الثلاثاء، 11 يونيو 2013

الثورة المصرية من الانكسار إلى الانتصار (4)... بنو إسرائيل نموذجًا!........ حازم على ماهر


إن مشكلة مرضى الاستبداد لا تكمن فقط في فساد أخلاقهم، واختلال معايير القيم عندهم، بفعل الاستبداد الذي - كما يقول عبدالرحمن الكواكبي في كتابه الأشهر "طبائع الاستبداد"- يتصرف في أكثر الأميال الطبيعية والأخلاق الحسنة، فيضعفها أو يفسدها أو يمحوها.. فيغدو طالب الحق فاجرًا وتارك حقه مطيعًا، والمشتكي المتظلم مفسدًا، والنبيه المدقق ملحدًا، والخامل المسكين صالحًا أمينًا.. وتصبح تسمية النصح فضولا والغيرة عداوة والشهامة عتوا والحمية حماقة والرحمة مرضا، والنفاق سياسة والتحايل كياسة والدناءة لطفا والنذالة دماثة، ويكون أسير الاستبداد كالحيوان المملوك العنان، يقاد حيث يراد، ويعيش كالريش، يهب، حيث يهب الريح، لا نظام ولا إرادة!

لا تقتصر مصيبة الاستبداد – في نظري- على ما سبق، ولكن المشكلة الأخطر هي أن مرضى الاستبداد لا يدركون مرضهم ولا يعترفون به، بل على العكس يظنون أنهم هم الأصحاء، ويثقون في أنفسهم ثقة مطلقة، فيتعالون على غيرهم من الذين عافاهم الله من هذا المرض لعدم تعرضهم لبطش المستبدين، أو لقوة مناعتهم الدينية والأخلاقية التي حالت دون إفسادهم.

والنموذج الأوضح على الإطلاق في هذا الشأن هو نموذج بني إسرائيل، الذين عانوا أشد أنواع الاستبداد على يد فرعون وتمادى في ذبحهم وتقتيلهم وتجرعوا منه سوء العذاب، فكانت النتيجة أنهم كادوا أن يفقدوا إنسانيتهم لولا أن أرسل الله نبيه موسى فأنقذهم من فرعون وجنوده، ثم أعطاهم ربهم الفرصة تلو الأخرى ليبرأوا من أمراضهم من أثر الاستبداد وأرسل إليهم من بعد موسى أنبياء كثرا لهدايتهم ولكن هيهات؛ فقد غلبتهم طباع العبيد، وبدلا من أن يعتبروا كان عندهم يقين دائم أنهم شعب الله المختار، وأن بقية الشعوب خلقت لخدمتهم، وتجنبوا المحرمات فيما بينهم فقط، واستحلوا غيرهم من البشر، فضرب الله عليهم الذلة والمسكنة إلى يوم القيامة، وجعلهم عبرة لمن لا يعتبر.

فهل نعتبر -نحن المصريين- ونتجنب مصير بني إسرائيل، فندرك مبكرًا أننا مرضى نحتاج للعلاج، والذي لن يتأتى لنا إلا بالاعتراف أولا بذلك المرض ثم التعاون على التخلص منه، لا الدخول في صراعات فكرية قد تودي بنا إلى حروب أهلية، وبئس المصير!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق