكار.

قامت الثورة لتفك هذه القيود، واختار البعض تلو الآخر أن يختار قيودا أخرى غير التي ظن أنها انزاحت، فعدنا بعد الدوران في الفراغ إلى القيد ذاته مع إحكام في القيد أكثر، وتضييق في المسار أكثر.

أما لهذا القيد أن ينكسر!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق