الأربعاء، 28 مايو 2014

عن فقه "لا".... هبة رؤوف


عن فقه "لا"
-
-
* أشهد.. ولا أشهد
..
يبدأ التوحيد بـ (لا)..
لا إله إلا الله... هي سدرة منتهى العلم : «فاعلم أنه لا إله إلا الله».
والتوحيد هو مبتدأ الوجود الإنساني ومنطلق التحرر مما سوى الله، لأن: الله..أكبر. ولأنه هو الذي يصدر عنه الحُكم على الحق والباطل والخير والشر، وله الأمر جميعا والقوة جميعا والعزة جميعا - حُكما بين العباد ..وقضاءً .
فإن جادل أهل الباطل في التوحيد أو تبديل معايير العدل وموازين الحُكم على الحق والباطل يكون رد المؤمن على دعوة الشرك "قل لا أشهد" ، مستجيبًا لدعوة ربه: «كلا لا تطعه واسجد واقترب».
لاءات ثلاث تعقب ذلك: لا شرك، لا اتباع للهوى، ولا اتباع لخطوات الشيطان..
الإسلام اختيار، ومسؤولية.


المباديء الأساسية المترتبة على "لاإله إلا الله" هي:
"لا إكراه في الدين"
"لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها"
"لا تزر وازرة وزر أخرى"
وحين تستقر تلك المبادئ.. يأمر الله بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر .. والبغي.
..

* لا.. وملامح مجتمع العدل:

وتتوالى الآيات التي تتكرر فيها (لا) الناهية التي تحدد ملامح المجتمع الإسلامي، تنهى عن نقض الأيمان والعهود، وعن كتمان الشهادة، وعن أكل الأموال بالباطل، وعن عضل النساء وإيذائهن، وعن البغي.
(لا) الناهية في القرآن هي دائمًا ضد الظلم، والعدل هو مناط التشريع، حتى في العقيدة المناط هو العدل، فالله وصف الشرك بأنه.. "ظلم عظيم".

وهناك (لا) التي تنهى المؤمن.. عبر بيان ما "لا يحبه" الله، فتصبح الطاعة قرينة اليقين به والتقرب إليه بترك ما يكره، فيكون الانتهاء عما نهى عبادة فردية، ومسؤولية اجتماعية، ومصلحة دنيوية وأخروية.
فالله لا يحب: الكافرين.. ولا الظالمين.. ولا المعتدين ..ولا الخائنين.. ولا المفسدين، ولا يحب الجهر بالسوء من القول، ويأمر ألاّ تقل لوالديك أف ولا تنهرهما، وألا يسخر قوم من قوم، وألا نتخذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، وألا تكرهوا فتياتكم على البغاء، وألا تؤتوا السفهاء أموالكم، وألا تنقضوا الأيمان، وألا تأخذوا من قنطار النساء شيئًا، وبنهى عن سوء الأخلاق في كثير من قصص القرآن لأن سوء الخلق يذهب بالعمران: لا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تطغوا، ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، ولا تبطلوا صدقاتكم، ثم تأتي «لا» في التحريم وتتكرر«لا يحل لكم» في معرض بيان الحرمات في مواضع مختلفة.
..

* لاءات الرحمة:

لكن اللاءات ليست كلها تحريمًا ونهيًا، فهناك في القرآن كثير من لاءات الرحمة،
تحريم ورحمة في: لا تقتلوا أنفسكم ولا تقتلوا أولادكم،
ولطف وجبر في: لا تهِنوا ولا تحزنوا ..ولا تذهب نفسك عليهم حسرات،
ويقين في: لا تحسبن الله غافلاً،
وقسط في: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم،
وبشارة في : لا غالب لكم،
وأمان في : لا تخشوهم، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وتواصى بالحق والصبر من أجل يوم لا تظلم فيه نفس.
القرآن نفسه ووصف بأنه: لا ريب فيه، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا يمسه إلا المطهرون.

والغيب يوم القيامة تواترت اللاءات في وصفه، سخرية ممن قالوا لا يبعث الله من يموت، وتحذيرًا في: لا تأتيكم إلا بغتة، وميزانًا في: لا ظلم اليوم ولا شفيع، ولا يؤذن لهم فيعتذرون، ولا يخفف عنهم العذاب، ولا تخفى منكم خافية، وقسطًا في يوم لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة.
واللاءات في الدعاء على لسان المؤمن كثيرة، في: لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الذين من قبلنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به،
وفي التوسل: لا تذرني فردًا وأنت خير الوارثين،
وفي الاستغفار: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، 
وفي تسليم: لا قوة إلا بالله.

عبادة الإنسان لله تحرر من عبودية ما سواه، وبها تنطلق "لا" في مواجهة الظلم، وفي مواجهة الذي يكذب بالدين ، فـ"لا يحض على طعام المسكين". وفي وصية لقمان لابنه أخلاق ونهي عن فواحش، ووصف عباد الرحمن أنهم لا يأتون الفواحش، ولا يشهدون.. الزور.
....
وتبقى الآية الجامعة :
"لا تَمُوتُنَّ إلا وأنتم مسلمون"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق