الجمعة، 12 يوليو 2013

الإخوان والحكومة.. من يسمعنى؟ (2) مصطفى كمشيش

لا أنتمي لأي من طرفي المعادلة السياسية الحالية، (مؤيدي الرئيس ومعارضيه), وربما يتيح لي ذلك فرصة النظر دون قيد, وربما يتيح ذلك للقارئ أن يجد كلامًا محايدًا, لقد كتبت مقالاً بهذا العنوان في 2006 دعوت فيه كلاً من الحكومة والإخوان وقتها لمراجعة المواقف المتعلقة بالآخر, ولم يستمع الطرفان, فلم تقم الجماعة بمراجعة كثير من ملفاتها, فخرجت للناس بعد الثورة (كما هي)، فتآكلت شعبيتها يومًا إثر يوم, ولم يقم النظام (وقتها) بمراجعة مواقفه مع الجماعة وغيرها فسقط في 25 يناير 2011م, ولعلنا أشد ما نكون حاجة الآن إلى حديث العقل في ظل سيطرة حديث المشاعر..

1/ المشهد السياسى: وصف وحل
الإخوان أخطئوا كثيرًا جدًا منذ البداية وفي المسار كله, ولكنهم يشعرون بالظلم في النهاية, لقد كان أقصى مطالب المعارضين هو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة, وحينما تدخلت قيادة الجيش كان ذلك لصالح المعارضين فقط وعزلت الرئيس, فإذا كان من الضروري لمصلحة البلاد والعباد (اليوم ومستقبلاً) تحقيق مطالب المعارضة فقط والتي رأت قيادة الجيش أن الرئيس لم يستجب لها, ولم تجد مفرًا من التدخل بإجراءات استثنائية, فقد كان من المتصور أن تُعيد الكرة في ملعب الشعب, وتدعو لانتخابات رئاسية مبكرة, وأحسب أن سوء أداء الرئاسة والإخوان وارتباك حالة البلاد والعباد لم يكن من الممكن أن يتم ترجمته إيجابيًا لصالحهم في الصندوق!
هذا الحل الاستثنائي يمكن العودة إليه مرة ثانية, لأننا يجب أن نتخطى اللحظة بكل ما فيها من انفعالات الفرح بالنصر والحزن للهزيمة, والنظر إلى استحقاقات الغد, فكم بُذلت من جهود كبيرة لإقناع الإسلاميين بالإيمان بقيم الغرب، وأهمها الاحتكام إلى الصندوق لا الشارع, والتداول السلمي للسلطة؟ وحين لا يجد الناس جدوى من هذا, فسوف يدفع ذلك بعضًا من التيارات إلى العنف, وهو ما يعلمه كثير من الباحثين والسياسيين وعلماء الاجتماع.
لذلك أظن أن ما يجري حاليًا في مصر هو أكبر مُفرخ لنشوء حركات جهادية جديدة وتقوية القديمة.. كما أن ما جرى سيعطى حججًا وذرائع كبيرة لمروجي العنف حين يخاطبون الناس بقولهم (وقد قالوا): [ألم نُحذركم من "ضلال" هذا المسار؟ فماذا أخذتم من الديمقراطية؟ ليس هذا سبيلكم للتغيير والإصلاح].. ولا أحسب أن الأمر سيقتصر علينا, بل سيترك أثاره في كثير من البلدان.. إن الحكيم لا ينظر لليوم فقط لكنه يمتد ببصره لمآلات الغد..

2/ مصلحة الناس
إذا رأى الإخوان أن مصلحة الناس تتحقق حين يعودون إلى الوراء فليفعلوا.. ربما يفهم الإخوان أن أهدافهم أرقى وأسمى من المطالب الحياتية، كالأمن والطعام والوقود والمسكن والعمل.. لكن الشعوب ترى لها أولوية وأهمية قصوى, وإذا بدا أن الخليج وغيره ومؤسسات دولية ورجال أعمال بالداخل والخارج مستعدون لدعم الاقتصاد المصري مع النظام الجديد (بعد عزل د.مرسي) بما ينعكس على مصالح الناس إيجابيًا.. فلم لا؟

3/ السياسة جولات
دون الحديث عن الصواب والخطأ, لو افترضنا عودة د.مرسي لمنصبه, فهل يستطيع أن يحكم؟ كيف يحكم ومؤسسات الدولة أظهرت معارضتها له؟ كيف يحكم بلا جيش ولا شرطة ولا قضاء ولا نيابة ولا إعلام.. إلخ؟ من ناحية أخرى, ألم يتعرض الإخوان من قبل لمظالم في ظل النظام السابق؟ ألم يبذل الإخوان جهدًا لإنجاح مرشحيهم في كثير من الانتخابات قبل 25 يناير 2011، وعندما كانت النتائج يتم تزويرها يحزنون على ضياع جهودهم، لكنهم كانوا يقلبون الصفحة ويسعون لخط صفحة جديدة؟
أليست السياسة (كما يقولون) لعبة.. تكون الكرة معك يومًا ومع غيرك في يوم آخر, هب أن د.مرسي (لا قدر الله) مات أو مرض مرضًا (لا قدر الله) أقعده عن العمل أو رسب في انتخابات الإعادة, أو أكمل مدته فلم ينجح في دورة ثانية.. أليس هذا كله وغيره واردًا؟
قد يقول قائل: لقد ظهرت نوايا النظام الجديد بغلق القنوات والاعتقالات وغير ذلك بما يُنذر بأيام صعبة قادمة للإسلاميين, لذلك أقول للحكومة: أن تتفهم ذلك وتبادر (بصدق) على تغيير مسار أثبت فشله في مصر وغيرها, ولم يقض أبدًا على فكرة وعلى إعداد المؤمنين بها.. وعلى الإسلاميين أيضًا بذل كل الجهود السلمية لتقليص ذلك ما أمكنهم, لكن عليهم في الوقت نفسه أن يقدموا بادرة كريمة وشجاعة (أحسب أنها ستكون مٌقدرة جدًا) تساهم في تهدئة الأحوال..  

4/ الخوف على الإسلام
قد يرى الإخوان أن الإسلام سيتضرر إثر ما جرى, ودون الدخول في هذا الجدل, لكننا جميعًا نؤمن أن الإسلام محفوظ من ربه, وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات وعاش الإسلام وانتشر.. وأن الراشدين منهم من مات ومنهم من قتل.. وأن الحسين قاتل حتى النهاية واستشهد, بينما تنازل الحسن فكان عام الجماعة (وهما سيدا شباب أهل الجنة.. لكن بدا أن لكل منهما خيارًا مختلفًا), علمنا التاريخ أنه قامت دولة بني أمية ثم سقطت وانتصرت الدولة العباسية ثم العثمانية ثم انهزمت, وكذلك في الأندلس وسقطت دول وجماعات كالمرابطين والموحدين وغيرهم, مصداقًا لقول الله سبحانه (وتلك الأيام نداولها بين الناس) – بين الناس بلا أي تمييز.

لقد قام ملايين من المسلمين في مصر وغيرها بتطبيق الشريعة دون قرار من حاكم.. التزموا بالصلاة والصيام والحج والزكاة ولم يزنوا ولم يسرقوا ولم يشربوا خمرًا ولم يتعاملوا برشوة أو فساد, وكم منهم من جاهد أعداء الأمة في ميادين القتال كما حدث في حرب أكتوبر 1973م وغيرها.. وكم من النساء قد التزمن وتحجبن في مصر وغيرها وفي البلدان الأجنبية دون قرار من حاكم.. فإذا حالت الظروف دون وجود حاكم (قد ترونه) يحرس الدين والعقيدة فإن حراسها الأكثر والأهم هم المسلمين أنفسهم..

5/ فوائد مرتقبة
ربما يشعر كثير من الإسلاميين بالظلم والقهر, ربما يلقون باللائمة على غيرهم, ربما يرون المشكلة كلها في العقبات التي وضعت في طريقهم من أطراف بالداخل والخارج, وإذا سلمنا (جدلاً) بكل هذا, لكنه, وفي نفس الوقت, ألا يتطلب الأمر النظر إلى الذات, ولماذا شعر كثيرون في مصر وغيرها بالتوجس من مشروعهم, وماذا فعلوا لإزالة هذه المخاوف؟
وإذا أغضب الإسلاميين ما يعتبرونه تجاوزًا من الآخر (بكل مكوناته)، ألا يمكنهم الشعور بما يشعر به آخرون، مما اعتبروه تجاوزًا في الكلمات والسياسات وعلى بعض المنابر والمنصات والفضائيات؟ فرُب ضارة نافعة, لإعادة النظر والمراجعة والتأهيل (إن صح التعبير).

وأخيرًا: 
على حكماء الأمة تجاوز اللحظة لبناء غد أفضل, بحل لا ينكسر فيه أحد أو يُقهر, لأن الانكسار ليس في صالح أحد, وليس في صالح أي قيمة, وليس في صالح أي وطن!

-----------------------------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق