الاثنين، 27 مايو 2013

نحن لسنا "تمرد" ولا "تجرد" ... نحن "تشرد"!!.... فيروز عمر



هذه هي الكلمة التي جاءت علي لسان أحد شيوخ سيناء والتي ربما تلخص المشهد في سيناء بحكمة و بساطة .. وسأحاول أن ألخص قراءتي للملف في خمسة مشاهد أساسية استلهمتها من خلال زيارتي لسيناء بصحبة مجموعة من النشطاء و قيادات المجتمع الأهلي و الإعلاميين، وذلك برعاية مبادرة "سيناء تتكلم".. 

ولقد اخترت هذه المشاهد الخمسة بالتحديد لأنها قد تواترت حولها الشهادات والمشاهدات.. كما أني قد حاولت أن أبتعد عن الآراء الشاذة و التحليلات الغير مستندة علي أدلة..

المشهد الأول: 
الإجابة علي سؤال: من هم أهل سيناء؟
ربما أول ما يتبادر للذهن أن أهل سيناء هم النصف مليون الذين يعيشون علي أرضها.. ولكن الإجابة التي يتناساها معظمنا هي أن أهل سيناء هم كل شخص استشهد أبوه أو أخوه أو أحد معارفه أو أقاربه في 73 أو 67 وغيرها ... هم كل مصري ... سواء كان هذا المصري من الوادي أو الدلتا أو السواحل أو الصحاري أو الواحات .. نحن جميعا أهل سيناء .. هكذا ينبغي أن يكون التعاطي مع القضية .. سيناء ليست دولة شقيقة نتعاطف معها أو ننادي بحقوق سكانها .. بل إنها هي وطننا جميعا وهي أمننا القومي ،، ما يمسها من أذي يعود علينا جميعا ،، وما ينالها من خير و ازدهار يعود أيضا علينا جميعا ...
في كل مكان زرناه في رحلتنا لسيناء كنا نجلس علي الأرض .. علي الرمل .. وكنت أقبض قبضة من الرمل بيدي و أنظر إليها وأقول لها .. أنت شرفنا وكرامتنا .. إن استهنا بك فنحن الأخساء ... وإن لم نكن أوفياء لأهلنا الذين استشهدوا فداء لك فنحن شر خلف لخير سلف .. وإن حافظنا علي ازدهارك وتقدمك وتنميتك نكون قد حفظنا الأمانة والكرامة والمسئولية .. نحن جميعا أهل سيناء... 

المشهد الثاني:
هناك ارادة سياسية صهيو -أمريكية أن تظل مساحة ثلثي سيناء (من جهة الشرق) هي مساحة معزولة مهجورة لحفظ الأمن القومي الاسرائيلي .. وهناك تواطؤ حكومي مصري -بالتحديد بعد رحيل السادات- أن تتحقق تلك الارادة ،، وبالتالي فإن المطلوب هو أن تتجاهل مصر هذا الجزء من أرضها و تستبعده نهائيا من أي مشروعات تنمية ... ﻷن مشروعات التنمية تعني توافد السكان لهناك وتواجد حائط بشري علي حدود إسرائيل ... وهذا ما لا تريده اسرائيل ... لذلك لن تجد في هذه المنطقة (وهي تسمي "ب" و "ج").. لن تجد فيها أي مشروعات أو خدمات .. لن تجد فيها مياه شرب كافية .. لن تجد مصانع أو مزارع سمكية ،،، والهدف هو "تطفيش" السكان من ثلثي سيناء لتظل تلك المساحة فارغة تماما لحفظ الأمن القومي لإسرائيل!! 
ويجمع القيادات في سيناء أن محور قناة السويس سيزيد من جذب السيناويين لغرب سيناء و ينفرهم من شرقها ،، ويجمعون أن من أراد الحفاظ علي الأمن القومي لمصر- وليس لإسرائيل - يجب أن يبدأ من تنمية شرق سيناء و ليس غربها!
ولقد سألنا هذا السؤال تكرارا: هل ترون أن الارادة السياسية الحالية تجاه هذه قضية تنمية سيناء متطابقة مع الإرادة السابقة؟ هل مرسي مثل مبارك؟ قال أحدهم: "مصر تحتاج إلي "دكر" ليقف في وجه الإرادة الأمريكية والاسرائيلية ... وهذا "الدكر" لم يأت بعد!!" .. وقال آخر ( وهو يحسن الظن في نوايا القيادة الحالية): "الحكومات لها ضروراتها، ولكن الشعوب لها اختياراتها" ... أي أن الحكومات قد تكون مضطرة لتوافقات ومواءمات دولية ،، حينئذ يجب أن تضغط عليها الشعوب ... وهنا نستطيع أن نقول - وضميرنا مستريح - متي يكون الخاكم خائنا ؟ يكون خائنا عندما يسكت القوي الوطنية التي تضغط عليه لتدفعه نحن استقلال القرار الوطني ،،إيثارا للسلامة ...، وهذا هو ما أتمني ألا يحدث ...

المشهد الثالث :
في ظل غياب مشروعات تنمية في سيناء فإن التجارة غير المشروعة تكون هي مصدر الدخل الأساسي لمن أراد أن يعيش عيشة كريمة .. سواء تجارة المخدرات أو تجارة السلاح أو التجارة عبر الأنفاق مع غزة .. هذا لا يعني أن جميع أهالي سيناء يعملون في هذه الأعمال ،، هناك المدرسون و أصحاب بعض الأعمال التجارية البسيطة ،، هناك من يعمل في بعض الصناعات .. ولكن - كما يقول أحد قياداتهم : "ماذا يمكن أن تفعل إذا كان ابنك مريضا وتحتاج لسيارة تنقله عشرات الكيلومترات للمستشفي و يحتاج جراحة أو دواء؟ إنك عندئذ لن تتردد في التكسب من الحرام"...
وهذا يؤكد أيضا أن غياب مشروعات التنمية ينعكس علي السكان بأنه فتح سوقا لمصادر الكسب غير المشروع ... وهوي ينذر أنه إذا استمر الوضع علي ما هو عليه لتحولت سيناء إلي مأوي للعصابات و الارهابيين وتجار المخدرت ،، وهذا هو ما لم يحدث حتي الآن علي نحو واسع .. ولكن ظهرت علامات الخطر التي تنذر به ... 
ومرة أخري هذا لا يشكل خطرا علي سكان سيناء فقط .. ولكنه يمثل خطر علي أهل سيناء جميعا، نحن المصريين 

المشهد الرابع:
التيارات الدينية و السياسية في سيناء هي كأي بقعة في مصر .. ولكن الظاهرة الجديرة بالانتباه هي "السلفيون الجهاديون" .. بكل علاقاتهم المتشابكة مع تنظيم القاعدة و مع القيادات الفلسطينية الجهادية (وليس حماس) .. وهؤلاء هم قنبلة موقوتة في سيناء ،، يحملون ثأرا غليظا مع الشرطة المصرية و أمن الدولة الذي اعتقل عشرات الآلاف ظلما مما أورثهم عنفا و غضبا ،، وبدلا من أن كان عددهم بضع عشرات تزايد زيادة رهيبة بسبب المعالجة الأمنية الغاشمة للظاهرة .. الجانب المضيء هو أن المجتمع السيناوي لا يبارك هذه الجماعات ،، و كثير من هؤلاء السلفيين الجهاديين قد تم "تشميسهم" -بالتعبير السيناوي أي نبذهم من عائلاتهم - .. و الجانب المضيء أيضا أنهم لايزالوا يحسبون حساب بعض القيادات والوجهاء والكبراء في القبائل (وهؤلاء القيادات السيناوية هم بالمناسبة من يعود إليهم الفضل في التأثير علي الجهاديين وإطلاق سراح الجنود) هذا هو الجانب المضيء .. ولكن الجانب المظلم هو أن هذه الجماعات هي أيضا قنبلة موقوتة ،، وحادث الاختطاف هو الأول وقد لا يكوت الأخير إن لم يتم حل المشكلة من جذورها،، ليس بالأسلوب الأمني فقط .. وإنما الاجتماعي و الثقافي و الديني و الاقتصادي. 

المشهد الخامس:
سيناء جنة من جنات الله علي الأرض ... البحر الفيروزي الساحر .. النخيل .. الصحراء الطيبة الساحرة .. أهلها طيبون وكرماء .. يعتزون بوطنيتهم و دورهم في حرب أكتوبر وحروب الاستنزاف .. يحكون لللأبناء و الأحفاد عن بطولاتهم .. و شهدائهم ... غاضبون من عدم تقديرهم و الشك في وطنيتهم ،، تعرضوا للظلم البين ،، تم اعتقال عشرات الآلاف منهم ظلما و استبدادا... لايجدون تعليم لائق أو وظائف آدمية أو خدمات طبية محترمة ،،، محاصرون بين البحر الأبيض شمالا و الأحمر جنوبا ،، و غزة والكيان الصهيوني شرقا وقناة السويس غربا !! لا يوجد طريق بينهم وبين باقي الجسد المصري سوي كوبري ونفق !! يرون أن سيناء مستعمرة عسكرية وشرطية لحماية أمن اسرائيل ،، يحكي أحدهم أنه أراد شراء قطعة أرض ليقيم عليها مشروعا .. فكانت أول خطوة هي التفاوض مع البدو الذين وضعوا أيديهم عليها ،، ثم الخطوة التالية هي تراخيص المحافظة .. ثم تراخيص إدارة الجيش و كانت الخطوة الرابعة هي تراخيص جهاز تعمير سيناء ... و الآن و بعد ثلاثين عاما من محاولة استصدار التراخيص لم يحصل علي الموافقات ولم يبدأ مشروعه بعد!! 

لذلك قالها هذا الشيخ السيناوي الحكيم : 
نحن لسنا "تمرد"... تلك الحملة الشبابية السلمية التي تحاول أن تجمع التوقيعات من المطحونين والغاضبين والمثقفين...
ولسنا "تجرد"... ذلك التنظيم الأخواني الفولاذي ذو الأذرع الدينية ولاقتصادية والسياسية والاجتماعية...
نحن "تشرد" .. شعب يشكو من نقص جميع الخدمات ،، وجميع صور التنمية .. لدينا قنابل موقوتة ،، سلفية جهادية ،، تجارة مخدرات و سلاح و أنفاق .. احذروا غضبنا .. احذروا الشظايا التي قد تتطاير من قنبلة إسمها "إهمال وعزل وتهميش سيناء"..

و أخيرا .. أدعو أهل سيناء -أنا و أنت و كل قارئ لهذه الكلمات - أن يفكر في دوره في هذا الملف الذي ييمثل شرفه و كرامته ومستقبله و أمنه القومي ...
اللهم بلغت الأمانة ..اللهم فاشهد ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق