السبت، 18 مايو 2013

الصراعات العشرة.. من سأنتخب فى الانتخابات المقبلة؟ .......... معتز بالله عبد الفتاح

يكون مطلوبا من المتخصص أن يفكر على مدى زمنى أطول قليلا من غيره. وهذه محاولة لذلك؛ حيث هناك انتخابات مقبلة، وخلفها انتخابات أخرى، وهكذا الديمقراطية.. بما يطرح السؤال عن الأجندة المطلوب طرحها الآن على القوى السياسية المختلفة. وبناء عليه من الذى سأنتخبه فى الانتخابات المقبلة؟

لذا، القوى السياسية لا بد أن تكون لها رؤية واضحة بشأن كيفية علاج مشاكل مصر. وكى أساعدهم وأساعد نفسى، سأستعرض أمام حضراتكم بعضا مما أظن أنه يعبر عن مشاكلنا الحالية حتى لا نغرق فى المشاكل ولا نعرف أصولها.

ولنبدأ بتوضيح أن أى ثورة تعبر بشكل مباشر عن تناقضات فى المجتمع لم تنجح مؤسسات الدولة القائمة فى التعامل معها: تلبية، تمثيلا، قمعا.

هناك مؤسسات خدمية فى الدولة مطالَبة بأن تلبى للناس حاجاتهم الأساسية (مأكل، مشرب، مسكن، دواء، تعليم، ترفيه)، وهؤلاء الناس يحتاجون لمن يمثلهم ويقودهم أمام مؤسسات التمثيل السياسى مثل الأحزاب، البرلمان، المحليات، الوزارات، الإعلام، أو أن يقمعهم من خلال تطبيق القانون عليهم من خلال أدوات السلطة الباطشة مثل المحاكم والشرطة.

الثورة حدثت فى مصر لأن هذه المؤسسات لم تقُم بدورها، ولهذا هى أنتجت هذا السخط الشعبى الذى لم تنجح المؤسسات فى علاجه فى عهد «مبارك». ولو كان «مبارك» أكثر حصافة لما ترك الأوضاع تتردى لهذا الحال الذى وصلنا إليه قبل الثورة. وقد بُحت أصوات كثيرين بمنطق «أصلحوا أو ارحلوا» فلا أصلحوا ولا رحلوا، فحدثت الثورة.

ومن السذاجة أيضا تصور أنه كان من الممكن أن تنجح الثورة وتفتح السجون، سواء المادية أو المعنوية، دون أن نتخيل أننا سنجد أمامنا أصواتا متعالية من التى كانت مقموعة قبل الثورة، سواء فى أقصى اليمين (الجماعة الإسلامية، السلفيين، الإخوان)، أو فى أقصى اليسار (الاشتراكيين الثوريين، الأناركيين أو اللاسلطويين، أو الثورجيين)، ومع هؤلاء وأولئك سيظهر من يعارضون الثورة، سواء ممن تضرروا منها لمجرد حدوثها أو تضرروا مما أنتجته من سيطرة اليمين الدينى على كل مؤسساتها المنتخبة.

ومن السذاجة أيضا تصور أنه حتى لو عاد «مبارك» و«العادلى» وكل من معهما أنهم سيستطيعون أن يعيدا مصر إلى ما كانت عليه.

ومن السذاجة تصور أن أى شخص سينجح فى حكم مصر وفى تحقيق نهضة حقيقية سيفعل ذلك باسترضاء هؤلاء أو أولئك؛ لأن هؤلاء لن يرضوا مجتمعين قط؛ لأن رؤيتهم للكون متناقضة تماما.. إذن الحل الحقيقى والمخلص الحقيقى لن يسترضى أحدا، وإنما سيعمل على تفكيك ومعالجة أزمات مصر الحقيقية وصراعاتها القائمة.

وعلى من يتقدم لحكم هذه البلاد أن يقدم رؤيته بشأن الصراعات العشرة التالية ببرامج مدروسة مبنية على خبرات دول أخرى أو على ماضينا أو أفكار مبتكرة بما يضمن حسن علاجها خلال مدى زمنى مقبول.

أبدأ بالصراعات الخمسة التى أشار إليها صديقى إسلام حجازى، وأضيف إليها خمسة أخرى ليكون المجموع عشرة صراعات تحتاج ممن سيتقدم للانتخابات المقبلة أن يفكر فيها.
  • هناك أولا صراع علمانى - إسلامى على هوية مصر. والبعض يراه صراعا مفتعلا؛ لأن مصر هى مصر ولن يستطيع أن يغيرها كثيرا فى أى اتجاه كان، والبعض الآخر يرى أن المجتمع من الضعف الثقافى والهشاشة الفكرية بحيث من يسيطر على الدولة سيسيطر بالضرورة على المجتمع مثلما فعلت الناصرية. وأنا لا أميل لهذه الفكرة؛ فبانتهاء المرحلة الناصرية تغيرت سياسات الدولة تماما، ويظل «عبدالناصر» له ذكرى طيبة عندنا، ولكن من الصعب إعادة استنساخه؛ فهو بالنسبة للمصريين ليس مثل ماو تسى تونج للصينيين أو جورج واشنطن بالنسبة للأمريكان، وهذا لا يقلل من وطنية الرجل، ولكن فى نفس الوقت مصر اليوم ليست مصر التى تركها «عبدالناصر» على الإطلاق، ولا أحد ينسب تطورات ما بعد 1970 إليه إلا على سبيل التمجيد المبالَغ فيه أو الظلم المبالَغ فيه. وهذا ما أعتقده مع أى شخص أو تيار فكرى. المطلوب الآن الدفاع عن الهوية المصرية الجامعة التى لا تسمح لأحد باختطافها أو أدلجتها.
  • الصراع الثانى هو الصراع بين الأغنياء والفقراء، وهو الذى تجسده عبارات «العيش والعدالة الاجتماعية». معدل الفقر فى مصر عالٍ، وفقر الفقراء فى مخيلة البعض يرتبط بثراء الأثرياء فقط وأنه لو تمت إعادة توزيع الدخل فى مصر لأصبح الفقراء غير فقراء. الحقيقة هذا غير صحيح. معدل الفقر فى مصر كبير ويتزايد لأسباب كثيرة من ضمنها سياسات خاطئة من الدولة لفترة طويلة، ومنها تداخل السلطة مع رأس المال، ومنها معدلات زيادة سكانية عند الفئات الأكثر فقرا والأقل تعلما بما يزيد الأمر سوءا لهؤلاء. ومن يدرس ظاهرة الفقر فى مصر أكاديميا يكتشف أن المسألة لن تحل بقرار حكومى، سواء ارتبط بإعادة توزيع الدخل أو تغيير نظام الضرائب، أو وضع حدين أقصى وأدنى للأجور. المسألة بحاجة لاستراتيجية قومية تدعم النمو الاقتصادى وتدعم العدالة الاجتماعية كذلك. مشكلة الاعتصامات والإضرابات وقطع الطرق المرتبطة بنقص الخدمات وضعف المرتبات هى المؤشرات الأهم على أن قضية العدالة الاجتماعية لم تزل فى قمة أولويات الصراع السياسى فى مصر.
  • ثالثا: الصراع المدنى - العسكرى الذى لم يزل قائما، ليس لأسباب عسكرية، وإنما لأسباب مدنية. وكان لى نقاش مفيد مع سفير إحدى دول الجنوب الراسخة فى الديمقراطية بشأن مَن يطالبون بعودة الجيش إلى الحياة السياسية، وكان رده مختصرا وواضحا: «هذا خطأ تماما».. ومع ذلك لا بد أن يكون واضحا أن القوات المسلحة، التى كانت تابعة لرئيس الجمهورية فقط بشكل غير قابل للمساءلة قبل الثورة، لن تستطيع أن تستمر على هذا النحو. القوات المسلحة الآن مساءلة أمام مجلس النواب وأمام الجهاز المركزى للمحاسبات وأمام المحاكم وأمام الرأى العام بشأن كل ما يتعلق بها. والمعضلة: كيف تحاسب المؤسسة سياسيا دون أن يتم تسييسها؟
  • رابعا: الصراع بين البيروقراطية والديمقراطية، وهو صراع تاريخى ولم يزل مستمرا فى كل دول العالم بين أولئك الذين يمثلون لوائح الدولة وقيودها وثوابتها الراسخة، وبين المنتخبين جماهيريا والمساءَلين سياسيا أمام الهيئة الناخبة والرأى العام من التنفيذيين ونواب البرلمان. ومن يرجع لأهم ما كتب لى كوان يو، رئيس وزراء سنغافورة، عن هذا الأمر، يكتشف أن سر نجاحه هو أنه أخضع البيروقراطية للسلطة السياسية الديمقراطية وأخضع السلطة السياسية الديمقراطية لمعايير الكفاءة البيروقراطية فى تجربة لا تتكرر إلا فى ظل قيادات استثنائية تماما. وكما جاء فى هذا المكان من قبل أن البيروقراطية ستقتل التنمية كما أن السياسة ستدمر الاقتصاد إن لم تكن لدينا قيادة واعية بهذا الأمر. السؤال: كيف نصنع هذه المعادلة الصعبة بين البيروقراطية والديمقراطية؟
  • خامسا: الصراع الجيلى بين القديم والحديث، بين الشباب الذى يخرج ليتمرد لأنه وجد أن الكبار لا يعرفون كيف يديرون البلاد ولا يحققون النهضة التى وعدوا بها ولا يحترمون أرواح الشهداء وتضحياتهم ودخلوا فى صراعات بينية تضيع على البلاد طاقتها وقدرتها على الانطلاق. أزعم أن هناك خطا زمنيا يمكن تصوره بين أولئك «الكبار» وأولئك «الصغار»، ولكن المعضلة أن الكبار يصدرون للصغار مشاكلهم وينتجون تلاميذ لهم يسيرون على نهجهم. والأمل هو إنقاذ هؤلاء الجدد من أولئك القدامى بأن يدرك الأصغر سنا القوى الكامنة فيهم وأن يستفيدوا من آراء وتوجهات الأكبر سنا دون أن يكونوا أسرى لصراعاتهم وخلفياتهم وذواتهم المتضخمة.
  • سادسا: الصراع النوعى بين الذكور والإناث. هناك نزعة لا أريد أن أبالغ فيها بين الذكور للتقليل من شأن الإناث واعتبارهن كائنات أقل فى القدرات الذهنية من الذكور. وحين أتناقش فى هذا الأمر مع بعض أقرانى أسمع ما لا أرتضى وينتهى بهم الأمر أحيانا إلى أن يكون التفكير «طيب عايزين بنت معانا علشان شكلنا يطلع كويس». أقول هذا وأنا عندى تحيزاتى الشخصية التى جعلتنى، لفطرة، أفضل العمل مع الذكور على حساب الإناث، لكن ليس لأسباب تتعلق بالكفاءة. هذا الصراع كائن ويخلق مظاهر سلبية عديدة بعضها من السوء مثل ما نشاهد من تحرش جسدى، وبعضها يرتبط بخفض السقف الزجاجى لفرص الإناث للعمل والمشاركة المجتمعية بغض النظر عن الكفاءة.
  • سابعا: الفتنة بين المسلمين والمسيحيين، التى تطل برأسها أحيانا ولا ينبغى أن ندفن رؤوسنا فى الرمال بصددها. هناك مشكلة حقيقية عند بعض فئات المجتمع بالذات فى المناطق العشوائية والريفية حول علاقة المسيحيين والمسلمين. وكلمة الصراع هنا ليس معناها العنف، فهذا أكثر أشكال الصراع بروزا. ولكن الخطاب الطائفى مقلق ويتناقض مع ما يقتضيه دين كل منهم مع الآخر وفقا لآيات المودة والبر (المذكورة نصا فى القرآن) والمحبة والتسامح (المذكورة نصا فى الإنجيل)، لنجد من يحرص على أن يتصرف كل طرف وفقا لمنطق التكفير والإقصاء. هذه مسألة تحتاج هى الأخرى تأملا عميقا يخرجنا مما نحن فيه من دائرة خبيثة تنفجر فى وجوهنا بين الحين والآخر لنظرة عامة أوسع على وجهة المجتمع.
  • ثامنا: صراع بين المركز والأطراف على الموارد المحدودة وعلى رأسها موارد الأمن والتنمية. القاهرة ومعها عدد من المحافظات الحضرية وكأنها تحلق منفردة بعيدا عن مشاكل بقية المحافظات التى تعانى أكثر وكأنها ليست جزءا من مصر. كيف سنتعامل مع هذه المعضلة؟
  • تاسعا: صراع النهضة والتخلف، وهو صراع بين فكر وقيم التعليم والتطور والتكنولوجيا والبناء، وفكر وقيم الجهل والأمية والتخلف والهدم. هذه مسألة ثقافية تتطلب أن تكون مؤسسات صناعة الثقافة من تعليم وإعلام ومؤسسات دينية تتبنى خطابا متكاملا محفزا لبناء الإنسان المصرى القادر على مواجهة تحديات الغد، وليس إعادة إنتاج تخلفنا.
  • عاشرا: صراع الاستباحة والريادة الإقليمية.. مصر الآن فى أضعف حالاتها؛ لأنها ضعيفة معتمدة على غيرها إن شاءوا أعطوها وإن شاءوا منعوها. إحكام غلق الحدود ومكافحة التهريب وترميم العلاقات الخارجية على أسس متوازنة ليست طرفا.
هذا المقال مكتوب قبل الانتخابات بفترة كافية حتى يفكر من ينوى نزول الانتخابات فى طرح هذه الأسئلة فى برنامجه الانتخابى. وهو موجّه لمراكز الدراسات فى مصر كى تطور إجابات لها. ولنتذكر أن التفكير قبل التفعيل تخطيط، والتفكير بعد التفعيل تقييم أو تبرير؛ فدعونا نخطط، يمكن تنفع المرة دى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق