السبت، 16 نوفمبر 2013

مفهوم الدولة والديمقراطية..... عبدالمنعم ابوالفتوح


تغيرت النظم السياسية على مر العصور حتى ظهور ما عرف بالدولة الحديثة بداية من القرن السابع عشر، النظريات التي تعرضت لموضوع أصل فكرة الدولة في العلوم السياسية تتصل اتصال قريب ببيان الاساس التي تستند إليها (فكرة السلطة) فيها ولعل اهم واقدم النظريات هى النظرية الثيوقراطية (الدينية) التى تطورت بتطور وعى الشعوب من الحاكم الاله -الحاكم الذى يستمد سلطته من الله مباشرة- الى الحاكم الذى يختاره الشعب لكونه قريبا من الله...

بعدها ظهرت نظرية العقد الاجتماعى فى العلاقة بين الحاكم والمجتمع ثم تم طرح مسالة السلطة الزمنية والسلطة الدينية داخل الكنيسة ثم ما لبثت الكنيسة ان انفصلت تماما عن السلطة والمجتمع ايضا.. وفى حقيقة الامر لم تكن الكنيسة فقط كمركز للطقوس هى التى انفصلت او بالاحرى تم عزلها، ولكن المسيحية اصلا كدين.
سنعانى فى الشرق العربى وستتكون لدينا شقوق فكرية وثغرات فى بنياننا الحضارى جراء هذا الانفصال والعزل بين الكنيسة والمجتمع.. دونما نعيش المقدمات التى انتهت الى نفس النتائج.. اذ ليس لدينا فى الاسلام ما يعرف بـ(سلطة دينية )على الاطلاق. كل انواع السلطات فى التاريخ الحضارى والسياسى للامة (سلطة مدنية).

نظرية العقد الاجتماعي:
وهى نظرية قديمة فى الفكر السياسى والفلسفى.. ترد الاجتماع إلى اتفاق بين الأفراد يدخلونه بمحض إرادتهم ويتنازلون بمقتضاه عن بعض حرياتهم ويتعهدون فيه باحترام حقوق وحريات وملكية الآخرين كما يؤكد على وحدة (الجسم الاجتماعي) وتبعية المصالح الخاصة للإرادة العامة التى تعكس فكرة(السيادة)...

نظرية توماس هوبز 1588-1679م :
وجود (الجماعة السياسية) يرجع إلى (العقد) الذي انتقل بمقتضاه الأفراد من (الحياة الفطرية )التي كانوا يعيشونها إلى (مجتمع منظم) توجد فيه (طبقة محكومة وأخرى حاكمة) ويصف هوبز حالة الأفراد الفطرية بأنها تتسم بالفوضى لأن الإنسان أناني بطبعه، محب لذاته، لا يعمل إلا مدفوعاً بمصلحته الخاصة. ولذلك عمل القوي على اغتصاب الضعيف والسيطرة عليه، وفي هذا المناخ المضطرب الممتلئ بالصراع والأنانية اضطر الإنسان بدافع الخوف من غيره، والحاجة إلى إشباع أغراضه، وبغريزة حب البقاء، إلى الاتفاق مع غيره من الأفراد على أن يعيشوا معاً تحت سلطة واحدة يتنازلون لها عن كل حقوقهم الطبيعية ويعهدون إليهم بأمورهم ورعاية مصالحهم عن طريق العقد.
وهكذا أبرم الأفراد عقداً انتقلوا بواسطته من حالتهم الفوضوية الأولى إلى حالة المجتمع المنظم وفي رأي هوبز أن الحاكم لم يكن طرفاً في العقد وإنما تم العقد بين الأفراد وحدهم وبالتالي تكون سلطة الحكم سلطة مطلقة لا حدود لها ولا يحق للأفراد أن يطالبوه أو يلزموه بأمر من الامور.

نظرية جون لوك 1632-1704م:
يتفق لوك مع هوبز في تأسيس المجتمع السياسي على وجود عقد اجتماعي لكن لوك يختلف عن هوبز في تصوره لحالة الفطرة فهي لم تكن حالة فوضى وبؤس بل كانت حياة تجرى على أساس الحرية والمساواة في ظل القانون الطبيعي.. ويرى لوك أن الأفراد يختارون الحاكم عند إقامتهم للسلطة ويجعلونه طرفاً في التعاقد وإن كان هوبز يرى أن الأفراد قد تنازلوا عن جميع حقوقهم للحاكم إلا أن لوك يرى أنه توجد حقوق طبيعية للفرد سابقة على دخوله الجماعة.. هذه الحقوق لا يمكن التنازل عنها مثل حق الملكية. ويرى لوك إذا كان الحاكم جنح للحكم المطلق يحق للأفراد فسخ العقد.

نظرية جاك جان روسو 1712-1778م :
الذى يرى أن الإنسان ولد حراً ومع ذلك نراه قبل القيود التي يفرضها عليه المجتمع ويجيب روسو على ذلك بأن الالتزام الاجتماعي والخضوع للسلطة لا يمكن أن يكون أساسها القوة فالسلطة التي تقوم على الغصب تنتهي بمجرد زوال القوة التي تستند إليها..

وهناك نظريات أخرى تتعلق بنشوء الدولة مثل نظرية التطور العائلي ونظرية القوة ونظرية التطور التاريخي أو الطبيعي.
ونستطيع وفقا لذلك ان نعرف الدولة بانها (تجمع سياسي يمارس السلطة عبر مؤسسات دائمة ومكوناتها الأساسية هي الحكومة والشعب والإقليم.. وتتصف بالسيادة وضرورة الاعتراف بها بما يكسبها الشخصية القانونية الدولية ويمكنها من ممارسة اختصاصات السيادة ).

وتتسم الدولة بأربع صفات أساسية تميزها عن المؤسسات الاخرى:
  • السيادة، فالدولة هي صاحبة القوة العليا غير المقيدة في المجتمع وتعلو فوق أية تنظيمات أو جماعات أخرى داخل الدولة.
  • الطابع العام لمؤسسات الدولة
  • الشرعية 
  • الهيمنة (احتكار العنف الشرعى!)

من المهم ان ندرك المسافة بين الدولة والحكومة.. فالحكومة هي الوسيلة التي تؤدي من خلالها الدولة سياستها.. فهي الهيئة الادارية العليا التي تشرف على أحوال الشعب وتنظيم شؤونه. الدولة كيان اكثرثباتا مقارنة بالحكومة التى قد تتغير فى اى وقت. بافتراض تعاقب الحكومات.. يتعرض نظام الحكم للتغيير أو التعديل لكن تبقى الدولة اكثر استقرارا ورسوخا..
موظفو هيئات الدولة يجب ان يكونوا محايدين سياسيا يخضعون للأسلوب البيروقراطي سواء في اختيارهم اوتدريبهم تحصينا لهم من التقلبات السياسية الناتجة عن تغير الحكومات، فالحكومة تعكس اختيارات حزبية وأيديولوجية وهذا طبيعى فى مناخات التعددية السياسية والفكرية.

وتقوم الدولة بنوعين من: الوظائف (الأساسية) و(الخدمية)
  • الاساسية: تشمل تأسيس جيش قوى لحماية مصالح الوطن والشعب / حفظ الامن العام والنظام/ العدالة /تنظيم القضاء وإنشاء المحاكم / رعاية العلاقات الخارجية / تمويل المؤسسات العسكرية والأمنية والمدنية/ اصدار العملة
  • الخدمية: التعليم/الثقافة/ الرعاية الصحية/المواصلات / خدمات المياه والكهرباء والصرف الصحي/ إنشاء الموانئ والمطارات/الاتصالات السلكية واللاسلكية.
ستأخذنا التطورات التاريخيىة لحالة الدولة الى اكتشاف انها اداة سيطرة ضخمة لا تخلوا من شراسة فى كثير من الاحيان.. وان مصلحة الشعوب تقتضى أن يعيشوا فى مجتمعات تمتلك من وسائل القوة الاعتبارية والسياسية ما يفوق قوة الدولة. وانا اميل كثيرا الى الحد من دور الدولة فى المجال العام ما استطاع المجتمع ذلك..

الديمقـــــراطية
  • مفهوم الدولة الحديثة  فى حقيقة الامر هو نتاج أوربي خالص نشأ مع العصور الحديثة وبدأ يتطور هذا المفهوم مع مرور الزمن حتى انتج ما يسمى ب( الديمقراطية ) التى تعنى المساواة أمام القانون والحرية في التعبير عن الذات في ظل قانون لا يتعارض مع هذه القيمة، 
  • وتعني أيضا المشاركة في القرار الذي يتعلق بالشأن العام انطلاقا من مبدأ نفي الوصاية على الحقيقة واحتكارهاعلى المستوى الانسانى والاجتماعى تعد الديمقراطية اهم اشكال التسامح وحرية السلوك والفكر والرأي.
  •  والديمقراطية في صورها التطبيقية تعني بناء الحكم على الانتخاب الحر لاكتساب شرعية الحكم، مع الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية حتى تكون مخاطر استعمال السلطة والاستغلال من قبل الحكام مراقبة موضوعيا وعمليا.
فالديمقراطية إذن طريقة في الحكم تسمح للآراء بأن تعبر عن نفسها بحرية كما تسمح للمجتمع بالمشاركة في الحياة السياسية وبالتالي تقليص المسافة بين الحكام والمحكومين (الامر الذى يعد مطلبا انسانيا قديما قدم التاريخ).. وتشكل الديمقراطية حلم كل الشعوب وتتم الدعوة إليها تقريبا من كل المفكرين والمثقفين .. لأن دمقرطة النظام السياسي أهم واعظم خطوة في طريق التنمية والاصلاح والرقى.
وعلينا ان نعى ان الدعوة للإصلاح الديمقراطي تؤكد نفسها لا من إمكانية تطبيقها (الديمقراطية) في هذا المجتمع أو ذاك بل من ضرورة إرساء أسسها وأدواتها ونشرالمعرفة بها بوصفها (الاصل الضروري) ليتمكن الأفراد من ممارسة حقوقهم الكاملة كمواطنين من جهة (لا يمكن ضمان الحقوق الدينية والأخلاقية والثقافية للانسان إلا بواسطة النظام الديمقراطي ودولة القانون) ومن الجهة الاخرى تمكين الحاكمين من الشرعية الحقيقية التي تبرر حكمهم.
الديمقراطية هى (الروح العامة للتعددية) وهى أفضل نظام لضبط العلاقات بين الدولة والمجتمع ومن اجمل تعريفاتها انها (تضع حلول سلمية لمصالح متعارضة وترسم حدود قانونية ودستورية للسلوك الرسمي والسلوك الشعبي).

عيوب الديمقراطية:
لكن عيوب الديمقراطية ايضا خطيرة وتأثير هذه العيوب سىء على المجتمع والدولة فى أن واحد .. وابرز هذه العيوب هو:
  • الحشد التعبوى من خلال الاعلام (سحر الازمان الحديثة).. الاعلام اصبح اخطر اسلحة اعداء الديمقراطية الذين (يتكهنون ) بها ويعملون على اخلائها من مضمونها وروحها العامة فى الرقابة والمحاسبة والتعددية والتغيير..
  • المال سيكون له اسوأ التأثيرات على حالة الديمقراطية فى المجتمع ..اصبح (المال السياسى) تعبير دارج فى الانحراف باسم الديمقراطية..
  • سنرى ايضا ان الامية وانخفاض مستوى التعليم والثقافة احد (مكاره) الديمقراطية التى يكون ازدهارها فى مناخات الوعى والمعرفة ..
عملية بناء مؤسسات الدولة الحديثة تقع على كاهل نخبها السياسية والثقافية والاجتماعية فكلما كانت النخبة واعية لطبيعة العمل السياسي ومصالح المجتمع كلما عمدت إلى بناء (دولة حديثة) يرتقي نظامها إلى مصاف الدولة المتقدمة حضارياً التى تجعل الإنسان هدفا.. لا وسيلة لتحقيق المصالح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق