السبت، 26 أبريل 2014

حاجتنا الماسة إلى تيار ثالث ..... محمد المهندس


لم يكن التيار الإسلامي بأحزابه وجماعاته فقط من تردد بشأن الموقف من 25 يناير كما يشيع لدى الكثيرين، ولكن كان التيار المدني أكثر ترددا؛ حتى أن د. محمد البرادعي ذاته لم يأت إلى مصر إلا بعد يومين من هذا التاريخ المشهود بعد أن غير إصرار الشباب خططه في البقاء في أوروبا خلال تلك الفترة، وحين علا هتاف "الشعب يريد إسقاط النظام" كان حمدين صباحي داعيا الرئيس إلى تعديل المادة 88 مضافة إلى المادتين 76 و77 من الدستور، كما كتب حازم الببلاوي موجها رسالة إلى النظام – مشفقا وناصحا – حتى لا يقع في الفخ التونسي!

لم يسارع الإخوان المسلمون فقط بالجلوس على مائدة حوار عمر سليمان، فقد كان هناك ما يسمى بلجنة الحكماء التي تشكل معظمها من رموز للتيار المدني، ودعت بكل وضوح إلى تفويض مبارك لصلاحياته إلى مدير مخابراته عمر سليمان!

لم يكن السلفيون فقط من رفضوا مظاهرات 25 يناير واعتبروها فتنة، ولكن فعل ذلك حزب التجمع والحزب الناصري بقيادة رفعت السعيد وسامح عاشور!

(1)
رفض ما يسمى بالتيار المدني حكم العسكر فقط حين تصالح مع التيار الإسلامي؛ لا لمبادئ الليبرالية أو الديمقراطية – كما اتضح فيما بعد، ولكن لأن المجلس العسكري أجرى انتخابات ثم قبل بنجاح التيار الإسلامي (العدو التاريخي!) فيها حيث كانت فرص فوز تيارهم المدني ضعيفة فيها! ثم انقلب الحال تماما بعد انقلاب المجلس العسكري على التيار الإسلامي وقيامه بإقصائه؛ فصارت – حينئذ – عسكرة الدولة ضمانة لمدنيتها المزعومة، وصار القتل والإقصاء قرين ليبراليتهم في نسختها المصرية!

على الجانب الآخر، خلف الإخوان المسلمون كل وعودهم التي قطعوها على أنفسهم أمام الشعب المصري بعد ثورة يناير بألا يرشحوا رئيسا منهم، وألا يسعوا إلى أغلبية برلمانية في هذا الظرف الحساس التي تمر به مصر، وتماهوا في ذات الوقت مع المجلس العسكري الذي كانت خطته الواضحة للجميع إخماد ثورة الشباب وتثبيط مطالب التغيير الجذري، كما أن الإخوان قد سكتوا – بل وبرروا أحيانا - كل جرائم المجلس العسكري بحق المصريين في أكثر من موضع ومناسبة حتى لا يفقدوا مزيتهم النسبية في التأييد الشعبي في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ثم هتفوا بشعار "يسقط حكم العسكر" الذي عدوه مهينا من قبل عندما مستهم أضرار حكم العسكر بشكل مباشر بعد تنحية د. محمد مرسي!

(2)
لم يقدم التيار الإسلامي للناس مشروعا حقيقيا لإدارة الدولة الحديثة، حيث تواجدوا على رأس السلطة التنفيذية عاما كاملا سبقته ستة أشهر كحائز على أغلبية مطلقة في السلطة التشريعية، وانتهت ولم يعرف الناس ماهية تلك "الدولة الإسلامية" التي تحدثوا عنها 80 عاما ولم ير الناس ملامح لها أو حتى إطار!

في المقابل؛ فإن التيار المدني (المستتر بالعسكرية) تخلى عن كل أشكال الدولة المدنية الغربية الحديثة التي يتغنى بالانتماء إليها؛ حين صار يدعونا – بلا خجل – إلى الديمقراطية ذات الأنياب وإلى ليبرالية لا تقبل إلا الرأي الواحد وإلى مدنية مستندة على الحكم العسكري!

كلا التيارين الإسلامي والمدني بتنوعاتهما المختلفة لا يمتلكان من القيم والمبادئ التطبيقية ما يجعلهما معبرين عن الشباب المصري وتطلعاته، وبالتالي فلا يمكن الاعتماد كذلك على التيارين في بناء مصر المستقبل.

(3)
فقد غالبية المصريين الثقة في التيارين الذين فشلا في اختبار تحمل المسؤولية؛ فانسحبوا مرة أخرى من الحياة السياسية، أو بحثوا بشكل غريزي عمن يشعرهم بالأمن ولو كان ظاهريا.

لكن الأزمة في مصر لا زالت في البديل..

بديل حقيقي ومختلف.. بديل موجود بين الناس ولا يستعلي عليهم.. بديل يهتم بمشاكلهم وهمومهم ولا يتهمهم بالجهل تارة وبالعبودية تارة أخرى.. بديل نابع من هوية المجتمع ومنسجم مع ثقافته ومتصالح في ذات الوقت مع منجزات الحضارة الحديثة.

(4)
مصر في حاجة ماسة بالفعل إلى تيار ثالث يتجاوز الإطار التقليدي للتيارين الإسلامي والمدني..

مصر في حاجة إلى تيار معبر عن شبابه الذين انطلقوا في يناير 2011 ناظرين إلى مستقبل قائم على الحرية والديمقراطية والعدل دون شعارات إسلامية لا برامج لها، ودون مبادئ ليبرالية لا عمل بها.

(5)
لا ننتظر من التيار الثالث أن يكون مجرد رد فعل لفشل تيارات شاخت فكرا وقيادة، ولا أن يكون امتدادا لتيارات بدأت مراجعاتها بالكفر بالديمقراطية والمواطنة من جهة أو بحتمية القضاء على الآخر والرضا بقتله وتعذيبه من جهة أخرى!

(6)
لن يصعد هذا التيار الثالث لمجرد أنه بديل مختلف عن التيارين الفاشلين، ولكنه سيصعد حين يجيب للناس عن الأسئلة المسكوت عنها، وحين يصقل بالتجربة المعجونة بمشاكل الناس، وحين تتطابق ممارساته مع شعاراته.

لن ينجح هذا التيار إذا اعتبر نفسه تيارا متجاوزا للأيديولوجيا قائما على اللا فكرة؛ فلن ينجح أحد بلا فلسفة واضحة تحركه وتوجهه في البرامج والمواقف..

إذن يحتاج التيار الثالث (ولا أقصد به هنا حزيا بعينه، ولكني أقصد موجة جديدة من الأحزاب والحركات والجمعيات) دون أن يوضح للناس ماذا يريد وإلام يطمح؟
  • كيف يفهم الشريعة؟
  • كيف يستفيد من الليبرالية؟
  • كيف يمارس الديمقراطية؟
  • ما توجهاته الاقتصادية؟
  • ما ميوله الاجتماعية؟
  • ما شكل الدولة التي يطمح إليها؟
  • ما علاقته بالتيارات الأخرى؟
  • كيف يبني علاقته مع العالم الخارجي؟
(7)

آمل حين يفشل الرجل الفارغ المنفوخ بلا مضمون، وحين تضطر المؤسسة العسكرية للانسحاب من المشهد السياسي بعد إخفاق متوقع؛ أن يجد عموم المصريين وقتها بدائل جاهزة يثقون فيها حتى لا ندخل مرة أخرى في متاهة جديدة!

مصادر:
أعداد جريدة الشروق في الفترة من 25 يناير حتى 11 فبراير 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق