الأحد، 14 يوليو 2013

بيان إلى الأمة حول الانقلاب العسكري وتهديد المسار الديمقراطي..... مركز الحضارة للدراسات السياسية

مصر لن تكون النموذج الجزائري في الانقلاب على الإسلاميين وفي الاقتتال الأهلي، مصر لن تكون نموذج باكستان الذي تتصارع فيه كفتان ويلعب الجيش بينهما دور المرجح، وستصبح مصر بإذن الله نموذجًا لديمقراطية جديدة في المنطقة. 

إن أخطر ما حدث في مصر يوم 3 / 7 هو إجهاض مسار الديمقراطية، وإسقاط قيم الديمقراطية، والشرعية الدستورية، وإصابة إرادة الأمة وخياراتها الحرة النزيهة في مقتل.
لقد زعم بيان 3 / 7 أنه جاء لمواجهة تهديدات الأمن القومي ورأب صدع الجماعة الوطنية وما حاق بها، فيما مثل هو في الواقع تهديدا كبيرا لهذا الأمن القومي، وزاد انقسام المجتمع أكثر من ذي قبل.

فالأمن القومي المصري مهدد بقوة الآن؛ فنذر الاقتتال الأهلي تتزايد، بل بدأت نذر المواجهة بين مؤسسات الأمن، وبين المعارضين للانقلاب العسكري، الرافضين لما تعرضت له الديمقراطية الوليدة في مصر من اعتداء سافر أخذ فيه الجيش جانب الأطراف المعارضة للرئيس مرسي على حساب كل الأطراف الوطنية الأخرى، وذلك بانقلاب عسكري صريح على الدستور والقانون والرئيس المنتخب تحت ذريعة أن الأمن القومي المصري في خطر والاستجابة لمطالب ثورة شعبية عارمة كما وُصفت. 
ولم يتحقق الأمن المنشود وفق بيان المؤسسة العسكرية في 3/7/2013، بل ازدادت التهديدات له على أكثر من مستوى.

1- إن المظاهرات الحاشدة ليوم 30/6، يرتهن مآلها -كموجة ثورية- بشرطين: الشرط الأول ما يتعلق بضرورة فك ارتباط هذه الموجة بالنظام السابق التي قامت ضده ثورة 25 يناير. أما الشرط الثاني فيتعلق بضرورة فك ارتباط هذه الموجة الثورية بأي تدخل للجيش أو انقلابات عسكرية بما يحفظ الثابت في الصياغة الجديدة للعلاقات العسكرية- المدنية، ومن المهم أن تحافظ هذه الموجة على أن تكون ثورة من رحم ثورة 25 يناير لا ثورة مضادة عليها؛ حيث إن ثورة 25 يناير كانت ثورة جامعة شاملة لكل أطياف المصريين، في حين جرى توظيف مظاهرات 30/6 لمصلحة الحكم العسكري ولدعم اتجاهات إقصائية لتيارات شاركت في ثورة 25 يناير. وكل هذا يهدد الأمن القومي المصري من جراء تدعيم استقطاب جديد ، وليس خروجاً من الأزمة، التي تنامت في ظل تصاعد الاستقطاب منذ مارس 2011.

2- إن الأمن المصري مهدد بقوة الآن بسبب حملات صناعة الكراهية التي تقودها بعض وسائل الإعلام المصرية بل والعربية أيضًا التي حولت المعارضة لسياسات مرسي، وهي مشروعة، إلى مشروع تحريض وتعبئة وتشويه وتخوين وتشكيك واتهامات ضد الإسلاميين بصفة عامة والإخوان بصفة خاصة، وعلى النحو الذي يهدد كل قيم الديمقراطية والحريات في ظل الانقلاب العسكري وتدخلات الدولة العميقة.

3- إن دخول القيادة العامة للقوات المسلحة 3/7/2013 إلى الساحة السياسية اقترن بالتدخل في مساحات من الممارسات الإعلامية والسياسية والثقافية، بحيث دخلت إلى الساحة الأمنية مثلما كان يفعل نظام مبارك أو يزيد، وتتزايد يومًا بعد يوم المؤشرات علي هذا الوضع، في ظل انحياز قيادة مؤسسة سيادية، كمؤسسة القوات المسلحة، إلى طرف في مواجهة طرف آخر يؤجج الصراع، ويؤدي إلى اضطراب في المجتمع، وفي ظل إشراك القيادات الدينية (الإسلامية والمسيحية) لتوفير غطاء لمشروعية الانقلاب العسكري على النحو الذي ابرز انحياز الأزهر والكنيسة القبطية إلى طرف دون طرف في الصراع السياسي الدائر، وهو الامر الذي ينال من الدور الوطني لهاتين المؤسستين، وما لذلك من انعكاسات على الأمن المجتمعي والجماعة الوطنية.

4- إن الأمن المصري مهدد بقوة في سيناء، وإن أحداثها الأخيرة تشير إلى ردود فعل غاضبة على التدخل الجديد للجيش في السياسة على حساب الشرعية والدستور والقانون، في نفس الوقت الذي يتزايد فيه إعلان إسرائيل عن نوايا تدخلية لحماية أمنها. فكلما انغمس الجيش في الصراع السياسي الداخلي، ازدادت المشاكل التي تهدد الأمن القومي المصري. وهذه من الدواعي الأساسية التي تجعلنا نطالب الجيش بالاهتمام بمهامه وأدواره الأساسية دون التورط في ساحات السياسة وصراعاتها.

5- إن الأمن المصري مهدد بقوة الآن لأن الحراك الشعبي الكبير من جانب القوى الرافضة للانقلاب العسكري ضد الدستور والديمقراطية في تصاعد مستمر. وبالرغم من تأكيد هذه القوى على السلمية وعدم اللجوء إلى العنف المسلح إلا أن أحداث العنف تتوالى بتكرار متزايد وباتساع المساحات. وفي حين يركز الإعلام على بعض أحداث العنف التي يتهمون بها مؤيدي الرئيس مرسي ويحولونها إلى مادة للكراهية والاتهام بالإرهاب، فإنهم يصمتون عن مجازر فجة يتعرض لها المعتصمون تأييدًا للرئيس في ميدان النهضة وفي الأقاليم، وأخيرًا أمام دار الحرس الجمهوري. وفي حين يحظى المؤيدون للانقلاب العسكري المعتصمون والمتظاهرون في كل مكان بتأمين الجيش والشرطة، فإن شركاءهم في الوطن على الجانب السياسي الآخر لا ينعمون بهذه الحماية بل يعانون من الهجوم المضاد عليهم والاتهام بالإرهاب والمطالبة باعتقالهم وتصفيتهم.

6- إن الأمن المصري يهدده الآن، على ضوء مؤشرات تطبيق خارطة الطريق المعلنة في 3/7، مغالبة جديدة ضد الجامعية التى تحقق الوئام السياسي والمجتمعي، في حين كانت أحد أهم أسباب موجة 30 يونيو الاحتجاجية، هو اتهام حكم الرئيس مرسي بالمغالبة والإقصاء. ولا يمكن تصور أن عملية إقصاء ومغالبة جديدة ستؤدي إلى حل مشكلات الأمة. فمن خبرة تاريخ مصر القريب فإن المغالبة لم تفرز إلا احتجاجات واستقطابات مقيتة، وفي هذا خطورة على مستقبل الجماعة الوطنية المصرية ولحمتها وتماسكها، وهو ما نحن في حاجة إليه في الآونة المتعلقة بالانتقال والبناء. وهناك استحقاقات للأمة الجامعة لم تتحقق حتى الآن، ولا بد أن تتحقق.

7- إن الأمن القومي المصري، بل ثورة 25 يناير، يهددهما عودة رموز النظام السابق وروحه إلى المشهد بنفس الأساليب والآليات القديمة، بل برز الاتجاه للحديث عن "ثورة 30 يونيو" تجاوزا لثورة 25 يناير 2011.

8- إن الأمن المصري، من مدخل الاستقلال الوطني، مهدد بتحالف إقليمي ضد الثورات العربية، وهو التحالف الذي يقع في نطاق مشروع "الشرق الأوسط الكبير" الذي واجهته الثورات العربية باندلاعها.

وبالتدبر في خصائص المشهد الانقلابي وتصاعد الحشود ضد هذا الانقلاب، وبالتدبر في كل هذه التهديدات للأمن المصري، وما تتطلبه من استجابات وطنية، فإن بعض البيانات التي صدرت من مؤسسات رمزية مثل: الأزهر وعلى رأسه الإمام أ.د.أحمد الطيب، وقامات وطنية مثل أ.د.حسن الشافعي رئيس مجمع اللغة العربية، تناولت آليات مهمة للخروج من الأزمة الراهنة، وتأسيساً على هذين البيانين وغيرهما من مواقف ومبادرات صدرت من قوى وطنية أخرى، واستكمالاً على هذا كله، وانطلاقا من رفض مرحلة غير دستورية وغير ديمقراطية، ولكن سعياً نحو تخفيف وطأة الوضع الراهن، فإن حماية الأمن المصري وتماسك الجماعة الوطنية في حاجة ماسة أن نضع على سلم أولوياتنا حماية المسار الديمقراطي، وشروط ما قبل المصالحة، ثم مستلزمات خارطة طريق عملية بناء المصالحة الوطنية الشاملة.
ونحن نُصدِّرُ، في هذا البيان، معنى مهماً يجب أن يستقر في أذهان الجميع؛ بأن هذه الاقتراحات لا تعني بحال إضفاء شرعية على حالة غير دستورية، ولكنه تعني ضرورة التعامل مع الموجود لإخراج الوطن من مأزق يمكن أن يبقى فيه ومنزلق لا يخرج منه.
وعلى الرغم من الحالة المتأزمة التي تمر بها مصر، والانقسام الواسع في الرؤى والمواقف، فإن الأرضية التي يمكن بل يجب أن نجتمع عليها -مع صعوبتها- هي استعادة الديمقراطية وحمايتها ومقاومة العودة الغاشمة للدولة العميقة؛ وذلك بقوة شباب الثورة وتفعيلهم لضغط الشارع الواعي. وذلك يبدأ من توفير الشروط الأساسية لاستعادة الديمقراطية وضماناتها، وهذه بدورها تستلزم الشروط الأساسية للمصالحة الوطنية التي تهيء المناخ لاستعادة الديمقراطية، خاصة أن الدولة العميقة ظهرت بكل مؤسساتها وممارساتها ضد الجميع.

أولاً- شروط ما قبل مصالحة وطنية:
1- الإسراع بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين –وعلى رأسهم الرئيس محمد مرسي- وحماية المتظاهرين السلميين وتأمينهم وعدم الملاحقة السياسية لأي منهم.

2- ضرورة فتح تحقيق عاجل في كل الدماء التي سالت، وإعلان النتائج الحقيقية أولاً بأول على الشعب المصري ومحاسبة المسئولين عنها. 

3- ضرورة قيام جميع وسائل الإعلام المختلفة بالواجب الوطني في تحقيق المصالحة الوطنية واالامتناع عن كل ما يثير الاحتقان، أو يعمق الكراهية بين أهل الوطن الواحد، ويشوه قوى وطنية حقيقية. 

4- الإعلان العاجل عن مدة الفترة الانتقالية فيما لا يزيد عن ستة أشهر، ضمن جدول زمني واضح ودقيق للانتقال الديمقراطي.

5- سرعة تشكيل لجنة المصالحة الوطنية وإعطاؤها صلاحيات كاملة لتحقيق المصالحة الشاملة دون إقصاء لأحد من أبناء الوطن، فالوطن ليس ملكاً لأحد بعينه، وهو يسعُ الجميع.

ثانيا- المصالحة واستعادة مسار الديمقراطية:
المصالحة أهم شروط حماية الديمقراطية وتوفير أسسها وضماناتها وامتناع السير إلى مغالبة جديدة ومقاومة تدخلات الدولة العميقة، ومن أهم مبادئ بناء هذه العملية:

1) إن جهود المصالحة الوطنية ليست للاستهلاك الإعلامي، وليست سدًّا للخانات أو إبراء للذمة، ولكنها جهود متواصلة ومستمرة وشبكية لترميم كل الصدوع التي أصابت الجماعة الوطنية والعلاقات بين القوى السياسية والحزبية والمجتمعية، كما أنها ليست عملية نخبوية أو مبادرة رئاسية، ولكنها عملية وطنية مستمرة وشاملة.

2) لا يمكن أن تقوم مصالحة وطنية على استبعاد أي فصيل أو إهانته أو التهوين من وجوده ومكانته. ذلك أنه بحكم تعريف المصالحة، هو ضد مسار المصالحة ذاتها. ومما لاشك فيه أن بوادر مغالبة وإقصاء قد ظهرت في تطبيق خريطة انتقال الانقلاب العسكري، رغما عن التصريحات يجري بغير ذلك.

3) إن جهود التفاوض المجتمعية والسياسية، الظاهر منها وغير المعلن، لا بد أن تستلهم أصول هذه الثوابت التي تتعلق بعملية المصالحة المستدامة حتى لا نتعامل مع هذا الأمر بالقطعة أو بالانتقاء ولكن ببناء استراتيجية متكاملة لعملية مصالحة جذرية وحقيقية تجنب البلاد مخاطر الانزلاق إلى اقتتال أهلي.

4) إن المؤسسة العسكرية يجب أن تدقق في خطابها وكافة أعمالها ومواقفها حتى لا يتسرب إلى ذهن أي أحد أنها تتحيز لفئة دون فئة؛ الأمر الذي يضر بهذه المؤسسة ومتطلبات الأمن القومي وينال من تماسك الجماعة الوطنية، وهو الأمر الذي لا يليق بكافة المؤسسات الوطنية التي تخدم الوطن بجميع أبنائه وتنوعاته.

5) إن فتح باب وملف المحاكمات لابد أن يكون ضمن استراتيجية واضحة للعدالة الانتقالية وليس لأغراض انتقامية، ذلك أنه إذا أرادت مؤسسات الدولة الحاكمة أن تفتح ذلك الباب فليكن ذلك ضمن إطار القواعد العامة المنصفة والتي تؤكد علي فتح باب المحاكمات بعد ثورة 25 يناير سواء لنظام مبارك أو تابعيه أو المجلس العسكري السابق في فترته الانتقالية أو في فترة حكم الإخوان الأخيرة، فمن العدل إذا تم فتح هذا الباب أن يُفتح على الجميع وليس انتقائياً أو انتقامياً.

إن الهدف الأساسي من هذا البيان وتلك المبادرة هو الإسهام في أمن هذا الوطن ووحدة الجماعة الوطنية والحفاظ على ثورة مصر في 25/1/2011 وهو ما يجب أن تستهدفه شعارات الموجة الثورية في 30/6.
حفظ الله مصر

أصدره:
مركز الحضارة للدراسات السياسية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق