السبت، 22 فبراير 2014

الإبداع الفني للحضارة الإسلامية (3).... بقلم : مهندس / محمود صقر



(3) الإبداع الفني

قلنا أننا سنتحدث عن الإبداع في الفن الإسلامي، وسنتخذ من الفن التشكيلي نموذجاً نتحدث عنه في هذا المقال ومقالات تالية.
تميزت حضارة الإسلام بأنها وضعت ضوابط شرعية في كل ما يتعلق بحياة المسلم بما فيها الفن.
وجد الفنان المسلم نفسه محاطاً بقيود وضوابط توجههه إلى الابتعاد عن تصوير (رسم) ما فيه روح، وتمنعه من عمل التماثيل.
كيف يلتزم بتلك الضوابط وكل الانتاج الفني للحضارات من حوله تقوم على التماثيل ورسم الأشخاص، فأينما دخل في معابد الهند وبلاد فارس ومصر، وآثار حضارة اليونان والرومان، يجد التماثيل بمختلف أشكالها، والكنائس وسائر دور العبادة تزينها صور الأشخاص والمقدسات.

فإن كان كل هذا حرام ، فماذا يفعل الفنان المسلم؟
هل يتمرد على قواعد الشرع، ويساير فنون عصره؟، أم يعادي فطرته ويكبت نوازعه ويتخلى عن الفن؟ أم يقبل التحدي ويبدع فناً؟.

قبل الفنان المسلم التحدي ، ودخل معترك الفن ، فأبدع فناً تشكيلياً جديداً يقوم على الحرف والكلمة والجملة العربية، وعلى الزخرفة بأشكالها النباتية والهندسية البديعة، كما أبدع عمارة امتدت لتشمل كل مظاهر الحياة ولم تقتصر على دور العبادة فقط.
وأهم من هذا، أنه أبدع فلسفة جديدة للفن ، فبدلاً من فلسفة "الفن للفن" التي قامت عليها الحضارات المتزامنة مع وجود حضارة الإسلام، أبدع فلسفة "الفن في خدمة الحياة".

 فبدلاً من أن يكون الفن متمحوراً حول آلهة موهومة مزيفة، وأشخاص وحيوانات مقدسة، وحكام وأسر أرستقراطية، صار الفن في حضارة الإسلام أسلوب حياة، فلم يعد مقصوراً على دور العبادة فقط بل في كل بيت. بدءاً من عمارته التي تتميز بالخصوصية والبيئة الداخلية الخضراء، والجمع بين الهدوء وتدفق الضياء، مروراً بزخارف الخط العربي والزخارف الإسلامية التي تزين الجدران، وصولاً إلى أدوات الاستخدام اليومي من أواني، وأسلحة، وسجاجيد، حتى تجليد الكتب وتزينها بالمنمنمات (الصور الدقيقة) من الداخل ، وتزيين المصاحف بالزخارف ، كل هذه العناصر مزينة بالفن الإسلامي الفريد .

وامتد الفن الإسلامي ليصبغ الحياة العامة بصبغته الفنية في الأسواق أو القيصرية، والأسبلة (المكان الذي يستسقي منه المارة)، والتكية (بيت الدراويش) والحمامات العامة، والمدارس، وأسورا المدن...
تستطيع أن تتذوق هذا الجمال، وأنت تتجول في شوارع القاهرة، ودمشق، واسطنبول، وسائر الحواضر التي أشرق عليها الإسلام، فصبغه بلمسة من جماله وجلاله.

باختصار أبدع الفنان المسلم فناً جديداً جعل معنى الفن في الإسلام يختلف تماماً عن معنى الفن المسيحي، أو الفن البوذي.
فالفن المسيحي يعني الفن الذي صنع خصيصاً للكنيسة من تصوير وموسيقى ونحت وغيرها، وكذلك الفن البوذي، هو فن المعابد وكل ما يتعلق ببوذا....

بينما يعني الفن الإسلامي، كل ما قام بصنعه المسلمون، أو كل ما ابتكره من حِرَف وفنون في البلاد التي أشرق عليها شمس الإسلام ، في كل ما تقع عليه عينك في البيت والسوق والطرقات ودور العبادة.
ولك أن تتخيل، لو ساير الفنان المسلم فنون عصره- حتى وإن طورها- هل كنا سنبدع هذا الفن الجميل الذي صار علماً على حضارتنا الاسلامية ، وصبغ البلاد التي فتحها بصبغته.
 
نعم نحن مدينون للفنانين الذين أبدعوا تلك الفنون.
التي جعلت لنا حضارة مميزة بخصائصها الفنية، وهذا ما سنفصله في المقال القادم إن شاء الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق