الأربعاء، 22 مايو 2013

في ربوع الأندلس ........ بقلم : مهندس / محمود صقر



سعيت إليها يحدوني شوق وهيام وخيال. 
طالما تخيلتها، وعشت أجواءها وأنا أقرأ شعر "ابن هانئ " "وابن زيدون" ، وفقه وفلسفة " ابن رشد " ، ومقدمة " ابن خلدون".
عشت فيها على بعد المسافات وأنا متيم بمغامرة " صقر قريش " وسيرة "يوسف ابن تاشفين".

طربت لها وأنا أسمع:
جـادَكَ الـغيْثُ إذا الغيْثُ هَمى يـا زَمـانَ الـوصْلِ بـالأندَلُسِ
إنها بقعة الضوء في عصر الظلام الأوربي، ومركز الإشعاع وسط ضباب الجهل والتخلف، وأرض التعايش والتسامح بين الأديان في زمان التعصب.
تجولت في ربوعها أتلمس آثار حضارتنا.
فوجدت أطلال حضارة قدر الله أن ينقذها من براثن الجهل والتعصب.

مسجد قرطبة الجامع الذي يتسع لأربعين ألف مصلي مازال بنيانه قائماً ولكن تحول إلي كاتدرائية ولم ينج من داخله إلا جزءاً من أعمدته وأقواسه ، وشواهد جمال وإبداع قل نظيره في زخارف المحراب وبعض أجزاء المسجد .
أما مسجد أشبيلية الجامع والذي تحول هو الآخر إلى كاتدرائية ، فلم ينج منه إلا منارته ، أراد الله لها البقاء لتظل شاهدة على عظمة من بناها ، لم أر منارة في ضخامتها ، صعدت إلى قمتها ( ارتفاعها 98 متر ) لأرى مدينة أشبيلية كلها تحتي كأني أنظر من طائرة.
وجدت وأنا أتجول في شوارع قرطبة مدرسة مهجورة كانت لتعليم القرآن، زخارفها آية من آيات الجمال.
ظللت انتقل من أثر إلى أثر، وأتذكر تلك المعالم التي كانت عامرة بذكر الله ، والعلم والعرفان ، ويرن في أذني مطلع قصيدة " دعبل الخزاعي " في آل البيت:
مدارسُ آياتٍ خلتْ من تلاوةٍ ومنزلُ وحيٍ مُقفِرُ العَرَصاتِ
ذهبت إلى آخر معاقل المسلمين في الأندلس " غرناطة " زرت معلمها الأبرز " قصر الحمراء " ومررت برياض " جنة العريف " نظرت إلى رياضها العامرة والماء يجري تحتنا ويلمع تحت ضوء الشمس كالفضة وقطرات الندى بللت الزهر كأنها دمع تجاوب مع عبراتي
فترنمت بشعر " ابن زيدون" وهو يعبر عن شعوري:
والرّوضُ عن مائِه الفضّيّ مبتسمٌ
                           كما شقَقتَ عنِ اللَّبّاتِ أطواقَا
نلهُو بما يستميلُ العينَ من زهرٍ 
                          جالَ النّدَى فيهِ حتى مالَ أعناقَا
كَأنّ أعْيُنَهُ إذْ عايَنَتْ أرَقى 
                         بَكَتْ لِما بي فجالَ الدّمعُ رَقَرَاقَا
وردٌ تألّقَ في ضاحي منابتِهِ
                  فازْدادَ منهُ الضّحى في العينِ إشراقَا

وبما أن الحديث ، حديث عاطفة ، أترككم مع مقاطع من مرثية الاندلس للشاعر " أبو البقاء الرندي ":
تَـبكِي الحَنيفِيَّةُ البَيضَاءُ مِن أَسَفٍ 
                         كَـما بَـكى لِفِراقِ الإِلفِ هَيمَانُ
عَـلى دِيـارٍ مـنَ الإِسلامِ خالِيَةٍ 
                        قَـد أَقـفَرَت وَلَها بالكُفرِ عُمرانُ
حَيثُ المَساجِدُ قَد صارَت كَنائِس  
                      ما فـيـهِنَّ إِلّا نَـواقِيسٌ وصـلبانُ
حَـتّى المَحاريبُ تَبكي وَهيَ جامِدَةٌ  
                     حَـتّى الـمَنابِرُ تَـبكي وَهيَ عيدَانُ
لِـمثلِ هَذا يَبكِي القَلبُ مِن كَمَدٍ 
                     إِن كـانَ فـي القَلبِ إِسلامٌ وَإِيمانُ

أما حديث العقل عن حضارة الأندلس ، فموعده المقال القادم إن شاء الله 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق