الخميس، 10 يناير 2013

فمن للدعوة إذن؟ (1-3).. مصطفى كمشيش


اختار السلفيون طريقاً دعوياً جديراً بالاحترام يتعلق بأهمية تعليم العلم الشرعي عامة وعلم الحديث خاصة بعد أن شاع على ألسنة المسلمين (بل وعلى لسان بعض الدعاة) كثير من الأحاديث الموضوعة والضعيفة, كما تركز اهتمامهم أيضًا على التقيد بالهدي الظاهر, وتبنى غيرهم فهمًا متشددًا للدين وحمل آخرون السلاح ورفعوا شعارات جهادية سعيًا للتغيير داخل الوطن..
واختار الإخوان المسلمون منهجًا وسطيًا بعيدًا عن ثنائية العنف والتشدد, حيث بدأت الجماعة طريقها دعويًا ثم خطت خطوة تلو خطوة في مسار العمل السياسي والحزبي..
وقد لحق بالإخوان على درب السياسة والحزبية أغلب التيارات حتى مَن كانوا يصفون الديمقراطية والمجالس النيابية بالكفر والانتخابات بالمفسدة, ورأينا مشايخ ودعاة يتصدرون العمل الحزبي, ليبقى السؤال الكبير والهام: فمن للدعوة إذن؟
أولا : الإخوان المسلمون..
إن تعريف الإمام البنا للجماعة بأنها: [دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية] لا ينبغي إخراجه من سياقه الزمني (حيث كانت مصر محتلة .. أغلب الشركات أجنبية .. الحكم غير رشيد ..غزو ثقافي .. قضاء مزدوج للمصريين وللأجانب وهكذا).. فكان طبيعيًا أن تؤسس الجماعة نماذج مُصغرة لما تريده من إصلاحات في المجتمع.. بل أسس الإمام البنا النظام الخاص للقيام بالوظيفة العسكرية التي لم يكن لجيش مصر أو جيش الاحتلال  القيام بها..
كانت الجماعة في ذلك السياق التاريخي أقرب إلى منظور(جماعة المسلمين).. وحينما خرج النظام الخاص عن أهدافه التي تأسس من أجلها, قال البنا (رحمه الله): ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين…ثم قال (قبل وفاته): "لو استقبلت من أمري ما استدبرت لعدتُ إلى زمن المأثورات" بعد ما رآه في مضمار السياسة.. ثم كان بعد ذلك ما كتبه سيد قطب (رحمه الله) عن الجاهلية والحاكمية وهو ما فهمه البعض على أن الجماعة هي فقط جماعة المسلمين, وأحسب أنه رحمه الله لم يقصد الحكم الفقهي وآثاره المترتبة عليه ..ولذلك كتب الهضيبي (الأب) رحمه الله كتابه الهام" دعاة لا قضاة".. فحدد بوضوح أن الإخوان (جماعة من المسلمين).. ظل هذا المعنى واضحًا ويردده كثيرون.. لكنه ظل ملتبسًا جدًا في التطبيق, فقد قرأنا أن مقاطعة الانتخابات كالفرار من الزحف وبدا أن المنافس السياسي كالمحارب في المعركة.. وكان الوقوف أمام اللجان كالرباط في سبيل الله.., وهكذا في كثير من الاستشهادات ..
شمول الإسلام:
ولعل فكرة (شمول الإسلام) وهي فكرة صحيحة وهامة هي التي أحدثت الالتباس عند بعض الناس. 
لقد أصبح من المعلوم عند كثير من المسلمين أن الإسلام دين شامل, وأنه منهج حياة,.. ولقد بلور الإخوان المسلمون في كثير من أدبياتهم معنى الشمول, لكن الذي اختلط على بعضهم هو الفارق بين شمول الخطاب وشمول الوظائف, فلا يعني شمول الدين أن تقوم جماعة بكل الوظائف, فحين تنظر الجماعة على أنها جماعة من المسلمين فإنها تقتصر على وظيفة أو بعض الوظائف لأنها تدرك أنه سيبقى لجماعات المسلمين (الأخرى) تأدية باقي الوظائف, فالجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام قد أصبح لجماعة من المسلمين (اسمها الجيش) وحين يقوم الجيش بهذه الوظيفة ولا تقوم بها جماعة من الجماعات فهذا لا يعني نكوص هذه الجماعة عن تحقيق مفهوم الشمول, وحين تقوم وزارة التعليم بتنظيم تعليم الناس, وتقوم وزارة الصحة برعاية المرضى, وتقوم الشرطة بحفظ الأمن (هذه الوظائف وغيرها) جزء أصيل من مقاصد الشريعة وتحقيق أصيل لمفهوم الشمول.
إن العمل الرياضي للجماعة والاقتصادي والسياسي والثقافي والاجتماعي هو جزء صغير جدًا جدًا من المكونات الرياضية والاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية للدولة والمجتمع, والتي اتسعت وتشعبت وتنوعت وتشكلت في مؤسسات ضخمة وكبيرة, ولن يُمكن بأي حال من الأحوال أن تحل مؤسسات الجماعة محل مؤسسات المجتمع.. لن تقدر ولن تستطيع.. وليس بممكن..
إذا كانت الجماعة تسعى في أدبياتها لتحقيق الخلافة (دون الدخول في جدال فكري أو فقهي حول هذه القضية) فلن يكون مثل هذا الطرح مقبولاً حين تعجز الجماعة (وهي في الحكم) أن تحقق إنجازات مقبولة في التعليم أو الاقتصاد (على سبيل المثال) وهو ملف واحد في دولة واحدة!!..
الحزبي والدعوي:
إن مخاطر مفهوم الشمول باعتباره شمول الوظائف كثيرة ومتعددة, فحين يختلط الحزبي بالدعوي تحت مفهوم الشمول, نرى ما نراه الآن.. نرى أن الإخوان والجهاديين والسلفيين على منصة واحدة لدواعٍ سياسية وهم ليسوا أبناء مدرسة فكرية واحدة, قد يكون من المفهوم أن يتناسى الناس اختلافاتهم الفكرية أو المذهبية عند مواجهة أعداء الوطن كما فعل ابن تيمية عند مواجهة التتار فلم يستثن حتى أصحاب البدع!!
لقد كان للمسلمين منذ فجر الدعوة اجتهادات متنوعة ثم تأسست مذاهب فقهية وفكرية معتبرة أصبح لكل منها طلاب وأتباع, وفي واقعنا المعاصر اختطت جماعة الإخوان طريقها بعيدًا عن (العنف من جهة والتشدد من جهة أخرى) ونالها ما نالها من طرفي العنف والتشدد, فقد كتب أيمن الظواهري (الحصاد المر للإخوان في 60 عاما").. وصدرت عشرات الكتب ضد القرضاوي والغزالي وأفكارهما (على سبيل المثال).
حين يقف خطباء على منصة الإخوان يصفون بعض المخالفين بالكفر… وأن قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار… وغير ذلك, فإنني أحسب أن ذلك يمثل انحرافاً كبيراً عن مسار الدعوة الوسطية.. ما لجأ الإخوان له إلا بسبب الظروف السياسية ( وهنا نتذكر مرة أخرى أضرار التصاق الدعوي بالحزبي على نقاء الدعوة وصفاء طريقها الأصيل ووسطية منهجها)، وحين نرى صمتاً معيباً ضد تصرفات خرقاء لبعض المحسوبين على الدعوة الإسلامية فإن هذا نكوص خطير عن وسطية الدعوة واعتدالها وسلميتها..
 لقد تابعت فيديو لأحدهم يصف واحدًا من أسخف مقدمي البرامج أنه أمرد (أي وجهه جميل ويشبه النساء) وأقسم قائلا: إن حكمك في الإسلام أن تتنقب.. ثم قال كلامًا في غاية البشاعة والتدني الأخلاقي لأن هذا المذيع سخر من الإسلاميين في أحد برامجه السخيفة… ليس معنى أن يتدنى آخرون أن يتدني بعض الدعاة وهم ينتسبون لدين أهم ركائزه العقيدة والأخلاق.. 
وللحديث بقية ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق