الخميس، 24 أبريل 2014

الجمهور ساحب .. والقائد لا يمسك بالدفة..... هبة عبد الجواد



قديماً كانت خطبة من هتلر أو نابليون أو موسوليني أو جمال عبد الناصر  تهز عرش المدن والقرى ، كانت الهيبة والقدرة على السيطرة والتسلط هي صناعة المجد .

قديماً كان قادة الرأي يصنعون مساراً للجمهور مغاير لما هم عليه كما فعل العز بن عبد السلام وابن تيمية وغيرهم .

في الخير أو الشر كان القائد هو من يمسك بالدفة ، يغيرها إلى حيث يشاء حتى لو كان إلى الجحيم إلى الهاوية ، تستيقظ الجماهير على قرار مجنون أو ربما صائب إلا أن ذكاء القائد أو خطاب السلطة كان من الحنكة والمهارة التي تسيطر على نفسية الجماهير ومشاعرهم فيتبى الجمهور القرارات والأفكار بل ويؤمنون بها الإيمان الصادق الذي يجعلهم يمتلكون قوة وإرادة تمكن الزعيم من فعل ما يشاء.


أثبت التاريخ أن أكبر المصائب التي ارتبكها أولئك القادة وزعماء القهر والظلم في العالم لم تكن بسبب مخططاتهم وإدارتهم لأهدافهم ولكن بسبب تلك الهيبة والفطنة التي زرعوها في الوعي الجمعي للجماهير، وأثبت التاريخ أيضا أن التحولات الكبرى إلى الأفضل كانت بسبب قادة رأيي عدلوا من توجهات جماهيرهم بسبب قدرتهم على إتقان خطاب جماهيري رغم كونه مغاير لنفسية الجماهير أو تركيبتهم الثقافية.
أما اليوم فتختلف العوامل التي تؤثر على الجماهير، وخاصة مع حالة التأثر السريعة والمؤقتة بكل شئ في الحياة، فبات من الصعب أن ينصب قائد نفسه على الجماهير إلا مع محاولات شاقة من زرع الثقة وصناعة الأعداء وثقافة التخويف من المجهول وغيرها من العوامل التي يحاول أن يستخدمها أي نظام يحاول ترميز قائد ما.

اليوم  قادة الرأي والزعماء يعانون من نقطة ضعف واضحة جلية هي رضوخهم إلى لغة الجماهير ونفسيتهم ونمط تفكيرهم.

فأصبح الجمهور ساحب للقادة وزعماء الرأي لا يستطيعون تحريك الدفة في غير اتجاه تصورات الوعي الجمعي للجمهور، بل وأحياناً ومع الأزمات الكبرى التي يتعرض لها المجتمع نتيجة سنوات طويلة من التجهيل وتعمية العقول والفساد الأخلاقي يصبح للجماهير سمات ولغة توجه هي قادة الرأي إلى حيث تريد ويقعوا تحت قيد الجماهير ويصيبهم الخوف منهم إن حاولوا.

تجد البعض من قادة الرأي وخاصة المعارضين للأنظمة المستبدة وفي ظل حماس الجماهير وطغيان نفسية القهر والمظلومية  يخشون من الخروج على الجماهير بفكرة تعدل المسار بل وربما يظهرون على شاشات التلفاز يتحدثون بنفس صيغة الوعي الجمعي حتى لا يفقدون رمزيتهم وحب الجماهير.

لا يملكون القدرة على الخروج من الصندوق وإن خرجوا دخلوا في صندوق آخر محاط بالوعي الجمعي، وعلى  الرغم من أن الظرف يستوجب على هؤلاء القادة ومن يضعون أنفسهم في موقع زعماء الرأي أن يغيروا الدفة لا أن يدفعوا بالسفينة في نفس اتجاهها أيا كانت العواصف القادمة.  إلا أن واقعنا يظهر صورة معكوسة وأصبح أفضل قادة الرأي إما صامتين خوفاً من الجماهير الغاضبة أو متحدثين بلغة الجماهير يلهبون حماستهم أياً كان ما سينتج عن هذه الحماسة، هل سيعيد الحقوق أم سيدفع بهم إلى المزيد من هدر الجهد والوقت والروح المعنوية.

حماسة الجماهير أمر طبيعي ولا يمكن ترويضها من الداخل وتعديل المسار، وكما يقول جوستاف لوبون أن الجماهير هي أدنى   مـرتـبـة مـن الإنسان المفرد لغياب الروح النقدية والمسئولية الفردية، فالفرد المتأثر بالوعي الجمعي يندفع في الاتجاه الذي يندفع فيه الجماهير دون وعي، وعلى القادة أن يتحرروا من هذا الوعي الجمعي.

مصر اليوم تمر بمرحلة عصيبة ستستمر طويلاً هي مرحلة إنتقالية طويلة  تعاني من تراكمات من استبداد طويل وتجهيل وثقافة استهلاكية منعت الإبداع الفكري والعلمي والتطبيقي والتكنولوجي، وعلى من يتصدر المشهد أن يدرك أن دوره ليس ترديد صوت الجماهير كالببغاء أو الخوف من جنونهم المنطقي وإنما دوره في التفكير في آفاق والنظر في المرأة من الخلف إلى الأمام من الداخل إلى الخارج بلا عزلة ولا اندماج لاعقلي مع الواقع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق