السبت، 25 مايو 2013

الحضارةالانسانية من الصدام للتكامل...بقلم : مهندس / محمود صقر



كم كنت فخوراً وأنا أسمع من دليلنا السياحي في مدينة " قرطبة " قوله :" إن هذه المدينة هي وأخواتها " أشبيلية " و غرناطة " " وطليطلة " وغيرها من مدن الأندلس كانت الوحيدة في أوربا التي تجسد فيها التعايش المشترك بين المسلمين والمسيحين واليهود تحت مظلة الحكم الإسلامي ."
لو لم يقل الدليل هذا ، لنطقت به الآثار الباقية من اطلال حضارتنا بالأندلس .
ففي طليطلة دخلت معبداً يهودياً ( تحول هو الآخر إلى كاتدرائية ) فوجدته يشبه كثيراً بناء المسجد ، فسألت الدليل فقال لي :"إن هذا المعبد بناه العرب المسلمون لليهود المقيمين في الدولة ." وفي جامع قرطبة الكبير ، يوجد ما يشبه لوحة الشرف لمن شاركوا في بناء وتجميل مسجد قرطبة الجامع ، فوجدت ضمن الأسماء ، أسماءً مسيحية ويهودية كانوا من رعايا الدولة الإسلامية.

ولكن للأسف كانت فترة التعايش هذه وميض لمع في سماء أوربا ثمانية قرون في البقعة التي حكمها المسلمون. ثم انقلب الحال حين كانت الغلبة للأسبان، فتم قتل وحرق وطرد جميع المسلمين وحتى من تنصر من العرب، لتخلوا أسبانيا من بناة حضارتها، فكان حالها كما وصفه "جوستاف لوبون" في كتابه "حضارة العرب": "لم تكن أسبانيا ذات حضارة تذكر قبل الفتح العربي ، فصارت ذات حضارة نافذة في زمن العرب ، ثم هبطت إلى الدرك الأسفل من الانحطاط بعد جلاء العرب وهذا مثال بارز على ما يمكن أن يتفق للحضارة الإسلامية من تأثير ."

لن ننكأ جراحاً مضت ، ولكن لننظر إلى مستقبل البشرية، إلى أين نحن سائرون؟ هل نحن سائرون إلى ما بشرنا به " صمويل هنتنجتون " إلى تصادم الحضارات؟ وهو ما نرى الغرب يحوله من نظرية إلى تطبيق في كل ما يدور حولنا من أحداث. أم أننا سائرون إلى الانتقال من ذكرى التعايش إلى أمل تكامل الحضارات؟
أرى أن الغرب لا يمكن أن يقود العالم نحو التعايش أو التكامل، وهو لم يقدم عملياً في حاضره أو في أي مرحلة من مراحل تاريخه نموذجاً للتعايش. والأمل معقود على ان تنهض الحضارة الإسلامية من كبوتها لتقود العالم من جديد إلى صياغة علاقة جديدة تقوم على التعايش في حدها الأدنى والتكامل في حدها المأمول.

وأرى أنه ليست العقبة في طريق تحقيق الهدف هو قوة الحضارة الغربية ورغبتها في التغلب، ولكن العقبة الحقيقية هي غفلة المسلمين عن عظمة دينهم، ولست أعني بهذا فقط المسلمين المفتونين بحضارة الغرب من الذين لا يتصورون أن هناك حضارة إسلامية تشمل كافة مناحي الحياة، ولكني اعني أيضاً بعض الإسلاميين، الذين يتصورون الحضارة الإسلامية سيفاً ورمحاً، وأنها لا تسود إلا بغلبة أو محو غيرها من الحضارات.

سيقول البعض: عن ماذا تتحدث؟ أنت في واد ونحن في واد، نحن مشغولون في لملمة جراحاتنا الداخلية في بلادنا العربية.
وأنا أقول أن هذه الجراحات هي آلام المخاض الجديد لأمة جديدة، انطلقت شراراتها بثورات الربيع العربي، وسترسو سفينة الثورة التي أجراها الله على عينه، إلى بر النجاح والفلاح لأمة مكانها القيادة والريادة. وإن غداً لناظره قريب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق