الجمعة، 18 يناير 2013

مشروعات للمعارضة أم الحكم .......... إبراهيم الهضيبى


الانتخابات البرلمانية المقبلة تمثل تحديا جادا لأحزاب المعارضة، يختبر قدرتها على طرح بديل لما تقدمه الأطراف الموجودة فى السلطة، وقدرتها على بناء تحالفات انتخابية تجيب بها عن الأسئلة التى تشغل عموم المصريين. 
••• 
ثمة أسئلة رئيسة تفرض نفسها على المشهد السياسى:
أولها يتعلق بالاقتصاد، الذى يمر بأزمة حقيقية، تتجلى فى ارتفاع عجز الموازنة، وتراجع الاحتياطى النقدى، والتضخم السريع الذى يؤثر بوضوح على قدرة فئات اجتماعية واسعة على توفير احتياجاتها الأساسية، والمصحوب بركود يؤدى لزيادة نسب البطالة، والعجز عن توفير فرص العمل القادرة على استيعات مئات الآلاف من الخريجين سنويا.

وبالتوازى مع تلك الأزمة الاقتصادية تمر مصر بأوسع موجة احتجاج اجتماعى فى تاريخها الحديث، تتمظهر فى الإضرابات ذات المطالبات المهنية (أى المتعلقة بقدرة أهل مهنة معينة الوفاء بدورهم، كمطلبى تأمين المستشفيات وزيادة الإنفاق على قطاع الصحة من قبل الأطباء)، أو الفئوية (أى المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية الضاغطة لأهل المهنة، كمطالبات زيادة الرواتب والتأمينات وتقليل ساعات العمل وغيرها)، والتى لا تزال فى مجملها بعيدة عن صدارة المشهد السياسى.

وهذا السؤال الاقتصادى تتفرع عنه أسئلة أخرى لا تقل عنه أهمية، إذ يفرض الضغط الاقتصادى البحث عن موارد إضافية، فيتجه النظر للبحث عن القروض والاستثمارات الأجنبية، وثمة أثمان متعلقة بهذا التوجه ينبغى الالفتات إليها واتخاذ موقف حيالها، بعضها يتصل بسياسة مصر الخارجية، خاصة إزاء دول الخليج، والأطراف الأقوى فى المؤسسات الاقتصادية العالمية، ويتعلق بالتالى بتحالفات مصر الدولية ودورها الإقليمى، وبعضها الآخر يتصل بالوضع الداخلى فى مصر، سواء من حيث العلاقة بالنظام السابق (الذى لا تزال بعض القوى الإقليمية تدافع عن شخوصه، وتلقى بعض الاستجابات لما تمارسه من ضغوط)، أو من حيث شكل النظام السياسى و«الخطوط الحمراء» التى ستخرج عن نطاق سيادة المصريين.

ولا ينفصل السؤال الاقتصادى عن السؤال الأمنى، إذ لا تزال إعادة هيكلة المؤسسة الأمنية فى مصر تشكل عقبة كبرى فى مسار التغيير، فالغياب الملحوظ للأمن الجنائى يؤثر سلبا على النمو الاقتصادى، وعودة الأمن المصحوبة بعودة الانتهاكات، أو التدخل فى الشأن السياسى، لن تكون مقبولة من عموم المواطنين، والمؤسسات الأمنية ــ بهذا المعنى، وبتعبير المستشار البشرى ــ أشبه بالجسم الذى يخضع لعملية استبدال للقلب، إذ لا بد من استمرار عمل القلب لئلا يموت الجسم، ولا بد كذلك من تغيير هذا القلب، والوفاء بالشرطين معا يحتاج لتصور سياسى مصحوب باستراتيجية تنفيذية.

وبالإضافة لتلك الأسئلة الرئيسة فثمة أسئلة أخرى تتعلق بإصلاح ما أفسده الدستور أو عجز عن إصلاحه، من توسيع لقواعد المشاركة الديمقراطية، وإعادة هيكلة المحليات وتعميق دورها فى التخطيط والمراقبة، وتوسيع نظاق السيادة المدنية على العسكريين، وذلك عن طريق التعديلات الدستورية، أو ضبط القوانين المكملة للدستور.

••• 
تلك الأسئلة ينبغى أن تجيب عنها البرامج والتحالفات الانتخابية، إذ ينبغى أن تركز البرامج على تصورات لكيفية التعامل مع قضيتى الاقتصاد والأمن (وهما القضيتان الأهم بحسب استطلاعات الرأى المتلاحقة) بشكل جدى يتجاوز الشعارات المطروحة وينفذ للب المشكلات، فالأزمة الاقتصادية ــ على سبيل المثال ــ لا تتعلق بالانحيازات الاقتصادية للدولة فحسب، بل هى تتجاوز ذلك لضرورة النظر فى الأسس التى يقوم عليها الاقتصاد الوطنى من حيث الأنشطة الرئيسة فيه، والقاطرات الأساسية للتنمية، والتوزيع الجغرافى لها، ومناسبته للطبيعة الاجتماعية، وغير ذلك من الأسئلة التى تحتاج لتصورات أكثر تركيبا وأبعد نظرا، والتى ينبغى تناولها جنبا إلى جنب مع القضايا الحالة والإجراءات العاجلة المطلوبة للتعامل مع الأزمة.

وثمة تباينات ستظهر بين الأحزاب المختلفة عند تناولها لتلك القضايا، سببها ــ بالإضافة لتباين مستويات الكفاءات ــ تباين الانحيازات الاقتصادية والاجتماعية لتلك الأحزاب، وهو ما لا بد أن ينعكس على التحالفات الانتخابية، بحيث تنبنى بالأساس على الموقف من هذه القضايا، التى تشغل عموم المواطنين أكثر من غيرها.

وبدلا من الانشغال بتلك القضايا، تبدو الأحزاب الرئيسة مصرة على إعادة إنتاج معركة الهوية، والتى تدور بين «المدنيين» و«الإسلاميين» حول هوية الدولة (من غير تعريف لماهيتها يتجاوز المصطلحات شديدة العمومية والضبابية)، فتهمش القضايا سالفة الذكر، ولا تنشغل كثيرا بتقديم رؤية بديلة لما يطرحه الموجودون فى السلطة إزاءها، ولا تقيم تحالفاتها على أساس الموقف منها.

وإذا كان هذا الأمر واضحا عند الطرفين «الإسلامي» و«المدني»، فإنه يستنكر من الثانى أكثر من الأول، إذ من الطبيعى أن يستتر الإسلاميون ــ أو من هم فى السلطة منهم ــ خلف شعارات الهوية، وأن يحاولوا إعادة إنتاج «الخطر على هوية مصر الإسلامية» للتعتيم على فشلهم فى تحقيق أى إنجاز يتعلق بالقضايا سالفة الذكر، ومحاولة البحث عن مكسب انتخابى جديد بدخول معركة لا على الأرضية السياسية وإنما على أرضية الهوية.

أما المستنكر فموقف الأطراف المعارضة، والتى تشارك فى وضع عنوان للمعركة الانتخابية يضمن خسارتها فيها، وذلك بمحاولة بناء تحالفات واسعة تجمع بين أصحاب المواقف المتضادة إزاء القضايا سالفة الذكر، إذ دخولهم ــ على تباين انحيازاتهم الاقتصادية والاجتماعية ــ الانتخابات على قائمة واحدة يعنى أن أجندتهم ستقتصر على رفض الإسلاميين من غير قدرة على تقديم مشروع بديل، وهو ما يعنى:
  • أولا عجزهم عن التواصل مع الناس وتحقيق أى مكسب انتخابى خارج دوائر محدودة أزمتها مع الإسلاميين سؤال الهوية،
  • وثانيا مساهمتهم فى تماسك الأطراف المؤيدة للحكام وتأجيل القضايا الجادة المطلوب مناقشتها،
  • وثالثا فشلهم فى تقديم مشروع سياسى حقيقى يستندون إليه فى انتقاداتهم للإسلاميين، وهو ما يعنى ــ فى التحليل الأخير ــ أن مشروعهم هو مشروع للمعارضة أكثر منه مشروع للحكم، كجل مشروعات المعارضين فى ظل نظام مبارك، ومنهم حكام مصر الحاليون.
 ••
إن الوحدة ليست بالضرورة عامل قوة، بل قد تكون عامل ضعف إن كانت بين متضادات يخصم بعضها من بعض، وإن كان ثمة مساحات مشتركة لا تكفى لبناء أجندة مشتركة فثمة أشكال للتنسيق الانتخابى ــ كتفريغ الدوائر ــ يمكن اللجوء إليها بدلا من محاولة جمع المتناقضات فى قوائم موحدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق