الأربعاء، 31 يوليو 2013

مجتمع سفسطائى ولا سقراط له.... معتز بالله عبد الفتاح


من يتابع الجدل المصرى الحالى بشأن ما حدث منذ 25 يناير وحتى الآن، يكتشف أننا مجتمع أصيب بمرض «السفسطة» والتى هى عند Sheldon Wolin (وهو عملاق من عمالقة دراسة الفكر الغربى): «مهارة استخدام مفردات اللغة لإثبات صحة الحجة أو عكسها من أجل الوصول إلى حقيقة معينة تخدم مصلحة صاحبها».

إذن، هذه السفسطة تتكون من ثلاثة عناصر كبرى وفقاً لـSheldon Wolin: مصلحة ذاتية، حجة مفبركة، لغة غامضة.

لجميع البشر مصالحهم، ولا تفهم المصالح إلا فى ضوء أولوياتها حين تحدث صراعات بينها، ماذا يقدم على ماذا، ومن يقدم على من؟ والمصلحة تستدعى بالضرورة بناء الحجج واستخدام اللغة. عند البعض الدولة فوق الديمقراطية، فلو جاءت الديمقراطية بجماعة أو حزب أو شخص يدمر الدولة، فلا للديمقراطية، وهو الشعار الشهير الذى رفع فى أعقاب الحرب العالمية الثانية بعد هزيمة الفاشية الإيطالية والنازية الألمانية: «لا ديمقراطية لأعداء الديمقراطية»، ولكن البعض قد لا يرى أن ما حدث فى مصر له علاقة بالتناقض بين الدولة والديمقراطية، وإنما هو مرتبط بإرادة الناخبين واستبداد الجيش والدولة العميقة وعندهم الشرعية الانتخابية فوق التدخل العسكرى حتى لو كان مدعوماً من مؤسسات الدولة الأخرى (قضاء، أزهر، كنيسة، شرطة)، وأن ما حدث فى يونيو ويوليو 2013 هو «ثورة مضادة» أو «انقلاب عسكرى».

حتى الآن: هذا خلاف صحى ومنطقى وفلسفى سليم وقائم على وجهات نظر معتبرة، لكن المأزق الذى نواجهه حين نبدأ فى مواجهة من يفتعلون الحقائق وينسبون لغيرهم ما لم يقولوه ويفبركون التصريحات ويتعسفون فى تفسير الكلمات ويغلبون قراءة شاذة غير مستندة لتاريخ أو سيرة مستقرة ولا يقدمونها باعتبارها «قراءة»، وإنما هى «القراءة» الوحيدة الصحيحة وأن من لا يراها هو إما غير وطنى أو غير مسلم، وهنا تتحول السفسطة إلى فاشية حمقاء يدفع ثمنها الأبرياء من شهداء ومصابين يظنون أن من يقودونهم موضع ثقتهم، ولهذا حين واجه «سقراط» السفسطائيين فى عصره، بدأ معهم بتعريف المصطلحات، حتى وإن كان هناك أكثر من تعريف لنفس المصطلح، والاتفاق عليها ابتداء حتى يكون النقاش لاحقاً فى الاستنتاجات وفقاً للتعريفات المتفق عليها، ولا يتم التلاعب باللغة وإعادة تعريف المصطلحات حتى نصل إلى استنتاجات تتفق مع مصالحنا.

ولنأخذ مثلاً حواراً دار بينى وبين عدد من الأصدقاء من مشارب مختلفة عن تعريف «الثورة» وتعريف «الانقلاب». وكان ردى أن معضلة العلوم الاجتماعية هى فى طبيعة مصطلحاتها وكيفية توصيف الحوادث، خذ مثلاً الإرهاب والمقاومة، هل تفجير شخص لنفسه فى وسط حافلة تحمل أشخاصاً مدنيين عملية استشهادية تقع فى إطار المقاومة، أم هى عملية انتحارية تقع فى إطار الإرهاب؟ أعتقد أننا سنميل للربط بين المصلحة والحجة واللغة، لو الشخص الذى فجر نفسه اسمه محمد والحافلة كانت تحمل إسرائيليين، فعند أغلبنا هذا عمل من أعمال المقاومة، ولو كان الشخص الذى فجر نفسه اسمه كوهين والحافلة كانت تحمل مسلمين، فعند أغلبنا هذا عمل من أعمال الإرهاب، ومع كل محاولات تعريف الإرهاب والمقاومة الأكاديمية والتى تبنتها المؤسسات الدولية، لا يزال كل شخص يتبنى وجهة نظره الشخصية.

ولنناقش قضية الثورة والانقلاب، لو كان المعيار فى الثورات هو نقاءها من تدخل الجيش وإلا تصبح انقلاباً، إذن ثورة «عرابى» لم تكن ثورة، وثورة 1952 لم تكن ثورة، وثورة 2011 لم تكن ثورة، وثورة 2013 لم تكن ثورة، وبالتالى لم تقم ثورات فى تاريخ مصر الحديث قط إلا ثورة 1919 وفقاً لهذا التعريف. ولو كان المعيار فى الثورات أنها فعل وطنى مضاد لأعدائى والانقلاب فعل خائن مضاد لأصدقائى، إذن فمن وجهة نظر مؤيدى السلطة: عرابى خائن والخديو توفيق عظيم، وعبدالناصر خائن والملك فاروق عظيم، ومن شاركوا فى ثورة 25 يناير خونة ومبارك عظيم، ومن شاركوا فى ثورة 30 يونيو خونة ومرسى عظيم.

الشعوب تتعلم من أخطائها، والثورة الجديدة جاءت لتقول لنا إن ديمقراطية الوصول إلى السلطة ليست بديلاً عن ديمقراطية ممارسة السلطة، وأن الأغلبية الانتخابية لا تعنى ملكية الوطن وإنما تعنى إدارته مؤقتاً بما يحقق مصالح كل مواطنيه، وهذا درس لنا عسى أن نتعلمه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق