الأحد، 9 يونيو 2013

التسييس وميزان العدالة......... د.سيف الدين عبد الفتاح

صدر قرار المحكمة الدستورية العليا‏,‏ والذي تضمن في حيثياته بعدم دستورية قانون انتخابات مجلس الشوري‏,‏ وكذلك بطلان القانون الذي صدر من مجلس الشعب والذي حلته المحكمة الدستورية أيضا ذلك القانون الذي حدد المعايير التي علي قاعدة منها تشكل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور‏.‏.

وأشارت المحكمة إلي بطلان هذه المعايير بما يؤدي إلي أن تشكيل الجمعية التأسيسية يقع بالتالي باطلا, وفي هذا المقام اختلف هؤلاء حول هذه الأحكام, خاصة ما أشير إليه من قيام مجلس الشوري بأداء وظيفته في عملية التشريع, وأكدت المحكمة أن القضاء بعدم دستورية النصوص المطعون فيها يستتبع بطلان المجلس الذي انتخب علي أساسها منذ تكوينه إلا أنها توقف إثر هذا البطلان بعد صدور الدستور الجديد في ديسمبر2012 والذي نص في المادة 230 أن يتولي مجلس الشوري القائم بتشكيله الحالي سلطة التشريع كاملة من تاريخ العمل بالدستور وحتي انعقاد مجلس النواب الجديد, وتنتقل إلي مجلس النواب فور انتخابه السلطة التشريعية كاملة لحين انتخاب مجلس الشوري الجديد علي أن يتم ذلك خلال سنة من انعقاد مجلس النواب بما مفاده أن مجلس الشوري الحالي مستمر في ممارسته لسلطة التشريع علي النحو المنصوص عليه.

هذا الحكم المركب إنما يعبر عن أمر أراه شديد الخطورة حينما نرتب ونركب الحكم علي هذا النحو, كان من الممكن للمحكمة الدستورية أن تشير إلي ما أشارت إليه من دستور جديد اشتمل علي جملة من الأحكام الانتقالية وحصن مجلس الشوري في هذا الأمر وفقا لما ورد بالمادة 230 السابق الإشارة إليها, إلا أنه وبفحوي القول أكد أن مجلس الشوري رغما عن بطلانه فإنه سيمارس التشريع, وهو أمر يشير إلي المعني الذي يتعلق بقدسية هذه المؤسسات وقبول الضمير الجمعي لها للقيام بأدوارها ووظائفها في عملية التشريع.

ذلك أن الجمع بين هذين النقيضين هو الذي يثير الشك والريبة في قيام مثل هذه المؤسسة بهذا الدور, وفي كل مرة سيقوم هذا المجلس بالتشريع سيشار ومن كل طريق في الخطاب من جهة المعارضة, ومن جهات عامة, أن ذلك المجلس الباطل كيف يقوم بالتشريع في أمور مهمة وفي قضايا تتعلق ببناء مؤسسات هذا الوطن, كيف يمكن لمؤسسة مهانة أن تقوم بعملها في إطار تحاول فيه المحكمة الدستورية غمزا ولمزا وهمزا أن تضفي علي هذه المؤسسة حالة من حالات عدم المشروعية لتبديد طاقة الشرعية والمقبولية عن هذه المؤسسة وعن أعمالها.

ماذا ستكون صورة هذا المجلس عند القيام بأي تشريع تختلف فيه التوجهات ووجهات النظر إلا أن يشار إلي بطلانه من كل طريق, وكأنه لولا ما سمحت به المحكمة الدستورية من مواصلته بالقيام بهذه المهمة ما كان له أن يقوم بذلك, وهي بذلك قد فرغت مجلس الشوري من خلال التأكيد علي بطلانه وجردته من وظيفة التشريع القائم علي قاعدة من الشرعية والرضا, وهو ترسيخ لمؤسسة تقام علي غير قاعدة وأساس من الصحة والسلامة, كان عليها أن تشير إلي تلك القاعدة الدستورية التي أضفت عليه هذه السلامة للقيام بدور تشريعي يجب أن يقوم به في ظل تأسيس قانوني ودستوري وقبول شعبي, إلا أن المؤسسة وفق هذا الحكم صارت مؤسسة مهانة.

وفي الوقت نفسه فإن ذلك الحكم المتعلق بالقانون الذي استندت إليه الجمعية التأسيسية وبما تضمنه من معايير أشارت المحكمة الدستورية إلي بطلانها, ولكنها مع ذلك قامت علي صياغة هذا الدستور المنتج في ديسمبر2012, لتؤكد بذلك علي ذات النهج في الغمز واللمز. القانون بمعاييره باطل, والجمعية التأسيسية في تشكيلها باطلة, إلا أن الدستور قائم; أليس هذا الترتيب والتركيب مرة أخري يشكك في ذلك العمل الدستوري واستناداته الشرعية ثم بعد ذلك يرد في حكم المحكمة في استدراك غير برئ بأن المادة5 من الدستور القائم تنص علي أن السيادة للشعب يمارسها ويحميها, ويصون وحدته الوطنية, وهو مصدر السلطات, كما تشير المحكمة في استدراكها ذلك إلي المادة225 التي تتعلق بإعمال الدستور فتقول وتقر أن يعمل بالدستور من تاريخ إعلان موافقة مجلس الشعب عليه في الاستفتاء, وذلك بأغلبية عدد الأصوات الصحيحة للمشاركين فيه. وإذا كانت السيادة الشعبية وفقا لما جري عليه قضاء هذه المحكمة التي تنعقد للمواطنين في مجموعهم باعتبارهم وعاء هذه السيادة ومصدرها يمارسونها ويصونون من خلالها وحدتهم الوطنية, عن طريق إقرارهم قواعد الدستور التي تسمو علي كل السلطات بالدولة, فإنه يتعين الأخذ بأحكام الدستور بعد العمل به, إعمالا لنتيجة الاستفتاء الذي أجري علي مواده.

وتحاول المحكمة أن تبرئ ساحتها من ذلك الغمز واللمز فتتحدث عن أنه لا يجوز للمحكمة الدستورية العليا مراجعتها أو إخضاعها لرقابتها باعتبار أن الدستور مصدر الإرادة الشعبية ونتاجها في تجمعاتها المختلفة المترامية علي امتداد النظام الإقليمي ثم بعد ذلك كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تلمز وتغمز وسواء كان الدستور قد بلغ الآمال المعقودة عليه في مجال العلاقة بن الدولة ومواطنيها, أم كان قد أغفل بعض جوانبها أو تجنبها, فإن الدستور يظل دائما فوق كل هامة, معتليا القمة من مدارج التنظيم القانوني.

ما هذا إلا غمزا ولمزا في الدستور وتشكيكا في كل ما يتعلق به حتي وهي تعمله, ألم يكن من الواجب علي المحكمة الدستورية في هذا المقام أن تؤكد أنه لا حكم يتعلق بمعدوم, وأن الجمعية التأسيسية التي انتهت من وظيفتها قد انتهت من عملها وانقضت بانقضائه كما ورد في إشارات مهمة في تقرير المفوضين بالمحكمة نفسها, ولكن المحكمة أرادت أن تشكل رأيا عاما حول قضية الدستور وبما أن الدستور هو السلطة التأسيسية فإنه كذلك سلطة مهانة حتي وهو تعمله في الشكل بغمز ولمز غير برئ.

إن هذه اللغة التي صيغت بها هذه القرارات والأحكام والحيثيات إنما تشكل قوة التسييس لأحكام المحكمة الدستورية, فلو أردنا أن نمضي مؤسسة الشوري في التشريع لقلنا أنها مؤسسة حصنت بحكم انتقالي في الدستور وجب احترامه, وأن الأمر الذي يتعلق بالدستور كان من المهم أن نؤكد علي أن الحكم لا يتعلق بمعدوم ومن ثم فإن إعمال الدستور من الواجبات مادام هناك استفتاء شعبي, إن الاستدراك يجب أن يكون متن الحكم وليس مجرد هامش في هذا الحكم.

ووفق هذه الإشارات التي نراها مهمة لابد أن نؤكد أن التاريخ بميزان العدالة الذي يحمله, لن يرحم مؤسسات أرادت أن تدخل إلي مساحات السياسة في إطار عملية كبري لحسابات معقدة, وهذا الحكم يجعل الجميع في المرحلة القادمة في حالة الشك الدائم وعدم الثقة في كل كيان وحالة من الارتياب والارتباك, جاءت المحكمة الدستورية بحكمها لتخرج لنا تلك المؤسسات المهانة وتلك السلطات المؤسسة التي نزعت عنها القدسية في العمل وشقشقت به المحكمة في الكلام.

إن المشكلة ليست في إهانة المؤسسات فحسب ولكن المشكلة الأكبر أن من يحمل إضفاء المشروعية كطريق للشرعية هو الذي يشكك في الاثنين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق