الثلاثاء، 20 مايو 2014

حين تصبح مقاطعة الانتخابات واجباً وطنياً .... خليل العناني


بعيداً عن الجانب الأخلاقي في مسألة مقاطعة الانتخابات الرئاسية المصرية، والذي يتمثل في أمرين، هما رفض قبول انتخابات تأتي على حساب دماء مواطنين أبرياء كثيرين وأشلائهم وحرياتهم، ورفض المساهمة، ولو بصوت واحد، في شرعنة انقلاب عسكري، وثورة مضادة، وعملية سياسية فاقدة المعنى والمضمون، فإن المقاطعة، من الناحية السياسية والواقعية، تمثل الخيار العملي الوحيد لمقاومة الاستبداد الجديد/القديم في مصر. وهنا، يمكن الحديث عن سبع فوائد للمقاطعة، يجب أن يضعها الجميع نصب عينيه، قبل أن يتخذ قراره.


أولاً: تمثل المقاطعة الانتخابية إحدى الأدوات الاحتجاجية المهمة في مقاومة الأنظمة السلطوية، وهي أداة سياسية فعالة، تصل إلى حد الفعل الثوري، إذا ما كان الهدف مقاومة نظام سلطوي ذي نزعة فاشية، يسعى، بكل الطرق، إلى تثبيت نفسه، والتخلص من معارضيه. ومن هنا، فإن مقاطعة الانتخابات واجب وطني.

ثانياً: تمثل المقاطعة إحدى الأدوات السياسية المهمة في نزع الشرعية عن النظم السلطوية، داخلياً وخارجياً. لذا، فإن المشاركة، بغض النظر عن اتجاه التصويت، تعطى الانطباع بجدية الانتخابات والسياق المنتِج لها. وإذا كان نظام الثالث من يوليو/تموز قد سمح بقدر من التنافس، فهو يأتي في إطار ما يُطلق عليه في أدبيات العلوم السياسية "السلطويات المنتخبة"، وهو نوع من الأنظمة، التي تستخدم الانتخابات أداة للبقاء في السلطة داخلياً، وتكريس شرعيتها ونيل الاعتراف الدولي بها خارجياً. لذا، فإن مقاطعة هذه الانتخابات واجب وطني.

ثالثاً: تمثل المقاطعة أداة مهمة لكشف مدى نزاهة العملية الانتخابية ومصداقيتها. وفي ظل عدم وجود رقابة حقيقية، أو جادة، من المنظمات الداخلية والخارجية على الانتخابات، فإنه من غير المنطقي إعطاء غطاء لها بالمشاركة والتصويت. والنزاهة، هنا، لا تقتصر، حسبما يتوهم بعضهم، على حرية الإدلاء بالصوت الانتخابي، وإنما على العملية السياسية كلها، والسياق الذي تجري فيه الانتخابات، خصوصاً من الناحيتين الإعلامية والقانونية، وهو أمر أبعد ما يكون عن الصحة في الحالة المصرية. لذا، يبدو النظام القائم في مصر حريصاً على دفع الناس بكل الطرق، بما فيها الرقص والغناء، من أجل المشاركة في الانتخابات، لأنه يدرك حيوية هذه المشاركة، لكي يدشن شرعيته الجديدة. لذلك فإن المقاطعة واجب وطني.

رابعاً: تمثل المقاطعة رفضاً صريحاً وواضحاً للعملية السياسية التي تجري منذ الثالث من يوليو/تموز، والتي تسير بانتظام في إعادة ترسيخ النظام السلطوي، وإن بوجوه وأدوات جديدة. وهو ما يبدو واضحاً في عمليات الاعتقال والمطاردة والقتل التي تجري للمعارضين، والتي سوف تزداد حتماً بعد فوز المرشح الرئاسي، عبد الفتاح السيسي، باعتباره "رأس الحربة" في النظام الجديد/القديم الذي يعاد ترسيخه بوضوح. ومن هنا، فإن مقاطعة الانتخابات واجب وطني.

خامساً: تمثل المقاطعة إحدى الوسائل المهمة، التي قد تمهد الطريق لسقوط الأنظمة السلطوية، على المدى المتوسط أو الطويل. وهو ما حدث في حالات عديدة في أميركا اللاتينية وأوروبا الشرقية وأفريقيا، طوال العقود الثلاثة الماضية. وهنا تفيد إيملي بيلاو، أستاذة العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا (سان دييجو) بأنه بين الفترة 1990-2002 كانت هناك حوالى 44 حالة مقاطعة للانتخابات (برلمانية ورئاسية) من أصل حوالى 69 حالة درستها. وتؤكد أنه في معظم هذه الحالات أدت هذه المقاطعة إلى إضعاف، وأحياناً، إسقاط الأنظمة الأوتوقراطية. لذا، المقاطعة واجب وطني.

سادساً: تعبر المقاطعة، بحد ذاتها، عن موقف سياسي واضح، وليست، كما يرّوج بعضهم، فعلاً سلبياً أو غير فعّال. وهي رسالة يبعث بها الناخب للمرشحين بأنه يرفضهم، ويرفض برامجهم الانتخابية. ويبدو الأمر أكثر وضوحاً في الانتخابات الرئاسية المصرية التي لا توجد فيها خيارات متعددة. فالمرشح الناصري، حمدين صباحي، لا يمثل الخيار الجيد، أو المقبول، لدي كثيرين، ليس فقط لأنه جزء أصيل من نظام 3 يوليو/تموز، وساهم بشكل حيوي في الوصول إليه، وإنما، أيضاً، للاختلاف السياسي والفكري والإيديولوجي معه. لذا، فالمقاطعة أمر طبيعي وواجب وطني.

سابعاً: تمثل المقاطعة أمراً ضرورياً من أجل المساهمة في وقف عملية إعادة بناء نظام حسني مبارك، وبث الحياة فيه من جديد. فالكثير من مؤسسات الفساد والاستبداد تنتظر فرصة وصول السيسي إلى الرئاسة، من أجل تجديد بيعتها وولائها لهذا النظام الجديد/القديم. وفى ظل غياب معايير جادة للمحاسبة والمراقبة على أفعال الرئيس المقبل وقراراته، يصبح من العبث الاعتقاد بأن من انتخبوه سيكون في مقدورهم محاسبته، إذا أخطأ. لذا فإن المقاطعة واجب وطني.

وتبقى كلمة أخيرة، هي أن المقاطعة لن تأتي بثمار حقيقية، ما لم تكن واسعة وكبيرة، وتبعث رسالة قوية للمرشحين وأنصارهم، أن "أصوات" المصريين أغلى وأثمن من أن يتم استخدامها لإعادة بناء نظام سلطوي جديد. لذا، فإن المقاطعة والدعوة إليها هي قطعاً واجب وطني.
---------------------------------------------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق