الأربعاء، 1 مايو 2013

أكتب لكم من سوريا ....... رباب المهدى

لم أفهم أبداً كيف قبل الضمير الإنسانى مذابح جماعية بدءاً من الهلوكوست فى أوروبا وليس انتهاءً بمذابح فلسطين ومجازر روندا. وحين تصورت أنى فهمت بعض الأسباب وسيرورة التاريخ التى أدت إلى ذلك، ذهبت إلى سوريا الأسبوع الماضى لأقف مرة أخرى أتلمس إجابة نفس السؤال ولكن هذه المرة وأنا أشاهد المأساة الإنسانية ماثلة أمامى فى شخوصها وليس كجزء من تاريخ مسطور فى كتاب.
لا أدعى أنى فهمت الوضع ولا أنى حصلت على الإجابة ولكن مشاهدة بعض آلاف من أكثر من ٣ ملايين نازح داخل مخيمات فى سوريا يحصلون على وجبة واحدة فى اليوم وأطفال فقدوا ذويهم وأجزاء من أجسادهم النحيلة غير المشهد فى ذهنى من مجرد مجموعة أرقام إلى حقائق إنسانية تدعونا لإعادة التأمل فى محاولة فهم نقطة التلاقى بين ما هو سياسى وما هو إنسانى.
الإجابة الأولية هى أن تعقد الموقف السياسى أو طول المعركة يكون فى بعض الأحيان ذريعة لكى ننفض أيدينا عن المأساة ونذهب بعيداً بحجة العجز أو عدم وضوح الصواب من الخطأ أو أن بنا ما يكفينا من مشاكل هى أولى بمجهودنا. وفى الحالة السورية وبكل صراحة تتوافر كل هذه الذرائع ولكنها تبقى مجرد ذرائع تبرر خيار التواطؤ بالصمت مع كل ما هو غير إنسانى وكل ما هو قصور سياسى.

كل القصص التى سمعتها من النازحين تشير إلى أننا ليس فقط أمام نظام يحارب من أجل بقاءه مهما كانت التكلفة، ولكنه نظام فى عداء وصراع وجود صفرى مع الشعب ذاته. فقصف المدنيين ليس له أى منطق عسكرى ولكنه فعل انتقامى مطلق، فبمجرد أن يتم إخلاء وتهجير السكان بعد قصف منطقة يتوقف القصف تماماً حتى إذا اطمأن السكان وحاولوا العودة مرة أخرى لديارهم يبدأ القصف من جديد حتى فى غياب أى عمليات عسكرية من جانب المقاومة فى هذه المنطقة.

البعد الآخر للوضع السياسى كما رأيته هو صعوبة أن تحسم هذه الثورة فى أى وقت قريب، فالتقنيات المتطورة التى يستخدمها نظام بشار مثل أجهزة القنص الإليكترونى  -والتى لم يستخدمها يوماً فى مواجهة إسرائيل و كأنه كان يدخرها لمثل هذا اليوم ــ بالإضافة للأوضاع الإقليمية والحسابات الدولية ووضع المقاومة المسلحة تنبئ بإمكانية استمرار المعركة لأمد ليس بالقصير.  

جميع دول الجوار بالإضافة إلى قطر والسعودية حاضرة بقوة فى المشهد السورى وتراها على الأرض متجسدة فى مال وسلاح وسيطرة  كاملة على الحدود. أما المقاومة المسلحة التى رأيناها فهى بالتأكيد ليست الصورة الرومانسية التى يحلم بها البعض، فهناك صراعات بينية وشعارات وتصريحات طائفية سمعتها ورأيتها بعينى بين بعض الكتائب.  فى ظل هذا الوضع تصبح إمكانية التعامل مع المشهد السورى على طريقة أفلام هوليوود والتقسيمة الساذجة بين بطل هو تجسيد للخير كله وآخر شرير غير ممكنة، وتظهر فكرة أنه على الرغم من بشاعة نظام الأسد إلا أن شكل المقاومة والدعم الخليجى لها وشبح الطائفية كلها أشياء تدعو على الأقل لعدم التدخل أو تبرير الحياد.

هذا الموقف ليس فقط يفتقد إلى الإنسانية فى ظل ثورة مات بها ما يزيد عن السبعيين ألف شخص و لكنه موقف يفتقد حتى الحس السياسى. إستكمال الثورة السورية ضرورة لهذه المنطقة حتى تدرك ثمار الثورات العربية ككل كما هو واجب إنسانى ناحية أكثر من مليون لاجئ إضطروا أن يفروا من ديارهم وفى بلد من بقى فيه يحيا فى ظل بينية تحتية دمر أغلبها- هناك مئات الألاف فى مخيمات  داخل سوريا يحصلون على وجبة واحدة فى اليوم وفى بعض الأحيان لا تتوافر.  

لأسباب تاريخية وجغرافية متعددة لا يمكن أن تبقى مصر بعيدة عن أتون المعركة الدائرة فى سوريا فإما أن يكون لنا دور نرسمه بشكل واعٍ أو سنتحمل تبعات ما يحدث دون أن يكون لنا خيار.  فحينما تلتقى سوريى الداخل ويكون السؤال دائماً أين مصر؟ تتأكد أن الدور المصرى الغائب ستكون له تبعات، هذا الدور مفتقد فى مصر الرسمية والشعبية على السواء.
  
ما نحتاجه الآن هو جهود رأيت بدايتها فى مجموعة من الشباب نظموا قافلة «حياة» التى أتاحت لى فرصة هذه الزيارة وهى جهود ستستمر لو توافر لها الدعم المادى والمعنوى اللازم. وما نحتاجه من مصر الرسمية أبعد كثيراً من خطابات الرئيس عن دعم الثورة ولكن تصور متكامل عن دور دبلوماسى وجهود إغاثية وسياسية تدعم ثورة الشعب السورى وليس المصالح الأمريكية والخليجية التى يتم بلورتها فى الداخل السورى.

كلمة أخيرة، الثورات ليست كما قصص الأطفال كلها خيال رومانسى فهناك تعقيدات سياسية وشبح  طائفية وعنف بينى ولكن فى التحليل الأخير هناك شعب ثار ومازال يدفع ثمن لم يدفعه أياً من شعوب المنطقة،  الحياد هنا ليس فقط جريمة أخلاقية ولكنه يزيد من فرص الأطراف الإقليمية والدولية لتحويل هذه الثورة لصراع على مصالحها وتأجيج شبح الطائفية فى المنطقة ككل وليس فقط فى سوريا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق