الخميس، 10 يناير 2013

فمن للدعوة إذن؟ (3/3) .... مصطفى كمشيش


فى المقالين السابقين تحدثنا عن الالتباس فى التطبيق لمفهوم صحيح هو "شمول الإسلام", ثم تحدثنا عن أضرار التصاق العمل الحزبى بالدعوى.. وفى هذا المقال نرصد بعض الظواهر فى المشهد الراهن..
اقتراب أم نفور؟
يتصدر الإسلاميون المشهد السياسى فى مصر, ويحكم مصر رئيس ينتسب للحركة الإسلامية, ودعنا بحيادية كاملة نتكلم عن المردود الدعوي, هل زاد إقبال الناس على الدين أم زاد نفور بعضهم؟..
حينما قام مجرمون لأول مرة فى تاريخ مصر بمحاصرة مسجد وإلقاء المولوتوف والأحجار ومنع الأذان فيه لم يكن ذلك إلا بسبب العمل (الحزبي).. لقد رأى المجرمون أن المسجد خصم سياسى لا منبر دعوي.. إن المعتدين مجرمون (قولا واحدا) ..لكننا بحاجة ماسة لتفسير هذا السلوك الإجرامي؟ أهى لدوافع دينية أم حزبية؟
 لقد سمعنا أيضًا عن شغب إجرامى داخل عدة مساجد فى أنحاء متفرقة من مصر عقب صلاة الجمعة قبل الاستفتاء على الدستور, رأى بعض المشاغبين ضرورة حياد المنابر, قالوها حرصًا على المنابر من الحزبية, أو خوفاً من تأثيرها على إقناع الناس..
لقد تحاورت مع بعض الخارجين من التيارات الإسلامية ووجدت أن بعضهم يحمل من الآلام والذكريات السيئة والمرارات ما دفعته لمغادرة هذه الجماعة أو تلك, لم يمتلك بعضهم صفاء النفس ليظل وفيًا على الفكرة محافظًا عليها وحاصرًا خلافه أو اختلافه مع الإدارة أو التنظيم, بل امتد نفور بعضهم إلى النيل من الفكرة نفسها, فمن قائل (لا يوجد مشروع إسلامي) إلى قائل (لا يوجد اقتصاد إسلامي) إلى ثالث يقول (الفاشية الإسلامية).. أقسم بالله هذا حدث.. أقدم ذلك لعلمائنا وللمهتمين بالعمل الدعوى والتربوى لفتح هذا الملف ودراسته لتدارك آثاره المؤلمة والخطرة.. داعيا ألا نستسهل فى تفسير الظاهرة فنقول (كما سمعت من بعض قيادات الحركة الإسلامية) أن هؤلاء الخارجين من ضعاف الإيمان أو قليلى التربية أو ممن لديهم تضخم فى الذات ورغبة فى التصدر ويعانون من أمراض حظوظ النفس (قد يكون ذلك عند بعضهم.. لكننى لا أحسبه أنه التفسير الحصرى للمشكلة)..
لخطورة هذا الأمر أزيدكم توضيحًا.. لقد وصل إلى قناعة بعضهم أن ما عايشوه من ممارسات خاطئة من بعض رجال الحركة الإسلامية أنه من أصول هذا الدين لا من فهم أو سلوك أصحابها, فظهر شغب بعضهم على الدين نفسه واقترب بعضهم (وإن كان قليلاً) من الردة والإلحاد, وكلماتهم ومواقفهم منشورة ومُعلنة!!
الحكم والدستور والتغيير
لقد خاض الإسلاميون معارك سياسية متتالية منذ الثورة تمثلت فى مظاهرات وانتخابات واستفتاءات, ولعلهم نجحوا فى حصاد ما يريدونه من مقاعد فى مجلسى الشعب والشورى ونجاح مرشحهم الرئاسى وإقرار الدستور.. كان هذا على حساب الدعوة.. لأن رجال الدعوة هم أنفسهم رجال الحزب..
وقد علمنا التاريخ أن إصلاح الشعوب لا يتحقق بالحكم أو بالقانون.. فالحكم لإدارة شئون البلاد, والقوانين لتنظيم العمل وسد الثغرات.. لكن التغيير الحقيقى فى الأفراد والمجتمعات لا يكون إلا بالتربية, وهى لن تتحقق إلا بالعمل الدعوى النقى الصافى الرائق المستقل غير التنافسي.
لا أبالغ حين أحذر وأقول: لقد دفع الاستبداد الكنسى فى أوروبا إلى نشأة العلمانية والعمل بها, وأخشى أن يتزايد فى بلادنا المطالبون بذلك مما يرونه من تصرفات ومواقف بعض المحسوبين على الدين.. 
إننى أشعر أن تجربة الإخوان الكبيرة والتى تمثل أحد أبرز التجليات للمشروع الإسلامى فى منعطف كبير.. ولا ينبغى لأحد اختلف مع (الإدارة) أن ينسى (الفكرة والمنهج والهدف).. أو أن يتوقف عن تقديم ما يراه لها من نصح من موقع المحب لا من أى موقع آخر, ولذلك كتبت من قبل (نعم للإخوان.. لا للخرباوي)، ناقدًا طريقته فى الهجوم والتشويه والافتراء على تاريخ وتضحيات وبذل ورجال.. فقد تأسست دعوة الإخوان كعمل دعوى بالأساس لرد الناس إلى دينهم..
إننا حين نطرح مثل هذه القضايا سعيا (والله) للخير والمصلحة فإننا نتلقى سبابا وشتما من بعض المنتسبين للحركة الإسلامية, مما يدفعنا للتساؤل: ماذا أصابهم؟ ولمَ لم يعد الواحد منهم يتحمل نقدا أو نصحا؟ ولماذا يتركون الموضوع ويهاجمون الشخص؟ فأقول إنها الحزبية والعصبية..
يقول الإمام مالك (رحمه الله) كما جاء فى "سير أعلام النبلاء" للذهبى (رحمه الله): 
 [إذا رأيت الرجل يدافع عن الحق فيَشتم ويَسب ويَغضب فاعلم أنه معلول النية لأن الحق لا يحتاج إلى هذا]. 
ومن روائع ما قاله الغزالى (رحمه الله ): “إن ميدان العمل لله ورسوله أرحب من أن يحتكَّ فيه متنافسون، وأسمَى من أن يشتبك فيه مُتشاكسون".
وأخيرًا.. قد نتفق أو نختلف فى توصيف وتفسير الظاهرة, قد يراها نفر منا أنها نتيجة لمؤامرة المتآمرين وإعلام الفاسدين واصطفاف الكارهين للمشروع الإسلامي, مما لا ننكره, لكننا بحاجة أيضًا وبنفس القدر إلى مراجعة للنفس للتوقف والتأمل والمراجعة, فإذا انتهينا من التوصيف والتفسير الحقيقى لأسباب الظاهرة انتقلنا منها لاقتراح العلاج والحلول..
وللحديث بقية... 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق