الثلاثاء، 9 أكتوبر 2012

كثيرون حول المصالح..قليلون حول الوطن- د عبد المنعم أبو الفتوح


 لا أحب استخدام لغة التخوين والاتهام تجاه ما نراه ونسمعه ونقراه الان حول الإساءة لمؤسسة الرئاسة التى  تجسد هيبة الوطن وكرامة الشعب الذى انتخبها واختارها , فهناك فارق كبير بين ثقافة النقد والمحاسبة وبين ثقافة الهدم والعداء واللدد . الاولى حق وواجب والثانية عجز وقصور وكراهية مسمومة  للحاضر والمستقبل ..
والامر يزداد دهشة وريبة حين يكون (الرئيس المنتخب) أياً كان خلافنا معه فى الرأى هو أول رئيس بعد ثورة ازاحت طاغية افسد واضاع ما وسعه الفساد والضياع ..وهو اول رئيس مدنى قادم من اواسط الناس بالاختيار الحر المباشر ..وهو ما كان يفترض ان تكون الامور عكس ما نراه ونسمعه ونقرأه.. 
ولدى عدة نقاط  ملاحظة منى حول المشهد الحالى :
  • رأينا فى الثورات السابقة فى التاريخ ان الانتقال من الحالة الثورية الى حالة الاستقرار السياسى والدستورى والمؤسسى لم يتم بين يوم وليلة ..بل مر بفترات تطورلم تسلم من التهديد والخطورة على الثورة واهدافها ..وأقرب نموذج الى تلك الحالة هى ثورات اوروبا الشرقية وعمليات التحول الديمقراطى فى امريكا اللاتينية التى كانت حافلة بشتى صنوف المغامرات السياسية المثيرة وبأنواع عديدة من الطغيان والاستبداد والفساد.
ولا يفترض بالطبع ان يقوم الجهاز الادارى العتيق (للدولة العميقة) بكل ما كان يتمتع به افراده من نفوذ وثراء وهيمنة  واستكبار، لا يفترض فيه ان يسلم بهزيمته وحرمانه من كل ذلك بسهولة ..راينا ذلك فى التاريخ واستوعبناه …ورايناه ولا نزال نراه فى وطننا الحبيب ..
والدهر أخره شبه بأوله  **  ناس كناس وأيام كأيام  
واتصور ان المعركة ليست سهلة وليست قصيرة ..وعلى السيد الرئيس  وفريق العمل من حولة ان يدركوا جيدا هذا الأمر ..وان يستعدوا له وان يتحصنوا بهذا الشعب الكريم ..كما فعل محمد على فى تحصنه بالمصريين البسطاء من الفلاحين والأجراء امام دولة المماليك العميقة التى رفضت الانضواء معه فى مشروعه بل واخذت فى تعويقه ..مما دفعه لارتكاب خطأه التاريخى الشهير معهم فى مذبحة المماليك.
المصريون  بطبعهم  الحضارى الطويل يحترمون كثيرا (فكرة الشرعية)..ويمتلكون جهازا بيروقراطيا عتيدا قادرا على صون (الدولة) وحمايتها، وهناك -ان شاء الله- تيارا دافقا من التطور النوعى  فى هذه الروافد يعد بالكثير  فى اتجاه تاسيس دولة المواطنة والقانون والرفاه.
  • الرئيس محمد مرسى يقوم بواجباته فى ظروف تاريخية  غير عادية .. ليس فقط بسبب الهدم المنظم الذى مارسه النظام طيلة الاعوام السابقة  فترك خلفه  بقايا متهالكة من كل شىء .ولكن  لاسباب اخرى كثيرة  اهمها  عدم الاستقرار السياسى والدستورى سواء فيما يتعلق بالتفاعل الاجتماعى  بين مكونات وأفكار لم تعتد على ممارسة الاختلاف والتنوع فيما بينها..أو فيما يتعلق بنقل السلطة من المجلس الاعلى للقوات المسلحة  الى المؤسسات المدنية المنتخبة ..
ونحن نعلم  ان عملية الانتقال هذه ليست يسيرة ..فترك السلطة من قبضة اليد ..عادة ما يداخله تباطؤ وتشكك  ..فى اغلبه يكون غير مفهوم وغير مبرر. ثم ان هناك ميراث من الشك التاريخى الغيرعلمى والغيرعادل  حول التيار الفكرى والسياسى القادم منه السيد الرئيس.. وهو ما تداخل فيه القلق الصحى المطلوب والمهم.. مع نزعات الحقد السياسى والايديولوجى الكريهة  الى الحد الذى لم تراعى فيه مصلحة الوطن ومستقبل الاجيال القادمة.
  • يمثل الجهاز القضائى فى مصر احد اهم اركان الدولة ..وهو جهاز عريق وعظيم ولديه ذخيرة لا تنفذ من الخبرات والتجارب القانونية فى كل مجالات المعاملات القضائية  بما يؤسس لقاعدة اساسية  وراسخة فى الفكر القانونى و بما يجعلنا نطمئن كثيرا الى فكرة (القضاء العادل) التى  تحصن الدولة وتحفظها ..على ان توزيع السلطات بين الهيئات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) وتحديد اختصاص كل بجلاء ووضوح يمنع تجاوز الحدود بينها..مع أهمية فتح قنوات معينة لتحقيق (المراجعة والتوازن) بين مختلف السلطات.
اتصور ان اقل الهيئات تاثرا بالفساد العريض العميق الذى نفذه النظام السابق على قدم وساق ..كانت الهيئة القضائية .. التى حافظت_قدر المستطاع_ على قدر غير قليل من الاستقلالية والتمايز ..لكننا اندهشنا وتالمنا من تصريحات السيد المستشار رئيس نادى القضاة ليست فى جانبها  الفقهى والقانونى والذى رصد كثير من الاختلاف حوله ولكن فى لغة الخطاب التى يخاطب بها راس الدولة المصرية ورمزها الأعلى.
راينا كيف كان القضاء فى تركيا أحد الأدوات الشرسة فى الصراع السياسى  الذى لم يكن فى حقيقته صراعا بين المفيد والأكثر فائدة بل كان صراعا  تكتنفه معطيات معقدة هى أبعد ما تكون عن واقعنا وأحوالنا ..على أننا نتطلع  الى الوصول  لصيغة استقلال تامة وكاملة لهذة السلطة الأقوى والأقدر  فى تحقيق الاستقرار الادارى والسياسى والاجتماعى .
  • لم تسلم بعض النخب المصرية من تحيزات تغلبت فيها الايديولوجىة الضيقة على الوطنية الأرحب..وهو موقف لن ينساه التاريخ بسهولة ..ونتابع الأن الحالة الاعلامية التى تكونت  برؤوس أموال هائلة فى وقت وجيز ..ووضح من مادة موضوعاتها  واختياراتها الى انها  فى حالة عداء عنيد مع (الدولة الجديدة ) التى انتجتها الثورة .. ووضح من خلال الالحاح والتمادى فى  التطاول على فكرة (السيادة) التى يمثلها (مقام الرئاسة)..
ان الاحساس الوطنى لديهم  بدا مجروحا ومعيبا . ظهر ذلك بوضوح فى هجومهم على قامات اعلامية وثقافية وأدبية كبيرة لا لشىء الا انها انحازت لفكرة (الدولة المستقرة) من خلال تأييدهم ودعمهم لرئيس الدولة المنتخب بإرادة الشعب …وقد حكى لى أحد الأدباء الكبار عن الضغط الرهيب الذى يمارس عليه ليتحول  فى موقفه ويهاجم (رئيس الدولة)  حاطا من قدره وقدرته على تحمل مسؤلياته. وهو ما تأبى على اخلاقه ووطنيته وحبه لبلاده .. 
وأخيرا ..يحدونى الامل الكبير واليقين العميق من ان وطننا سيتجاوز حالته الراهنة القلقه متقدما  للامام  باتجاه المستقبل  حيث المؤسسات المستقرة المنتخبه من الشعب، وحيث الادارات الأكفأ والاقدر، وحيث الاحزاب الأقوى والأكثر تحملا وحلما وتحقيقا لأمال شعبنا الحبيب.. وحيث التعبير عن الاختلاف الحيوى المشروع فى المجتمع وحيث جيش عظيم بقواته المسلحة التى تحمل مهمة واحدة وواحدة فقط كما قال المشير أحمد اسماعيل رحمه الله (ان تؤمر بالقتال فتقاتل)، إذ ساءه كثيرا -حين تسلم مهامه قبل حرب اكتوبر المجيدة- انشغال ابنائه فى القوات المسلحه بما يصرفهم عن هدفهم الأسمى. وحيث اعلاما مهنيا  أمينا يصون شرف الكلمة وسلامتها ويعكس الضمير الهادى اليقظ لهذا الشعب العظيم وأمانيه  فى الحياة الكريمة…
————————-
مقال نشر بجريدة الأخبار الجمعة 21 يوليو 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق