السبت، 1 يونيو 2013

بين القصرين تتميز حضارتين... بقلم : مهندس / محمود صقر


القصران المقصودان هما قصر فرساي وقصر الحمراء. 
قصر فرساي رمز عظمة فرنسا ومسكن ملوكها بداية من لويس الرابع عشر .
وقصر الحمراء هو رمز عظمة الحضارة الإسلامية في الأندلس . 
المسافة بين القصرين هى المسافة بين فلسفتين لحضارتين متباينتين.

كيف؟ لنرى: 
قصر فرساى هو قمة الفن الكلاسيكى الفرنسى. قصر بديع بعمارته الفخمة ورسومه التى تغطى اسقفه وجدرانه ، ببريق الذهب الذى يلمع من نقوشه واثاثه ، بثرياته المتلألأه ، بصالاته الواسعة واسقفه المرتفعة. يشعرك فى كل جزء فيه بضئالتك وفخامته وغناه وفقرك . قصر تم بناؤه ليخطف ابصار الناظرين اليه ويقذف المهابة فى نفوس زائريه ، ايقونته هو تاج الملك لويس الرابع عشر. 

اما قصر الحمراء فتتجلى فيه كل معانى الجمال والسكن والراحة والهدوء والبساطة. امتزاج عجيب بين السكن والطبيعة. مجارى الماء تنساب تحت قدميك وامام ناظريك وصوته يشنف أذنيك ، والزروع والأزهار بمناظرها المبهجة ورائحتها الزكية ، وزخارف البناء التجريدية العجيبة فى جمالها ودقتها وتناسقها والوانها المريحة للعين ، مع تداخلات الخط العربى بتشكيلاته العبقرية. وهذه الزخارف من خامات الارض فهى اما من الجص (الجبس) او من الطين الملون المعالج حراريا (الفسيفساء- الزليج). وايقونة القصر شعار (لا غالب الا الله).

وانا منشغل بين هذين النموذجين قفز إلى ذهني ما ذكره الأديب { يحيى حقي } في أحدى مقالاته المجموعة في كتابه " في محراب الفن": ( إنني حين دخلت قصر فرساي ، سألت نفسي كيف كان يعيش أهله فيه ؟ حمدت الله أنني لم أكن لويساً - حتى ولو الرابع عشر – كيف كنت أستطيع أن أنعم بالحياة في مسكن لا أنفك أصاب فيه بزكام من شدة تيارات الهواء ، احس أنني مضيع لا أتهنى بخلوة مريحة في هذه السلسلة التي لا تنتهي من الصالونات والممرات ، أضف إلى ذلك أنني لم أجد حماماً ولا مرحاضاً .....)

ثم انتقلت الى " جوستاف لوبون " يصف في كتابه "حضارة العرب" قصر الحمراء بقوله { لا يشابه قصر الحمراء قصور أوربا مطلقاً ، فليس فيه رداه " ممرات وصالونات " فخمة مملة باردة مثل رداه قصورنا الأوربية التي رسمت ليعجب با الزائرون ، لا لتلائم ساكنيها }

ثم يذكر ما تغنى به " فيكتور هوجو" في قصر الحمراء :" أيتها الحمراء ، أيها القصر الذي زينتك الملائكة كما شاء الخيال وجعلتك آية الانسجام ، أيتها القلعة ذات النوافذ المزخرفة بنقوش كالزهور والأغصان ، حينما تنعكس أشعة القمر المضيئة على جدرك من خلال قناطرك العربية يسمع لك في الليل صوت يسحر الألباب ."

إن هذه المقابلة بين القصرين هي مقابلة بين فلسفتين. 

  • الاولى تعتمد على خطف الابصار بمظاهر الإبهار ، تهتم بالمظهر على حساب الجوهر ، محصورة فى الدنيا ومادياتها ، فانعكس ذلك على انتاجها الحضارى والفنى، فالفنان هنا محبوس داخل المادة المحسوسة فلم يتجاوز خياله ما تراه عيناه ، فانتج تماثيل ورسوم تمجد شخص الملك وتمثل شخوصا واحداثا ، وفى ابعدها خيالا تمثل بعض اساطير اليونان . 

  • اما الثانية فهى فلسفة تعتمد على امتزاج النفع بالجمال ، تهتم بجوهر الانسان وروحه اهتمامها بمتطلبات جسده، فلسفة اطلقت العنان لخيال انسانها ليسبح فى عالم اخر، فيه مالا عين رات ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، فانتج فنانها من طين الارض وخاماتها الرخيصة فنونا بديعة لا تجد لها مثيلا فيما تقع عليه عيناك فى الدنيا، انسان لم يتعلق بشخص ولكنه تعلق بالسرمدى الابدى (لا غالب الا الله).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق