السبت، 15 فبراير 2014

طبق الكشري الوطني....محمد المهندس


"الأفكار المتنافرة لا تجتمع إلا في طبق كشري" هكذا نسب القول إلى د. أحمد عبد العزيز أحد مستشاري الرئيس المعزول د. محمد مرسي.
 
غالبية المحسوبين على التيار الإسلامي يتبنون مثل هذا الرأي ويعتبرون أن محاولات بعض السياسيين صنع حالة من الاصطفاف الوطني ما هي إلا وهم كبير في مخيلة أصحابه والداعين إليه حيث لا يمكن لـ "طبق الكشري" السياسي أن يتشكل في الحال أو المستقبل، بل ويرى كثير منهم أن مثل هذا الاصطفاف خيانة لمشروعهم الإسلامي الذي يجب أن يكون نقيا واضحا متمايزا عن باقي المناهج الأرضية (!) التي لا يمكن أن تتوافق مع مشروعهم السماوي!
 

(1)
 
"على صعيد الإصلاح ‏السياسي أكد الأستاذ عاكف أن الإخوان مصرُّون على أن تتوحَّد كافة ألوان الفعل ‏السياسي الوطني على أجندة توافقية؛ تحمل الحد الأدنى من أسس الإصلاح المرجوِّ، ‏مؤكدًا أن مشروعًا يدرسه الإخوان حاليًّا لإعادة إحياء التحالف الوطني من أجل ‏الإصلاح، يضمُّ كافةَ التيارات المصرية، والإخوان سيكونون فيه عضوًا مشاركًا لا ‏رأسًا مستأثراً."*
 
كان ذلك "طبق كشري" سياسيا مقدما من الإخوان في عام 2008 جمعا بين أفكار متنافرة؟
 
سبق ذلك طبق آخر في تحالف انتخابي شهير مع حزب الوفد الليبرالي في 1984؟
 
ربما كان خطأ وقصورا في الفهم!
 
(2)
 
"إننا نوقن كل اليقين أن الأهداف العظيمة والآمال العريضة لا يستطيع أن يقوم بها فصيلٌ وحده أو حزبٌ بمفرده، ولكن لا بد من تضافر كل الجهود، وتكاتف كل القوى الشعبية حتى تَعبر الثورة إلى شاطئ النجاح، وتتحقق الأماني القومية، وتستعيد مصر سيادتها وريادتها وتقدمها، ويعيش شعبها في المستوى اللائق به في كل مجال."**
 
هذا جزء من وثيقة التحالف الديمقراطي من أجل مصر الذي شارك فيه "طبق الكشري" المكون من أحزاب الحرية والعدالة (الإسلامي) والوفد وغد الثورة (الليبرالي) ومصر العربي الاشتراكي وغيرها من الأحزاب ذات "التقلية" عام 2011!
 
كيف يتحالف الإسلامي مع الليبرالي على أهداف مشتركة؟ كيف يجتمع الشامي والمغربي؟
 
كيف يجتمع المنهج السماوي مع المناهج الأرضية؟!
 
(3)
 
"قال الدكتور أحمد عبد العاطي منسق حملة الدكتور محمد مرسي رئيسًا للجمهورية: إن تغيير شعار الحملة إلى "قوتنا في وحدتنا" جاء تجسيدًا لشعار المرحلة القادمة في الحملة وتركيزًا على مد جسور التعاون المشترك بين أفراد ومتطوعي الحملة وكل الشعب المصري صاحب الثورة المصرية العظيمة، وفي مقدمتهم كل الوطنيين الشرفاء من جميع الاتجاهات السياسية والحملات الانتخابية للمرشحين الوطنيين الثوريين."***
 
عاد "طبق الكشري" للظهور من جديد بعد حملة رئاسية بنيت في جولتها الأولى على "المشروع الإسلامي" و"المرشح الإسلامي"!
 
زينت صور الليبراليين واليساريين والقوميين مطبوعات المرشح الإسلامي بعد أن اتجه إلى شعار "طبق الكشري" المسمى حينها "قوتنا في وحدتنا"!
 
ظهرت صور بلال فضل ورباب المهدي ووائل الإبراشي وعلاء الأسواني وعبد الحليم قنديل ويسري فودة ووائل غنيم وباسم يوسف وأبو إسحاق الحويني، وظهرت في الدعاية صورة القسيس مع الشيخ، وصورة المتبرجة مع المنتقبة!
 
اختفى التمايز الإسلامي، وظهر "طبق الكشري" الذي يجمع الإسلامي والليبرالي واليساري والقومي، والمسلم والمسيحي!
 
كانت كمية "التقلية" في طبق الكشري الجديد في أعلى مستوياتها على الإطلاق!
 
(4)
 
"سنخلع حتى الملابس التحتية .. المهم رضاكم عنا.. و قد نجح في عرض الاستربتيز الذي صنعه.. إلى حين"****
 
هكذا وصف أحد الشباب "الإسلامي" ما فعله حزب النهضة التونسي بعد تخليه عن الحكومة ومن ثم إقرار الدستور التونسي الجديد؛ لأنه قبل بصنع "طبق كشري" مخالف لتمايز المشروع الإسلامي!
 
هذه ليست لهجة هذا الشاب فقط، ولكنها لهجة الكثير إن لم يكن الأغلب من "الإسلاميين" الآن.
 
لم يكن هذا كلاما مرسلا من شاب يعبر عن مكنونه، ولكنه تعبير دقيق عن منهج حكم استمر عاما كاملا انتقل بأسرع من البرق من خطاب "قوتنا في وحدتنا" إلى أحاديث عن "وحدة الصف الإسلامي" و"الإسلاميين في مقابلة العلمانيين".
 
هكذا صُنع دستور 2012 بين الحرية والعدالة والوسط والنور، وهكذا جمع رئيس المصريين رجاله من الإسلاميين أمام قصر الاتحادية وفي استاد القاهرة وفي الصالة المغطاة!
 
"طبق الكشري" الذي عبر عنه التحالف الانتخابي عام 1984، والجمعية الوطنية من أجل التغيير في عهد مبارك، والتحالف الديمقراطي من أجل مصر في انتخابات برلمان 2011، و"قوتنا في وحدتنا" في جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة؛ تحول إلى طبق من "اللحوم الدسمة" لا حواشي حولها عند الوصول إلى السلطة!
 
لا يهم إذن أن تعرض "طبق كشري" أو "طبق فتة".. المهم أن تقدمه أنت في الوقت الذي تريده أنت في المصلحة التي تحددها أنت!
 
(5)
 
مصر في حاجة حقيقية إلى "طبق كشري" جامع بين الأفكار المختلفة؛ لأن الثورات لا تنجح أبدا إلا بتوحد بين كل الطبقات والفئات والأفكار.
 
الثورات لا تصنعها فئة ولا طائفة حتى لو اعتبرت نفسها ممثلة للحق المبين، ولا يعلوها هتاف خاص ولا مطالب خاصة حتى لو كانت معبرة عن مظالم واقعة بحق أصحابها..
 
الثورات ما هي إلا "طبق كشري" رأينا جزء منه رأي العين في ميدان التحرير خلال يناير وفبراير 2011، وكان حلو المذاق سهل الهضم مليئا بالفوائد السياسية والاجتماعية.
 
الحرية والعدل لا يحتاجان إلى تمايز في الأفكار، وحقوق الإنسان تحتاجها كل التيارات وكل الطوائف وتتبناها كل الأفكار..
 
نحتاج أولا إلى "طبق الكشري" السياسي والاجتماعي حتى تنجح الثورة التي لم تكتمل، وليتمايز بعد ذلك كل بأفكاره بعد نجاح الثورة وتحقيق "العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق