الاثنين، 3 فبراير 2014

كيف تنهار جمهورية الخوف؟...... أحمد عبدربه

سأله أحدهم ألا يدخل الأباطرة المرحاض لقضاء الحاجة؟ فأجاب بلى يفعلون، فعاد ليسأله مجددا ألا يخلدون للنوم؟ ألا يمرضون؟ ألا يخافون؟ فعاد للرد... بلى يفعلون. فعاود بسؤال ثالث، فكيف اذن يحافظون على ملكهم وسطوتهم وجبروتهم؟ فأجاب صاحبنا..هم لا يفعلون شئ، هم فقط يقبلون أن يكونوا على رأس نظام متكامل يصنع من الخوف شرعية ومن المشى بجانب الحائط وأكل العيش أسلوب حياة ومن تحطيم الأحلام ووأد الأفكار واشاعة الخوف وكسر الإرداة وفضح المستور أداة للحكم.
فعاد السائل ليختم أسئلته وهل ينهارون؟ فرد صاحبنا، ينهارون فى دقائق، يتداعون فى لمح البصر، يلوحون بالرايات البيضاء فى غمضة عين، ألم ترى كيف سقطت بغداد صدام؟ ألم ترى كيف هرب بن على تونس؟ ألم تقرأ كيف كانت نهاية يابان الامبراطور هيروهيتو؟ فعاد السائل ليلح فى السؤال، كيف ولماذا يحدث ذلك؟ فقال له صاحبنا أترى دولتنا الشديدة؟ أترى هيبتها؟ شاهدت شعبها وهو يهتف ويفوض على قلب رجل واحد؟ شاهدت ساساتها ومثقفيها ومشاهيرها وهم يمجدون فى الحاكم ويبررون له السياسات ويتغاضون عن الكوارث؟ رأيت رجال دينها وهم يدعون له بالحياة والعمر المديد ليل نهار؟ كل هذا بؤس...كل هذا مظهر...كل هذا إيحاء ودعني أوضح لك:

•   بلدنا بها وزير مزنوق، دخل وحاول الخروج، اعتقد أنه قادر على التغيير بعد الإطاحة برأس الدولة الفاشل فى موجة ثورية، خطط لتشريع قوانين الحريات، تشاجر فى مجلس الوزراء اعتراضا على قمع ووأد الديموقراطية، ترأس اللجان لحماية المسار، لكنه شاهد كل ذلك يتحطم على صخرة رجال الدولة العتاة، حاول الصراخ فلم يستمع له أحد، حاول الخروج، فهدده أحدهم بأدب قائلا " لاتفعل! ألم ترى مافعلوه مع نائب رأس الدولة؟"،   علم الوزير الديموقراطى أنه رغم نيته السليمة لاخروج أمن وأنه غرر به، فجلس ينتظر الفرصة للنجاة، وحينما حانت نفذوا تهديدهم بالفعل.

•   جمهوريتنا بها مثقف مدنى، جاب العالم بأثره، ضاق ذرعا من حكم الجماعة، انضم للمسار فور سقوط الأخيرة، برر للقمع، نظر لخصوصية الديموقراطية فى بلدنا، غض الطرف عن مجازر فض الاعتصام، تورط فى الدفاع عن المسار، كلما شاهد بعينه التراجع عن الديموقراطية والمدنية أقنع نفسه وجمهوره أن كل ذلك مؤقت وأنه حتما هناك لحظة للتحول، ولما طالت الأخيرة كان صاحبنا قد انهار، هجره قرأه ومعجبيه وخسرجمهوره وزملائه، حاول التراجع عن كل ما قال وكل مانظر، لكن كان الوقت قد فات بعد أن أدرك جرم ما فعل وحجم ماتورط فيه... فجلس ينتظر المعجزة لينجو!

•   محروستنا بها إعلامى مشهور...صحفى كبير، معارض سابق، ملئ السمع والبصر، صال وجال فى الماضى، ولكنه قرر أنه لايمكن للانسان أن يعيش العمر كله معارضا، قرر مساندة النظام، قلب كل ثوابته رأسا على عقب، جلس أمام الشاشة يوميا ليسدد الضربات ويحصل الفواتير وينعم بالشهرة والرضى..رضى السلطة قطعا!
سأله تلميذه لماذا تخليت عنا؟ لماذا غيرت مبادئك؟ تلعثم قليلا ثم أجابه لقد ناضلت بما فيه الكفاية البركة فيكم..فعاد التمليذ ليسأل ألا تخشى أن تدور الدوائر؟ فأجابه بحسم..لن تدور! انتهى من الحرج أمام التلميذ، ليدخل أمام الكاميرات، يطبل ويهلل ويزيف، أنهى الحلقة ومكالمات الاعجاب تنهمر عليه يمننا ويسارا لعل أهمها من المسؤل الكبير الذى قال له "وطنيتك هذه لن ننساها أبدا، لقد كنت رجلا وقت الشدة ونحن لاننسى رجالنا" أغلق الهاتف مكتفيا بالإطراب الذى سمعه،
فإذا بمعاونيه يخبروه، تلميذك الذي تحدثت اليه منذ قليل قتل برصاص فى مظاهرة من قبل من كنت تدافع عنهم وتبرر لهم!..لم ينبث بكلمة، دخل غرفته، أغلق الباب عليه وبصق على صورته فى المرأة مقرا فى نفسه بأنه خائننا كبيرا..بكى، وخذه ضميره، لكن فجأة دخل عليه رئيس التحرير ليراجع معه محتوى حلقة الغد للاحتفاء بتصدى الداخلية للارهاب... هز صاحبنا رأسه بالموافقة على أى محتوى فى استسلام منتظرا للفرج!

•    فى دولتنا، صحفية نابهة، وقفت مع الثوار فى ٢٥ وخاضت كل المعارك ضد نظام الرئيسين الأسبق والسابق ، حصلت على ترقية فى صحفيتها لكشفها قضايا فساد فى عهد المخلوع، ولفضحها انتهاكات الداخلية فى عهد المعزول، كتبت بفخر عن الموجة الثانية للثورة، خرجت لتهتف مع خطيبها المراسل فى أحد القنوات الاخبارية الشهيرة بعد التخلص من حكم الجماعة، مرت الأيام عليها وهى تحصد النجاحات، تكتب بضمير وحرفية إلى أن جاء اليوم الذى حاولت فيه انتقاد دستور البلاد الجديد الذى يحاكم المدنيين عسكريا، استدعاها رئيس التحرير، وبخها قائلا... أين ذكائك؟ فردت أى ذكاء؟

 فقال "هذا الكلام لن ينشر...انتى عاوزة البعدا يرجعوا تانى؟" وقبل أن ترد، أنهى الاستدعاء بحسم.."الكلام الفارغ ده يتغير!"، قررت الرضوخ، غيرت المقال، ركزت على الايجابيات، وتركت السلبيات لعل عجلة الانتاج تدور، مر الدستور وهلل الشعب، شاركت في التهليل وهكذا فعل خطيبها المراسل...مرت الأيام، وفجأة قبض على خطيبها وهو يصور بكاميرته لقطات لضابط جيش يتشاجر مع شخص مجهول الهوية قرب أحد نوادى الجيش، نقل المراسل ما رأى على الهواء فى أحد التقارير فى غفلة غير مقصودة من رئيس القناة، حول المراسل إلي المحاكمة العسكرية، حاول زملائه  وخطيبته الصحفية مساعدته، كيف يحاكم عسكريا وهو مراسل قناة النظام (الليبرالية المعارضة سابقا)؟ طالبوا رئيس القناة بالتدخل فهو من أهل الحظوة..رفض الأخير قائلا أنا ليا حدود! فعاد الجميع إلى عملهم لأكل العيش ولكن فى انتظار الفرصة للانفجار وفضح المستور.

•   هو إمام مسجد مشهور، أفتى للناس فى صلاة أحد أيام الجمعة فى يناير ٢٠١١ بعدم جواز الخروج على الحاكم، وعندما خرج الشعب على الأخير، خصص خطبة الجمعة التالية عن دروس وعبر سقوط الأباطرة، ثم مالبث أن تحدث عن "نعم" التي تدخل الجنة و"لا" التي تلقي بصاحبها إلي النار، ثم عاد لتحريم المظاهرات ودعى للرئيس المؤمن وكفر معارضيه، وعندما سجن الأخير عاد ليلقى خطبه جديدة عن دروس سقوط الأباطرة، ومع اقتراب موعد الدستور الجديد عاد ليتحدث عن "نعم" الجنة و"لا" الدرك الأسفل من النار! سأله أحد مريديه بعفوية "هو الوحى بينزل ويطلع عليك يا مولانا كل شوية بكلام جديد؟" فغضب مولانا ونهره وذكره بألا يجادل حتى لا يهلك، سكت المريد متعجبا، وعاد مولانا للصلاة وفى احدي السجدات أطال الدعاء طالبا من الله أن يسامحه ويغفر له فالأمور ليست بيده هو فقط يتقي الفتنة، داعيا الله أن يأخذ ولى أمره أخذ عزيز مقتدر!

•   وكيل نيابة شاب وطموح ومطلع أتهم النشطاء بقلب نظام الحكم بناء على تحريات جهات سيادية، يعلم يقيننا أن التهمة ملفقة، وأن النشطاء لم يفعلوا، لكن الأمر أكبر منه "الدولة عاوزة كدة"!، نبس أحد النشطاء له وهو يودع مكتبه "ضميرك مستريح كدة؟"، لم يجبه بكلمة وتمنى وقتها لو لم يكن قد التحق بالنيابة والقضاء، سائلا الله أن يكون القاضى المختص أجرأ ويعطيهم البرأة أو الحكم المخفف أو ربما يخرجوا فى الاستئناف بعد أن تنزاح الغمة!

•   وأخيرا هو عضو فى الجماعة، قرأ كثيرا عن التمكين، اعتبر وصول رئيس الحزب للحكم نصر من الله، رأى كيف تدور الدوائر، حاول مراجعة نفسه واعادة قرأة المشهد، لم تعطيه الدولة فرصة، أعلنت جماعته ارهابية، ضغط عليه الأهل والأصدقاء ليتبرأ من عضوية الجماعة فى قسم الشرطة، ففعل، كتبت الصحافة عن قصته، ونقلت تصريحاته التي يسب فيها الجماعة الارهابية ويحمد الله انه قد أراه الحق ورزقه اتباعه، لكنه يضمر الكره للنظام وأقسم بينه وبين نفسه أن ينتقم من الدولة في صمت. قرر فى سكون أنه سيكون مرشدا مستقبليلا للجماعة بعد انهاضها من كبوتها فى السر، لكنه عاد للقسم عندما يتمكن المرة القادمة فلن يرحم أحد!

ثم عاد صاحبنا ليقول لسائله بعد أن روي له تلك المشاهد ...أترى ّهؤلاء؟... عمال وفلاحين وطلاب وموظفين ومواطنين علي باب الله، جميعهم غير راضون، جميعهم ضاجرون، جميعهم مألمون، جميعهم على استعداد للانفجار، فقط يسكتهم الخوف ولقمة العيش وسطوة القوة، ولكن ان لمحوا الفرصة فلن يتركوها، سيثوروا عن بكرة أبيهم، ثورة عشوائية تأكل الأخضر واليابس، وقتها ستنهار جمهورية الخوف بأسرع مما تتوقع، وقتها سيتمنى كبيرها لو أنه لم يستمع لسحرة فرعون الذين أغووه وأقنعوه أنه وحده القادرعلى لم شتاتها حتى ورطوه وأغرقوه ثم تركوه وحيدا والأن يفكرون فى جديد يسحرون له ويتمنكون من إغوائه لصنع جمهورية خوف جديدة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق