الأربعاء، 29 مايو 2013

الثورة المصرية من الانكسار إلى الانتصار.. خطوتان لإنقاذ الثورة............ حازم علي ماهر


استطاعت ثورة 25 يناير خلال ثمانية عشر يومًا فقط أن تجبر رئيس الدولة على التخلي عن منصبه وعن حلمه بتوريث حكم مصر لابنه المدلل، حتى أنها صارت نموذجًا يحتذى للثورات السلمية الناجحة في العالم.
ونجاح الثورة بهذا الشكل النموذجي –بعد توفيق الله عز وجل- يرجع - من وجهة نظري - إلى توافر عاملين أساسيين:
  • أولهما: أن أهدافها كانت واضحة ومحددة تحديدًا حاسمًا لخصه المصريون في كلمات قصيرة معبرة: (عيش- حرية – كرامة إنسانية – عدالة اجتماعية)، وكان مدخلهم لتحقيق تلك الأهداف واضحًا ومحددًا كذلك، وهو إسقاط النظام الاستبدادي الفاسد الذي تسبب لهم في الآلام المشتركة التي وحدت أهدافهم تلك.
  • وثانيهما: توحد المصريون – في غالبيتهم العظمى- تحت قيادة هذه الأهداف الكلية الكبرى دون النظر إلى أي تباينات بينهم؛ فكرية أو ثقافية أو دينية .. إلخ.
غير أن الذي حدث بعد نجاح الثورة وإسقاط الرئيس السابق أن ترك الثوار الميدان وعادوا إلى ديارهم وعادت معهم اختلافاتهم الكامنة وأمراضهم المتوطنة نتيجة خضوعهم للاستبداد الشامل منذ أمد بعيد، والتي استطاعوا تجاوزها بنجاح مذهل في مدة 18 يوما فقط، فإذا بتلك الاختلافات والأمراض تظهر من جديد شيئًا فشيئًا، وإذا بالشعب الثائر يدخل في موجة استقطاب حاد حول ثنائيات وهمية أو زائفة أو ثانوية تفرق ولا تجمع، من قبيل: دولة دينية أم دولة مدنية (أو دولة إسلامية أم علمانية)، الدستور أولاً أم الانتخابات أولاً، المبادئ الدستورية أولا أم تشكيل الجمعية التأسيسية أولاً.. إلخ.

وإذا بالشعب الواحد ذي المصير الواحد والمنتمي لحضارة واحدة يخضع لتصنيفات غريبة على روح ميدان الثورة من قبيل: إسلاميين وعلمانيين، ثوار وفلول، ثوار من بداية الثورة إلى نهايتها، وثوار كانوا آخر من التحقوا بالثورة وأول من غادروها.. إلخ.
فانهار العاملان اللذان ساهما في إنجاح الثورة؛ حيث تفتت الأهداف وانحرفت، وتمزقت وحدة المصريين حتى بدا أنهم يسيرون في اتجاه الحرب الأهلية أو انتصار الثورة المضادة وإعادة إنتاج النظام السابق بشكل أكثر استبدادًا وتبعية وفسادًا، أو انفجار ثورة جياع ومشردين لا قدر الله.

هذا المصير الأسود لا يزال هناك أمل في تجنبه عبر خطوتين فقط:
  • الخطوة الأولى: إعادة توحيد أهداف الثورة عبر التركيز على مقاصدها الكبرى، ومعالجة الثنائيات المفرقة وتقديم حلول إبداعية بديلة تقصيها وتستبدل بها أفكارا ومفاهيم تجديدية من شأنها أن تجمع ولا تفرق، وتسهم في التأسيس لإصلاح حقيقي وعميق على المستويات الفكرية والأخلاقية والسياسية والاجتماعية والتشريعية.
  • والخطوة الثانية: العمل على استعادة توحيد المصريين من جديد خلف هذه الأهداف دون تفرقة بينهم على أساس ديني أو مذهبي أو تنظيمي أو حتى ثوري!
هاتان الخطوتان لا يستطيع أن يقوم بهما إلا من خلا عقله من فكر إقصائي، وعصم قلبه من الكبر والاستعلاء على شركائه في الوطن، وتوجهت إرادته لخدمة دينه ووطنه دون أن يتخذ أيًا منهما شعارًا يستغله بغية تحصيل مصالح دنيوية زائلة أو الوصول إلى سلطة يسلطها على رقاب العباد لا لأجل خدمتهم والأخذ بأيديهم نحو التقدم والنهوض.

وهذه الصفات للأسف غير متوافرة في غالبية النخبة السياسية الحالية، ولذا فإن بناء نخبة جديدة - مع مواصلة الضغط الإصلاحي على النخبة المتصدرة الآن- هو الحل للسير في طريق إنقاذ الثورة، وهو أمر صعب وشاق، ولكن من قال أن عملية الإصلاح هي عملية سهلة وميسرة؟!

والنخبة الجديدة لابد من أن تتشكل من مثقفي الوطن ومن غير المثقفين من العمال والفلاحين وغيرهم، على أن يتصدرها شباب لا يحمل أحقاد الماضي في قلبه، منفتح، غير مستقطب في أيدولوجيات عفا على أصحابها الزمن، عينه على مصالح الوطن لا على مصالح شخصية أو تنظيمية قد تتعارض مع مصالح وطنه.

ومثل هؤلاء متواجدون في الشارع والميدان والحزب والتنظيم والجماعة والجمعية والبرلمان والقضاء والحكومة والرئاسة، في المسلمين والأقباط، في الإخوان والسلفيين والليبراليين واليساريين والقوميين، وفي الشباب والشيوخ، والنساء والرجال، غير أنهم يحتاجون إلى إعادة استكشاف أنفسهم وتمكين إرادة التعاون على البر مع غيرهم، فأيًا كان توجههم لن يكونوا أقل من "الكفار" الذين لو كانوا دعوا النبي صلى الله عليه وسلم للتحالف معهم لأجاب!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق